بسم الله والصلاة والسلام على جميع رسل الله، صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين..
امتاز الدين الإسلامي بتجاوزه حدود المكان والزمان؛ فهو ضارب في عمق التاريخ منذ خلق الله آدم عليه السلام، وممتد في مسارب الكرة الأرضية كلها؛ فهو دين عالمي يحمل عوامل تجدده وانتشاره المستمدة من كونه دين الحق الخاتم لكل الديانات.
وكل يوم يدخل في الإسلام مهتدون جدد؛ سواء من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) أم من غيرهم، وسواء كان ذلك نتيجة لجهود الدعاة الذين ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، أم نتيجة للجهود الشخصية التي يقوم بها بعض هؤلاء الأفراد –خاصة من ذوي الثقافة والفكر- الذين لم تقنعهم عقائدهم ودياناتهم ولم يجدوا فيها إجابات شافية عما يعتمل في أذهانهم وأفكارهم، أو لم يجدوا فيها ما يروي لديهم العطش الروحي والجدب الإيماني.
وكم من أناس كان همهم هو دراسة الإسلام لإيجاد ثغرات ومثالب ينفذون بها إليه، مهاجمين له وطاعنين فيه، فقادتهم محاولاتهم تلك إلى طريق النجاة والهداية؛ حيث لم يجدوا بغيتهم الخبيثة، ووجدوا فيه كل طيب ونافع في الدنيا والآخرة؛ فتخلوا عن دياناتهم واختاروا الإسلام لما وجدوا فيه ما يتناغم مع عقولهم وفطرهم السوية.
ومن هؤلاء المثقفين والمنصفين والمنفتحين المهندسة نجاة النهاري اليهودية المعتقد، التي اطلعت على الدين الإسلامي اطلاعا منصفا وموضوعيا قادها إلى ضرورة الاهتمام به والتعمق فيه، لكن وقف أمامها حجر عثرة حال المسلمين، وما هم عليه الآن من وضع مخزٍ على مختلف الأصعدة، فضلا عن بعض الشبهات التي قابلتها سواء من خلال اطلاعها أم من خلال بعض المعلومات الشائهة التي قدمها لها بعض من أرادوا دعوتها للإسلام؛ فأساؤوا من حيث أرادوا النفع..
فيما يلي أترككم مع رسالة المهندسة وما تحويه من تساؤلات وشبهات، أنقلها بنصها وأسلوبها؛ حتى لا أفقدها حرارتها وصدقها وعمقها؛ حيث تقول:
“كثيرون وجهوا لي الدعوة للتخلي عن معتقدي اليهودي ودخول الإسلام، وكثيرون أيضاً يلعنونني كل يوم ويصفونني بالكافرة ويقولون إن غير المسلمين مصيرهم إلى نار الله.
بعث لي أحد الأصدقاء قصة جميلة عن النبي محمد ويهودي كان يسكن جواره ويلحق به الأذى والنبي يصبر عليه، وعندما مرض اليهودي زاره النبي فخجل اليهودي من أخلاقه ودخل الإسلام… عندما قرأتها فهمت أن تصرفات وأخلاق النبي محمد كانت هي مقياس اليهودي للإعجاب بالإسلام واعتناقه قبل حتى أن يقرأ ما في القرآن.. ولحظتها تساءلت مع نفسي: يا ترى المسلمون اليوم بماذا سيغرون اليهودي لدخول الإسلام؟!
أرجو ألا تغضبكم صراحتي، فأنا أحاول أن أفهم الإسلام على طريقة اليهودي الذي أسلم بسبب تصرفات النبي قبل كلام القرآن.. وسأناقش الموضوع بثلاث نقاط:
أولا- المسلمون اليوم مذاهب متعددة وكل مذهب يعتبر الآخر “كافرا” ويحلل قتله.. فلو أردت -كيهودية- دخول الإسلام فهل أدخله من باب “السنة” أم “الشيعة” أم المذاهب الأخرى؟ وأي منها أعيش فيه بسلام ولا يحلل قتلي أنصار مذاهب الإسلام الأخرى؟
تحدثت لصديقتي المسلمة في بيروت عن دعوات الأصدقاء لدخول الإسلام، وأثناء النقاش فوجئت أن المسلمين يرددون كلاما مقدسا للنبي محمد بأن المسلمين سيتفرقون إلى (70) فرقة كلها سيعذبهم الله في النار باستثناء فرقة واحدة ستدخل الجنة. فسألت صديقتي عن اسم هذه الفرقة فقالت إنها لا تعرفها ولا يوجد مسلم يعرفها لكن كل فرقة تدعي أنها هي المقصودة!!
