يمكنك إرسال استشارتك على أحد العنوانين البريدين التاليين:
info@mugtama.com
أستاذي الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في البداية أود أن أوضح لكم رغم أنني أكتب عن مشكلتي؛ فإنني أتكلم عن مشكلة متكررة مع أكثر من صديقة لي، ولكنه الحياء أو بمعنى أدق ثقافة الهروب، وحتى لا أطيل عليكم؛ أنا سيدة في منتصف الثلاثينيات من عمري، تزوجت وأنا في العشرين من عمري بشاب يكبرني بخمس سنوات، حقق لي بفضل الله ما كنت أحلم به، فرغم أنه يعمل في وظيفة عادية تستهلك طاقته في أعمال روتينية أصابته بالملل كما يشتكي دائماً، فإنه ورث عن والده عدة عقارات تدر عليه دخلاً يفوق ضعف احتياجاتنا، وهو كريم خلوق، إلا أنني أعتب عليه أنه ضحل الثقافة، وليس لديه طموح، يكتفي بقضاء وقته أمام التلفاز لمتابعة أي شيء لا قيمة له.
الحمد لله رزقنا الله بثلاثة أبناء، وحياتنا الزوجية بصفة عامة مستقرة وأمورنا كانت طيبة، كان زوجي يبالغ في العلاقة الحميمية، وكنت أشعر أنه رغم إجهاده في العمل، وعودته منهك القوى فإنه يحمل نفسه ما فوق طاقته ويصر على المباشرة، ورغم أن معدل اللقاءات كان يفوق رغبتي، وكنت أعبر له عن ذلك صراحة، فإنني خوفاً من الله وحباً لزوجي كنت لا أمتنع عنه، خاصة أنني كنت ألاحظ زهوه وإعجابه بذاته، وكأن هذا هو أهم دور له ليس معي بل في حياته، وكأنه يستحثني أن أشيد به! وحتى أرضي غروره كنت أبالغ في التعبير عن متعتي به، بالرغم من ضعف أدائه الذي بدأ منذ حوالي 7 سنوات، ولكنني صدمت عندما اكتشفت أنه يتناول منشطات جنسية، تجاهلت ذلك حتى لا أجرح كبرياءه، لكنني قررت أن أتعمد الهروب منه، وأحياناً أنجح، ولكن كثيراً – تحت إصراره وحتى لا أسبب مشكلة – كنت ألبي حاجته المفتعلة.
أساس الحياة الزوجية الشفافية وهي المصداقية بحياء أي أن يعبر الزوج لزوجه عن كل أحاسيسه ومشاعره واحتياجاته
وكانت السفينة تسير، إلا أنه حدثت الكارثة – من وجهة نظره هو – عندما اكتشف أنه يعاني من السكري وضعف في وظائف الكلى، وواضح أنه كان مريضاً منذ مدة طويلة وضاعف من آثار المرض أنه بصفة عامة لا يعتني بصحته فهو مفرط في تناول الحلويات، كانت صدمة نفسية له، طبعاً أنا كزوجة حزنت جداً لمرض زوجي الحبيب، ولكنني لاحظت رغم علمي أن مرضه يؤثر على العلاقة الحميمية فإنه زاد من رغبته، وكأنه يتحدى نفسه، وكان واضحاً أن التأثير النفسي لمرضه أكبر بكثير من التأثير المرضي، وكان واضحاً التدهور السريع لأدائه، وكنت أتظاهر وكأنني في قمة الإمتاع، وكانت بداية المأساة عندما حدث له إخفاق كامل، وتجاهلت الأمر، وحتى أغيّر من حالته النفسية عرضت عليه مشكلة مفتعلة للأولاد ولكنه كان فعلاً محبطاً جداً، ثم حاول معي مرة أخرى فبادرته خوفاً عليه وقررت مواجهته بكل صراحة:
«حبيبي، الحمد لله، يجب أن نتقبل الأمر بكل الرضا، ويجب ألا تكابر، أنا أعلم منذ مدة قبل أن تكتشف مرضك أنك كنت تتناول المنشطات، أنا قررت أن أتجاهل هذه العلاقة من حياتنا، وحتى لا أسبب لك أي حرج قررت أن أنام في غرفة أخرى».
