– ابني مُصرٌّ على الزواج من هذه الفتاة غير المحجبة ويريد أن أكون معه
– الصورة الذهنية عن الزواج لدى الشاب تؤثر على قراره
– اختيار الشاب لفتاة غير محجبة يعني خللاً في منظومة اختياره
نحن في كرب شديد منذ أن صدمنا ابننا الوحيد بخبر اختياره فتاة لتكون زوجة له، وطلب منا الموافقة على اختياره ومشاركته فرحته! ولعلك تتعجب لماذا الكرب إذن؟ أوضح لكم:
نحن أسرة ملتزمة، فأنا منتقبة، حافظة لكتاب الله، ودرست قدراً طيباً من العلوم الشرعية، وأمارس الدعوة بين سيدات مجتمعي، مهتمة بأمر أمتنا، ترجع إليَّ الكثير من الأخوات في شؤونهن الدينية والشخصية، أتابع الشأن العام.
تزوجت منذ ثلاثة عقود، ورزقني الله بابن وثلاث بنات كلهن منتقبات وعلى قدر طيب من العلوم الشرعية، كنت حريصة على أن يحفظ ابني القرآن وهو صغير، وكنت أتابعه بل وأراقب كل تصرفاته حتى انتهاء المرحلة الثانوية، أتأكد من أدائه الصلاة، وانتظامه في دراسته، ومن يصادق، لم أشتر له «موبايل» خوفاً عليه من أي انحراف، كانت المرحلة الجامعية فاصلة، فقد أدركت صعوبة بل استحالة السير بنفس النظام، فاضطررت أن أشتري له «موبايل»، وكنت أتابعه عليه! ولكن أيقنت أنه قد تغير؛ فأصبح له رفقة من الأصدقاء والصديقات، وأن الأمر قد تعدى حدود الزمالة، وأن المحادثات لم تعد بسبب الدراسة والمشروعات الهندسية كما كان يبرر، ولم أكن أملك غير النصح والتحذير من غضب الله، ولكن ما كان يؤلمني حقاً هو الفجوة النفسية التي كانت تزداد بيني وبين ابني!
أستاذي الكريم، لقد تجاهلت دون قصد الشق الآخر من حياتي، والتي أظنك تتساءل عن دوره في الصدمة التي أعانيها أنا وبناتي في اختيار ابني لمن يتزوج منها؛ وهو زوجي! للأسف ليته يكف أذاه عنا، فهو لا يهتم إلا بتوفير الاحتياجات المادية فقط، ومع الخسائر التي لحقت بشركته أصبح لا يلبي إلا القليل، ناهيك عن أسلوبه الجاف، إن الأولاد يهرعون إلى غرفهم بمجرد دخوله، علاقته بهم سيئة خاصة مع ابني.
أما عن علاقته بي، فلا يربطه بي إلا احتياجه للعلاقة الخاصة، خلاف ذلك فلا علاقة غير النقد والاتهام والسخرية من التزامي ونقابي، وإن الأولى بي العمل على رضائه، دائم الشكوى مني، خاصة أمام ابني.
نتيجة لكل ذلك؛ كان ابني هو الأمل الذي أتعلق به، فقد تزوجت الابنة الكبرى وانشغلت بحياتها، وعشت أحلم بليلة زواج ابني وكيف تكون زوجته!
وسط كل تلك المشاعر والشوق لفرحة تعوضني، إذ بابني يعرض عليَّ صورة فتاة غير محجبة! رفضت طبعاً، وتحت إصراره، ووعده أنها ستتحجب قبلت أن أقابلها ووالدتها، وازدادت صدمتي! فالأمر ليس مجرد حجاب، فكل لبس البنت غير شرعي، بل ينم عن…! أما الأم فكما علمت محجبة من سنتين، وزيّها لا يتناسب مع عمرها، وهي منفصلة عن زوجها، وكانت مقابلة فاترة، كل طرف أفهم الطرف الآخر بعدم ارتياحه!
أستاذي الفاضل..