تساءلت مع نفسي: يا ترى إذا أراد يهودي دخول الإسلام فعند أي فرقة يذهب ليتحول إلى مسلم؟ ومَن من علماء المسلمين يعطيه ضمانا أكيدا بأنه سينضم للفرقة الصحيحة التي لا يعذبها الله؟ فهذه مغامرة كبيرة وخطيرة جداً.
ثانيا- المسلمون اليوم يتقاتلون بينهم البين في كل مكان، ويذبحون بعضهم البعض بطرق بشعة جداً.. فكيف يقتنع اليهودي بدخول الإسلام إذا وجد المسلم يقتل أخاه بسبب الدين نفسه، بينما لا يمكن أن يسمع أحدكم بأن اليهود يقتلون بعضهم البعض بسبب الدين، بل على العكس إسرائيل أقامت دولتها بسبب الدين.
قبل يومين قرأت تقريرا تم تقديمه للأمم المتحدة من دول عربية مسلمة يتحدث عن (80) ألف مسلم تم قتلهم في سوريا خلال سنتين فقط بأيدي المسلمين سواء من النظام أم المعارضة. ورأيت مقطع فيديو لأحد مقاتلي المعارضة وهو يخرج قلب جندي ويأكله (أي مسلم يأكل قلب أخيه المسلم؟!).
كما كنت قرأت إحصائيات عن عدد القتلى في العراق خلال الحرب الأهلية (المذهبية) تقدرهم بأكثر من 280 ألف عراقي غالبيتهم العظمى مسلمون وقليل جداً بينهم مسيحيون.
سأكتفي بهذين المثلين، وأترك لكم التفكير والتأمل والتساؤل: كيف يمكن لليهودي أو المسيحي أن يقتنع ويطمئن قلبه لدخول الإسلام إذا كان هذا حال دول المسلمين؟ مع أني واثقة كل الثقة أن ما يحدث ليس من تعاليم الإسلام لأن جميع الأديان السماوية تدعو للسلام.
ثالثاً- عندما النبي محمد دعا الناس للإسلام فإنه أغراهم بالحرية والعدل والخلاص من الظلم والجهل والفقر لذلك تبعوه الناس. لكن اليوم عندما المسلمون يدعون اليهود لدخول الإسلام فبماذا يغرونهم؟
لنكن صريحين وصادقين: فمعظم دولنا العربية الإسلامية يعمها الفقر والجهل والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان، وتفتقر للتنمية والقوة الاقتصادية، ولولا ذلك لما قامت ثورات الربيع العربي. بينما الدول التي يديرها مسيحيون ويهود ممن يعتبرهم البعض (كفارا) أصبحت هي من تغري المسلمين للهجرة إليها والعمل أو العيش فيها.. بل هي من تصنع للمسلمين حتى ملابسهم الداخلية.. وأرجو المعذرة لذلك فليس القصد السخرية، وإنما اعتراف ومصارحة بالواقع الذي يعيشه العالم اليوم!
صحيح أنا يهودية لكنني أحترم الإسلام وأجد فيما يحدثني عنه المسلمون دستوراً عظيماً للحياة الإنسانية، وتمسكي بعقيدتي ليس كفراً كما يعتقد البعض، فقد بعث لي أحد الأصدقاء بنص من القرآن يؤكد أنه لم يكفر أصحاب الأديان ويقول هذا النص {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون}.
لذلك بدأت أقرأ دراسات عن القرآن وكل يوم تزداد حيرتي أكثر وأبقى أسأل نفسي: لماذا إذن العالم الإسلامي وصل إلى هذا الحال رغم أنه لديه دستور ديني رائع ونبي عظيم كان يجعل اليهودي يتبعه بسلوك صغير قبل معرفة ما في القرآن، بينما اليوم ينظر غير المسلمين إلى المسلم بريبة وخوف؟!!.
انتهت الاستشارة..