فقاطعني وهو في ثورة عارمة، وقال: أنا لست مريضاً، أنا مازلت شاباً، ماذا تظنين بي؟ وكان متوتراً جداً، وفعلاً منذ أكثر من شهر وأنا لا أنام في غرفتنا حتى لا يحاول ويخفق فتثور ثائرته.
لاحظت سهره إلى ساعات متأخرة من الليل، فلم أعر الأمر اهتماماً.
لقد تحولت حياتنا إلى جحيم، لقد وصل الأمر به إلى أن يشُكّ فيّ أنا! نعم إن سهام الاتهام تنطلق كالطلقات المدمرة من عينيه، يأخذ التليفون عنوة متفحصاً إياه.
كان من الطبيعي بعد أن فقد الزوج ثقته في ذاته أن يفقد ثقته في زوجه
اليوم، وهذا ما جعلني أكتب إليكم، نسي تليفونه، ودون أن أدري وشغفاً لمعرفة ما يشغله طوال الليل تفحصت تليفونه، وكم كانت صدمتي عندما رأيت محادثات قذرة مع سيدات وصور فاضحة! فلم أتمالك نفسي في ثورة من البكاء الهستيري، وإذا بزوجي المحترم أمامي، عاد قبل أن أكتشف فضائحه، فبادرته: ما هذا؟ رد: أنا.. أنا كنت أريد الاطمئنان على نفسي، والحمد لله أنا صحيح، ما بي شيء، كما كنت أتوقع أنت السبب!
فقلت له، وقد فزعني تبريره لفعلته الشنعاء: أنا السبب في ماذا؟
قال: نعم أنت السبب في عدم… لقد أحببت فقط أن أعمل اختباراً، وتيقنت أنك أنت السبب وليس للمرض أي دخل فيما حدث، لم تعودي تثيريني، مللت العلاقة معك.
هنا أيقنت أنه لا مجال للحديث، فانسحبت إلى حجرتي أبكي، وتعبيراً عن الثورة التي بداخلي وجدتني أكتب إليك عسى أن أجد لديك الحل.
(المحتارة: أ.ب.ج)
التحليل:
في البداية، دعونا نؤكد بعض المفاهيم المهمة التي تدور حولها المشكلة:
1- أساس الحياة الزوجية الشفافية؛ وهي المصداقية بحياء؛ أي أن يعبر الزوج لزوجه عن كل أحاسيسه ومشاعره واحتياجاته، وأن يكون حقاً مرآة معنوية ومادية لزوجه، مع المحافظة الكاملة على مشاعره، فيستشعر الزوج احتياجات زوجه الوجدانية والمعنوية والحسية؛ فيلبيها بما تيسر دون إسراف أو تقتير، فلا يضع زوجه في عوز.
2- إذا توافرت المودة والرحمة، فبكل حب وثقة لن يتوقف دور الزوج على إخبار زوجه بما يلاحظه فيه من قصور، بل سيأخذ بيده نحو الأفضل؛ «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي».
3- بصفة عامة؛ يعتبر الرجل العربي أن أداءه السريري أحد مقومات اعتزازه بذاته، ويتعاظم هذا الدور كلما ضعفت إمكاناته العقلية ودوره في الحياة، فتتمحور كل اهتماماته في ذلك الدور.
رغم قيمة وأهمية العلاقة الحميمية في العلاقة الزوجية فإنه يجب أن يقتصر دورها على إشباع الزوجين
4- رغم قيمة وأهمية العلاقة الحميمية في العلاقة الزوجية؛ فإنه يجب أن يقتصر دورها على إشباع الزوجين التبادلي للإعفاف وسد ثغرات الشيطان، وبما يمكن الزوجين من الانطلاق لإعمار الكون؛ بدءاً من أمانة تربية الأولاد حتى بناء الأمة، فهي ليست صراعاً لتحدي الذات وإثبات القدرات الخارقة للزوج أمام زوجته، فإذا ما أصاب الزوجَ قصورٌ ما؛ فيجب ألا يُهدم عش الزوجية إلا إذا خافت الزوجة على نفسها الفتنة، وإذا صبرت واحتسبت فلها الأجر من الكريم.