ابني مُصرّ على الزواج من هذه الفتاة ومُصرّ أيضاً على أن أكون معه، على أمل أن تتحجب! كيف أتصرف معه؟
الإجابة
التحليل:
بداية، دعني، أيها القارئ الكريم، نزيل صدمة الأم من اختيار ابنها لفتاة غير محجبة، من خلال الإجابة عن تساؤل مهم، وهو: كيف يختار الشاب (أو الفتاة) زوجه؟
إن هذا القرار المهم بل والأكثر أهمية على الإطلاق من كل القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته بعد قرار الإيمان، إن قرار اختيار شريك العمر لا يتخذ آنياً لحظة الاختيار، بل هو محصلة منظومة تفاعل القيم التي ارتضاها الشاب (أو الفتاة) ومارسها عبر حياته، إن العوامل التي تؤثر في اختيار الشاب الزوجة هي:
1- الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية والسمات التي تتكون من خلالها عن شريك حياته المنتظر:
تؤثر الصورة الذهنية عن الزواج التي تبدأ في التكوين لدى الشاب منذ أن يكون جنيناً على قراره، نعم.. منذ أكثر من أربعة عقود، قد اكتشفوا أثر البيئة النفسية التي تحياها الأم على الجنين، وكيف تؤثر في شخصيته، تظل الصورة الذهنية عن الزواج تتشكل وتتطور عبر مسيرة حياته، حيث تساهم طبيعة وسمات العلاقة بين والديه، وما سمات الأم (أو الأب بالنسبة للفتاة)، وأثر ذلك في اختيار فتاة تتشابه في سمتها مع أمه، إن كانت صورتها الذهنية لديه كزوجة إيجابية، أما إذا كانت صورة أمه الذهنية لديه كزوجة سلبية، فيكون اختياره لفتاة لا يتشابه سمتها مع أمه.
هناك عوامل أخرى تؤثر في صياغة الصورة الذهنية عن الزواج لدى الشاب خلاف علاقة والديه؛ وهي ما يعرف بالمعين الثقافي من دين وعادات وتقاليد وثقافة مجتمعية سائدة، وما تتناوله أدوات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأصدقاؤه ومجتمعه الخاص الذي يختاره ويكونه، بناء على منظومة القيم التي تتناولها المصادر المؤثرة في المعين الثقافي، وكيف تعظم أو تهدم القيم الإسلامية، يؤثر كل ذلك في صياغة الصورة الذهنية عن الزواج وسمات شريك العمر.
الأخت صاحبة الرسالة منتقبة، ولا نزكي على الله أحداً، ولكن الصورة الذهنية عن الزواج لدى الابن سلبية، وساهم في ذلك رأي الزوج والذي يتهمها بالتقصير في حقه، سواء أكان رأي الزوج حقيقة أم افتراء، فقد أدى هذا التناقض بين التزام الأم الديني والصورة الذهنية السلبية لها كزوجة لدى ابنها – على الأقل – إلى عدم الارتباط بين الالتزام الديني للمرأة ونجاحها كزوجة.
2- منظومة القيم:
سنأخذ قيمة الحجاب لدى الابن كمثال على منظومة القيم لديه، إن التزام المرأة المسلمة بالحجاب من المعلوم من الدين بالضرورة، إن اختيار الشاب لفتاة غير محجبة يعني خللاً في منظومة اختياره، وأن معيار التزام شريكة حياته بدينها غير ذي بال أو أن الأهمية النسبية لالتزامها تأتي في مرحلة متدنية بعد الجمال والمال والحسب والنسب، ونسي أو تناسى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ؛ لمالِها ولحَسَبِها وجَمالِها ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ».
واضح من رسالة أختنا أنه كان هناك خلل تربوي ناتج من اختلال العلاقة الزوجية بالإضافة إلى أسلوب الأب مع أبنائه، وبذلك تحملت الأم دور البناء التربوي بمفردها، بالإضافة إلى تصحيح سلبيات الأب.