وقد رأيت أن أتناول الموضوع من الزاوية الدعوية؛ حيث لاحظت بعض الأخطاء الدعوية التي وقع فيها بعض الإخوة الذين أرادوا إقناع هذه السيدة بالإسلام؛ فأردت التركيز على هذه الأخطاء، مع تقديم بعض الردود السريعة التي يمكن أن يفيد منها الدعاة في مثل هذه المواقف.. من خلال محورين:
الأول- المحور الدعوي.
الثاني: بين الإسلام والمسلمين.
أولا- المحور الدعوية
لا شك أن الدعاة إلى الله تعالى هم النافذة التي من خلالها يقرر غير المسلم الدخول إلى الإسلام أم لا؛ فحسب اتساع هذه النافذة وحسن تعبيرها عن الواقع الحسن داخلها يكون الإقبال والدخول في الإسلام، أما إذا كانت هذه النافذة ضيقة الأفق ولا تجيد التعبير عما في داخلها يكون الهروب والنفور من الإسلام..
واستشارة المهندسة النهاري لا تخلو من بعض هذه الأخطاء التي مارسها معها بعض من دعوها إلى الدخول في الإسلام، ومن وجهة نظري تتمثل هذه الأخطاء فيما يلي:
1- المباشرة في الدعوة دون تهيئة المدعو؛ حيث تقول في بداية استشارتها “كثيرون وجهوا لي الدعوة للتخلي عن معتقدي اليهودي ودخول الإسلام”؛ فليس منطقيا أن تأتي لأحد وتقول له: اترك دينك ودين آبائك وأجدادك، وادخل في ديني أنا وآبائي، هكذا دون مقدمات مقنعة له بذلك؛ فأمر العقيدة ليس من السهل تغييره أو التخلي عنه إلا عن قناعة تامة، وهذا ما دعا السائلة لتساؤلها عن السبب الذي يجعلها تتخلى عن معتقدها وتدخل في الإسلام.
وإزاء هذا الأمر واستفادة من الموقف واستثمارا للحدث.. فإنني أدعو إخواني الدعاة إلى مراعاة ما يلي في مثل هذه الحالات:
– أهمية التدرج في الدعوة، وضرورة فتح قنوات تفاعل وتواصل مع المدعو، ومعرفة شخصيته ومفاتيحها التي يمكن الدخول له من خلالها..
– البدء مع المدعو من المتفق عليه بين المعتقدات وصولا إلى الحوار والنقاش في المختلف عليه.
– مراعاة حال المدعو؛ فما يجوز مع المدعو ذي الثقافة العادية لا يجوز مع المدعو المثقف مثل المهندسة نجاة النهاري التي تبدو ثقافتها وانفتاحها على الآخر بصورة كبيرة من استشارتها.
2- وهو خطأ أكثر فداحة من الخطأ الأول وهو التطاول والتسفيه من عقيدة الآخر؛ حيث تقول في استشارتها: “وكثيرون أيضاً يلعنونني كل يوم ويصفوني بالكافرة ويقولون إن غير المسلمين مصيرهم إلى نار الله”.. فكيف ننتظر ممن يسمع هذا الكلام عن عقيدته التي ما زال يعتنقها ويعتقدها أن يفتح لك قلبه وعقله بعد ذلك ليسمع منك.
ولننظر إلى المنهج الرباني في مثل هذه المواقف وهو ما يجسده القرآن في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 64). وقوله تعالى: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (سبأ: 25)؛ حيث عبر عن فعل المتكلم بـ”أجرمنا”، وهو أمر محتمل، وعبر عن فعل المخاطب الآخر بـ”تعملون”؛ ذلك أنه في الآية السابقة لها افترض الهداية أو الضلال لكلا الفريقين {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (سبأ: 24).
3- الخطأ الثالث: الاستعجال وعدم التدرج في الدعوة، ويتضح ذلك في الدخول مع المدعوة في بعض الأمور التي يتوقف عنها الكثير من المسلمين، والتي لا يهتم بها إلا ذوو الاختصاص مثل الحديث عن افتراق الأمة إلى بضع وسبعين شعبة، وغيره من الأمور التي تجهد أهل الاختصاص فضلا عن عموم المسلمين.
ولنا في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ حينما بعثه إلى اليمن درس دعوي مهم في هذا السياق؛ حيث قال له صلى الله عليه وسلم: “إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقرّوا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس” (متفق عليه).. فأوصاه بأن يبدأ معهم بدعوتهم للتوحيد، ثم بعد ذلك يتدرج معهم في العبادات.
