وسط القبور المتراصة داخل المقبرة الإسلامية، في مدينة القدس، يتربع المدفع الرمضاني، الذي ما زال يُعد من أبرز مظاهر شهر الصيام، في المدينة المقدسة.
ويتولى رجائي صندوقة، مسؤولية تشغيل المدفع، مرتين يوميا، خلال وقتي السحور والإفطار، منذ نحو 30 عاماً، حسب “الأناضول”.
ويقول صندوقة إنه ورث هذا العمل عن والده، وسيورثه لأولاده من بعده، مضيفاً أنه من مهام ومسؤوليات عائلته، منذ العهد العثماني.
ولا تخلو هذه المهمة من إرهاق ومشقة، حيث يضطر صندوقة للخروج فجراً، لضرب المدفع قبل موعد أذان الفجر، بنصف ساعة، وكذلك ترك مائدة الإفطار مع أسرته لضربه مع غروب الشمس.
يوضح صندوقة، أن اختيار المدفع، وسط المقبرة، جاء لكونها المكان الأعلى والأكثر ارتفاعا في البلدة القديمة.
وأضاف:” كان المقدسيون جميعا في السابق، يعيشون داخل أسوار البلدة القديمة، ولهذا تم اختيار هذا المكان”.
ويعبر صندوقة عن فخره بتولي هذه المسؤولية، التي ورثها عن آبائه وأجداده.
ويقول: منذ 30 عاماً، وأنا أتولى مهمة ضرب هذا المدفع؛ لقد ورثت المهمة عن آبائي وأجدادي، فعائلتي هي المسؤولة عنها منذ العهد العثماني.
ويوضح أن ضرب المدفع في السابق، كان يتم لأسباب كثيرة، وفي مناسبات عديدة، كالأعياد الإسلامية والمناسبات الدينية المختلفة، أما الآن فيقتصر ضربه على الفطور والسحور وإعلان العيدين الفطر والأضحى.
وكان صندوقة يستخدم مدفعا عثمانيا أثريا، لكنه نُقل إلى المتحف الإسلامي بالمسجد الأقصى للحفاظ عليه، واستبدل بمدفع يعود إلى العهد الأردني.
ويقول صندوقة: إنه يعاني من إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة، حيث لم يعد مسموحا له استخدام البارود كما في السابق، بل أجبروه على ضرب “قنبلة صوتية”.
ويقول: قبل سنوات كنت أتسلم كمية بارود تكفي للشهر كاملاً، وبعدها أصبح يأتي البارود بالكمية اللازمة لكل ضربة فقط.
أما الآن، فلم يعد هناك بارود، بل تم استبداله بقنبلة صوتية يجلبها موظف من البلدية “الإسرائيلية” في القدس (تابعة لـ”إسرائيل”) في موعدي الفطور والسحور تحت حراسة مشددة، حسب قوله.
ويضيف: يرافقني يومياً موظف من بلدية الاحتلال، ومعه عنصرين من الشرطة، ويراقب ضربي للمدفع.
ويتابع قائلاً: كل عام توضع أمامي عقبات جديدة من أجل منعي، وقد أجبرت سابقاً على الالتحاق بدورة مخصصة لضرب المدفع، على الرغم من مهارتي في هذه المهمة.
وأكمل: في كل عام وقبل حلول رمضان بشهر وأكثر، أبدأ في الاستعداد لمهمة الحصول على تصريح لضرب المدفع، لكن ذلك لن يثنيني عن ضرب المدفع حتى آخر يوم في عمري.
وتعتمد المساجد في القدس، على صوت المدفع، حيث ترفع أذان المغرب بعد ضربه مباشرة.
كما يعتمد عليه السكان، ويعتبرونه تراثاً جميلاً يجب المحافظة عليه.