نقطة أخرى مهمة؛ لقد قطع الطب الوظيفي والنفسي خطوات مهمة في حل الكثير من أسباب القصور، وأتاح بفضل الله حل كثير من المعضلات، فلم يغلق الباب في وجه أي مشكلة صحية تتعلق بالعلاقة الخاصة.
عودة لمشكلة الأخت المحتارة (أ.ب.ج)، يلاحظ الدور السلبي للزوجة، فرغم ملاحظتها للفراغ الفكري الذي يعيشه زوجها، فالوظيفة مملة وروتينية ودخل لا يحتاج لأي مجهود، ولا يوجد ما يشغله غير العلاقة الخاصة (ولم أقل: إنها حميمية، إنها فقدت شوقها)، فلم تأخذ بيده، فلم تدعه للتفكير في استثمار مدخراته، ولم تهديه مجموعة من الكتب، وإن لم يقرأ فتقرأ هي وتناقش معه موضوعاً شيقاً يدفعه للتزود المعرفي ليرتقي بذاته، أو على الأقل الانشغال والاهتمام بتربية الأولاد وتحصيل المعارف واكتساب المهارات التربوية، وإطلاق طاقاته الإبداعية للتفاعل مع أبنائه، ولكنها تركته ينكفئ على ذاته ويفرغ طاقاته على السرير.
رغم شكوتها من كثرة التناول، فإنها لم تتبع معه الأسلوب المناسب للاعتدال، مثل أن يكون لهما رسالة اجتماعية أو دعوية، أو الاشتراك في نادٍ اجتماعي، أو ممارسة الرياضة في «جيم» لاستهلاك طاقته البدنية والترويح النفسي، أو الاستقالة وعمل مشروع خاص أو.. المهم أن يكون لهما (أؤكد مرة ثانية لهما) برنامج للارتقاء بالذات يجد فيه قيمة مضافة يعتز بذاته فيها وهو المهم، ويترتب على ذلك تقليل قيمة الأداء في العلاقة الخاصة من منظومة الأداء الحياتي له.
السلبية في التعامل مع تناول الزوج للمنشطات (التي أرى أنها يجب أن تكون تحت الإشراف الطبي، لآثارها النفسية قبل البدنية، كفاها ضرراً أنها تعطي للمعتاد عليها أنه لن يستطيع القيام بمهامه إلا إذا تناولها)، كان عليها أن تواجهه بكل الحب والثقة مع كامل الحذر من جرح حيائه، سواء تلميحاً أو تصريحاً، وأنها لا تطلب المزيد، بل تستسمحه أن يقلل من اللقاءات، مع بيان الآثار السلبية للمنشطات بصفة عامة، ويمكن ذلك من خلال فيديو («اليوتيوب» به المئات من الفيديوهات التي تتناول هذا الموضوع بأسلوب علمي مهذب).
وشاء الله أن تحدث المواجهة، وللأسف كانت مواجهتك له سلبية، فقلت له: «يجب ألا تكابر»، «وكنت أعلم أنك كنت تتناول المنشطات»، كلمات جارحة بل مدمرة، ثم كانت الخاتمة الأكثر ألماً: «أنا قررت أن أتجاهل هذه العلاقة من حياتنا، وحتى لا أسبب لك أي حرج قررت أن أنام في غرفة أخرى».. للأسف كلمات جارحة لا توحي فقط بل تؤكد أن حالة الزوج ميؤوس منها، ورأفة وشفقة به قررت الانفصال الجسدي بعد النفسي وتقيم في غرفة بعيدة عنه، بما في ذلك من آثار نفسية سلبية تزيد من تعقد حالته، ناهيك عن المخالفة الشرعية في هجر فراش الزوجية، أياً كانت المبررات.