4- الخطأ الرابع: الانقطاع عن المدعو وعدم متابعته والرد على تساؤلاته عن الدين؛ فقد ذكرت السائلة أن أحد الصدقاء أرسل لها قصة جميلة عن النبي محمد وحسن معاملته لليهودي؛ فدور الداعية هنا اقتصر على مجرد إرسال القصة عن بعد.
إن من يهتم بالتعرف على دين جديد يحتاج إلى التعمق فيه ومعرفة تفاصيل دقيقة وكثيرة عنه، ومن هنا وجب متابعته حتى لا يترك نهبا للشبهات والمصادر غير المنصفة؛ التي تقدم معلومات مغلوطة في كثير من الأحيان.
5- الخطأ الخامس: عدم الدقة في التعريف بالإسلام واجتزاء المعلومات، وذلك مثل نقل حديث افتراق الأمة إلى بضع وسبعين شعبة؛ ففضلا عن عدم الدقة في النقل اللفظي في الحديث، وعدم مناسبة نقله الآن بهذه الصورة؛ فإن النقل في حد ذاته جاء مشوها ومجتزءا وهو ما أحدث بلبلة عند المدعوة، وكذلك ما وصلها عن السنة والشيعة، وعدم توضيح الصورة كاملة عن أن هناك أصلا وفرعا، وعدم توضيح ظروف نشأة الفرع (الشيعة) وعلاقته بالأصل.. كل هذا كان سيريح السائلة ويجيب على تساؤلاتها التي تحولت إلى عامل بلبلة لها.
المحور الثاني: بين الإسلام والمسلمين
من الأسباب المحورية والهامة التي انطلقت منها السائلة لتبرير ترددها في الدخول إلى الإسلام هو هذه الحالة التي يعيشها المسلمون والتي تسر العدو وتسيء الصديق. وأنا أتفهم وجهة نظرها تلك وما تفكر فيه؛ ذلك أن الواقع والحقيقة هي كما تراها؛ فالدول الإسلامية من تخلف إلى تخلف، ومن سيئ لأسوأ، وهو ما يجعل أي شخص مكان السائلة يفكر بتفكيرها نفسه؛ فما الذي يجعله يغير دينه ويدخل في دين آخر، هذا حاله وحال أهله؟!.
لكن هذه النظرة يعوزها القصور والدقة؛ وهو ما يجب أن يدركه الدعاة حتى يكونا على بصيرة من دعوتهم ودينهم، ولا يقفوا أمام تلك الحجج تائهين حائرين. وفي هذا السياق ينقف الوقفات التالية:
أولا- هناك فرق بين الإسلام الدين السماوي الكامل المنزل من الله تعالى، والمسلمين الذين اعتنقوه وآمنوا به وراثة أو دراسة؛ فأفعال المسلمين ليست حجة على الإسلام، ولكن الإسلام حجة على المسلمين؛ فلا يُقيَّم الدين بأفعال تابعيه الذين يمكن أن يحيدوا عما أراد لهم.
ثانيا- إذا جاز لنا أن نُقيِّم الدين بناء على أفعال تابعيه فمن الظلم قصر ذلك على الفترة الحالية، وتجاوز تاريخ طويل ممتد عبر 14 قرنا من الزمان، تأرجح فيها حال المسلمين بين التقدم والتخلف، حسب التزامهم بتعاليم دينهم الحنيف. وكانت هناك فترات كان العالم كله يتطلع لينهل من فيض علوم المسلمين وتقدمهم.
ثالثا- إذا أردنا الحكم على الدين من خلال تابعيه فلننظر في حال تقدمهم وحال تخلفهم.. أي الحالين كانوا أقرب وألصق بدينهم وتعاليمه؛ فإذا كانوا في حال التقدم والوحدة أقرب لتعاليم دينهم فهذه شهادة لهذا الدين، والعكس صحيح، وحالنا -نحن المسلمين- هو الحال الأول، وهذا دليل على أن العيب فينا وليس في ديننا.