أيضاً يجب التنويه إلى مفهوم تربوي خاطئ، كثيراً ما يقع فيه الوالدان؛ وهو أنه رغم قيمة وأهمية الحرص على حفظ القرآن، فإنه يجب الاهتمام والتركيز على أثر فهم القيم القرآنية وكيفية تأثيرها عليهم، فالمهم هو توليد القناعات الراسخة بمنظومة القيم القرآنية ومن ثم التدريب على تنمية المهارات السلوكية التي تدرب الأبناء على كفاءة الالتزام بها.
إن ممارسة الأخلاق القرآنية عبر تفاعل الأبناء مع كل محاور أنشطة حياتهم هو المقصد الرئيس والمهم من تلاوة القرآن، وتوليد القناعات الراسخة بالقيم القرآنية لدى الأبناء يجعل سلوكهم التزاماً ذاتياً بالخلق القرآني، وليس مجرد طاعة لوالديهم.
فالخلل في سلوكيات الابن الذي ظهر بعد دخوله الجامعة لم يكن بسبب الحرية النسبية التي أتاحتها طبيعة المرحلة، بل إن الخلل كان موجوداً، ولكن الحرية التي تمتع بها الابن هي التي أظهرت هذا الخلل، فالمبالغة في متابعة الأبناء والاهتمام بالالتزام السلوكي فقط، دون توليد القناعات الإيمانية والعقلية والوجدانية، والتأكد من رسوخها؛ يجعلهم عرضة للأهواء والتأثر بأي رياح بمجرد أن يبتعدوا عن وصايتنا عليهم.
لذا يجب عليك -أختنا الفاضلة- ألا تُصدمي من اختيار ابنك لفتاة غير محجبة رغم أنك وأخواته منتقبات، فهذا القرار سبق التجهيز له عبر مسيرة حياته كلها، وقد ساهمتِ أنتِ بقسط وافر فيه.
كيف تتصرفين؟
إن تهديد الابن بعدم الموافقة يولد لديه التحدي، وابتعادك عنه يقلل من فرص التأثير الإيجابي عليه، وقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تَكونوا عوناً للشَّيطانِ على أخيكُم»؛ لذا فإن كانت الفتاة مصلية ولا تنكر الحجاب، ولكن فقط تسوّف في ارتدائه، فإنني أوصيك بتذكر حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلَّم عندما قال لسيدنا عليّ رضي الله عنه: «لأن يهدي اللهُ بهداك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النعمِ».
فعليكِ – يا أختاه – أن تتقبلي الفتاة التي رق لها قلب ابنك بكل حب، وأن تحرصي على تقوية علاقتك بها وتبني صداقة معها، بحيث تكونين محل ثقة منها، ومن خلال قناتي الحب والثقة تستطيعين أن تعينيها على أن تكون أكثر التزاماً وحشمة.
للأسف؛ فإن الموروث الثقافي لعلاقة زوجة الابن مع أم زوجها موروث سلبي، فقد شُحنت كل منهما برصيد من الطاقات السلبية، جعلت سوء الظن والتوجس وتوقع الأسوأ هو الغالب في علاقتهما.
إن مهمتك أنت كأمّ بما لديك من حب وخبرة وحرص على إسعاد ابنك أن تؤسسي علاقتك بالحب والثقة مع من اختارها ابنك زوجة له، إن كونك داعية يزيد من مسؤولياتك بأن تعطي مثلاً، وأن تكوني نموذجاً للأم التي تستقبل ضيفتها بكل ترحاب وبشاشة، وبما يزيل ما قد يكون لديها من هواجس تجاهك.
شاركي ابنك ومن اختارها لتكون شريكة حياته فرحتهما، وافرحي بهما، وأشعريهما بحبك، وأغدقي عليهما من حنانك؛ فتهدأ نفسهما وتتفتح قنوات التلقي لديهما؛ فيوفقك الله أن تكوني سبباً لقربهما أكثر من الله.
إن احتواءك للفتاة يساعدك على التأثير الإيجابي عليها، فإن كان بها خير فستقابلك بالتقدير والامتنان وتستجيب لدعوتك، وإلا فنسأل الله أن يهديها ويبدله خيراً منها.
*يمكنك إرسال استشارتك على أحد العنوانين البريدين التاليين:
info@mugtama.com
y3thman1@hotmail.com