كان من الطبيعي بعد أن فقد الزوج ثقته ذاته – حيث لا يرى ذاته إلا في هذا الملعب – أن يفقد ثقته في زوجه، وأنها مثله تدور في هذا الفلك الضيق، وأنها أعوذ بالله ستعوض نقصه بطريقة ما، وعليه أن يبحث، فالأصل أنها مخطئة وعليه أن يبحث ليتأكد أنها لم تفعل.
للأسف مع ضعف الوازع الديني، والخواء النفسي وحالة الانكسار – ومن مبررات الشيطان – محاولة الهروب إلى القاع، ومحاولة يائسة إثبات الذات في الملعب الوحيد الذي يجد فيه ذاته، لعب به الشيطان ووقع في شبكات الغواية، وأوهم نفسه أنه مغوار هذا العالم الافتراضي، وغرق في الوحل، وتوهم في محاولة لمّ شتات نفسه والبحث عن أي شماعة يبرر به قصوره الغريزي، هي الزوجة التي لم تعد مثيرة، وارتاح لهذا التعليل الذي وفره له عالمه الافتراضي مع بعض الأشباح الجنسية.
الآثار:
استمرار انهيار العلاقة بينهما، وفقدان الثقة، وتدمير الصورة الذهنية لهما لدى الأولاد، فمن المؤكد أن الأولاد قد أدركوا حجم الشقاق الذي حدث بين والديهما، وكل منهم بدأ يبحث عن شكل الغد!
الحل:
إن أخطر ما في هذه المشكلة هو البعد عن الله، وعدم الاستناد إلى مرجعية مشتركة تؤلف بين قلبيهما، فرغم عدم تعرض الأخت الحائرة (أ.ب.ج) إلى مدى الالتزام الديني العائلي، فإنه واضح على الأقل ضعف الوعي بأهمية الدين كمنهج حياة، حتى وإن أدّت الصلوات؛ لذا أقترح على الزوجة الإسراع بترتيب رحلة عمرة، ولا يتم خلالها مناقشة أي موضوع، فقط استعادة بناء العلاقة والتودد والاهتمام، وتشمل زوجها بكل حب ورعاية، مع الاجتهاد بالدعاء، وإلى أن يحين موعد العمرة الانتقال لحجرتيهما وإبداء كل مظاهر الاهتمام والرعاية.
بعد العودة من العمرة يكون المسلم بفضل الله في أعلى درجات الروحانيات وطيبة النفس.
وتدعوه للتنزه أو قضاء يوم بالنادي، الآن ولله الحمد بعد العمرة بإشراقات روحانياتها، واستعادة الثقة بينكما، يمكنكما أن تتلمسا طريق الحل.
ابدئي حديثك بعد حمد الله أن وهبك هذا الزوج ومنّه عليكما بالذرية والنعم التي لا تحصى، وأن قيمته لديك كزوج وأب أولادكما فضل عظيم، وإن أهم ما تحرصين عليه هو صحته وسعادته، وناقشا صياغة برنامج حياتكما، بحيث يشمل تقوية العلاقة بالله، والعناية بالصحة وفق برنامج تحت إشراف أطباء متخصصين.
ومن المهم أيضاً أن يكون لكما برنامج تنمية ذاتية عائلي يشملكما وأولادكما، ولكنني أؤكد تنمية وتقوية العلاقة الوجدانية، من خلال التواصل عبر الحديث المباشر والرسائل الإلكترونية والمفاجآت العاطفية بكل ما تحمله من عبارات التقدير والإشادة، كما أوصي بالاطلاع على برنامج «المودة والرحمة» على موقع «المجتمع».
مع أطيب الدعاء لكما ولكل المسلمين أن تعمر بيوتنا بذكر الله حتى يمنّ الله علينا بالمودة والرحمة.