رابعا- إذا توصل الباحث إلى وجود انفصام بين الدين وأتباعه؛ فعليه أن يبحث عن أسباب هذا الانفصام، فمثلا نجد أن من أسباب ذلك الآن هو هذه الأنانية التي يتعامل بها أصحاب الديانات الأخرى التي جعلتهم يستخدمون أساليبهم وألاعيبهم حتى يزيدوا من تخلف الدول العربية والإسلامية، وإذكاء الحروب بين أهلها وطوائفها حتى تظل في هذه الحالة من التخلف (وما يحدث في سوريا –وهو ما استشهدت به السائلة- خير دليل على ذلك)؛ حتى تظل لهم الغلبة، رغم أنه لم يحدث مثل هذا من المسلمين في فترات عزهم وتقدمهم؛ فديننا يحرص على مد جسور التعاون والتعايش مع كل الحضارات والديانات بما يحقق رخاء الإنسانية كلها. فهو الذي قال لنا في كتابه العزيز {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).
وإذا أنصف الباحث وأعمل فكره وقلبه في هذه النقطة فإنه سيجد أن الغلبة فيها للدين الإسلامي.
خامسا- حتى يكون الباحث أكثر إنصافا عليه أن يقارن بين الدين الذي يريد التعرف عليه وغيره من الأديان السماوية مثل اليهودية والمسيحية، وهنا تكون المقارنة بين الديانات وليس بين الأتباع؛ حتى يكون الاختيار أقرب للصواب..
سادسا- حتى يصل الباحث إلى اختبار ما سبق فإنه يحتاج إلى دراسة وتعمق في الدين أولا قبل النظر إلى حال أتباعه، فإذا وجد تعاليم وقيم وآداب هذا الدين مقنعة له فهنا عليه أن يسارع باعتناقه إنقاذا لنفسه، ثم بعد ذلك يفكر كيف يصلح من حال أتباعه؛ فالأمر لا يحتمل المخاطرة أو النظر إلى حال الغير ما دام قد استقر في الوجدان صلاحية ومنطقية هذا الدين.
وهنا أجد أن السائلة قد فطنت لذلك وفعلت هذه النقطة؛ إذ تقول: “بدأت أقرأ دراسات عن القرآن وكل يوم تزداد حيرتي أكثر وأبقى أسأل نفسي: “لماذا إذن العالم الإسلامي وصل إلى هذا الحال رغم أنه لديه دستور ديني رائع ونبي عظيم كان يجعل اليهودي يتبعه بسلوك صغير قبل معرفة ما في القرآن بينما اليوم ينظر غير المسلمين إلى المسلم بريبة وخوف؟!”.
فهي اقتنعت بعظمة الدين الإسلامي وعظمة نبيه عليه الصلاة والسلام، ويتبقى لديها إشكاليتها مع حال المسلمين وما وصلوا إليه من حروب وتخلف في كل المجالات، وهنا عليها أن تطبق النقاط السابقة على هذه النقطة -في ردي هذا- من وجوب فصلها بين الإسلام والمسلمين، ثم مقارنة حال المسلمين على مدى التاريخ… إلخ.
سابعا- نحن نعتنق الدين للنجاة به في الآخرة من عذاب الله، فحتى إذا كانت هناك بعض العوائق والفتن ومظاهر التخلف والضعف في الدنيا؛ فإننا نرجو الثواب والأجر من الله تعالى في الآخرة؛ فمن تحقق من صحة وصوابية الدين فلا يشغل نفسه بما يحققه له هذا الدين أو أتباعه في الدنيا؛ بل يبحثون عما ينجيهم به في الآخرة.
ثامنا- افتراق المسلمين وتحزبهم إلى فرق وشيع ليس بدعا من الديانات الأخرى؛ بل إن الأمر في الإسلام أكثر وضوحا وانضباطا عنه في الديانات الأخرى، كما ورد في رد الدكتور الشنقيطي في أثناء تفنيده لهذه الشبهات، سواء ما تعلق منها بالفرقة الناجية أو بالعلاقة بين السنة والشيعة.
تاسعا- ديننا الحق علمنا وربانا على أن لله تعالى سننا كونية لا تتخلف ولا تحابي أحدا؛ فمن أخذ بأسباب التقدم والرقي والعدل والمساواة يكون النصر حليفه في الدنيا، ولا شفعة في ذلك لدين على دين، ومن أبرز هذه السنن التي أقرها الإسلام قول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
عاشرا وأخيرا: فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء، والدعاة هم ستار القدرة التي يهدي بها الله من يشاء من عباده على أيديهم..
فلنخلص نياتنا ونحسن اللجوء إلى الله تعالى أن يفتح لنا القلوب قبل العقول.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
—-
* المصدر: موقع “مهارات الدعوة”.