تشتد الحملات الإعلامية في شهر رمضان لتذويب الهُوية، وتغريب الأمة المسلمة، وتحويلها إلى مستنقع التبعية، ومسخ دينها، وتشويه صيامها وأخلاقها، وتفريغ الشرائع من محتواها الإيماني المثمر، ونزع الحياء الشرعي الحامي للصوم والتقوى، وفِي الحديث: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت” (رواه البخاري)، فثمة مؤسسات إعلامية بلا حياء، وانتهجت الأباطيل، ومشاهدون مادة الخير متجذرة فيهم، يوشك أن تُجتث، لولا فضل الله، ثم جهود دعوية تصحيحية مباركة!
ولتلافي ذاك ومواجهته بكل قوة وصرامة لابد من استنبات العملية الدعوية الإيمانية بكل مسارعة وإقدام، حتى يرسخ الحياء، وتتعالى الأخلاق، قال الأصمعي رحمه الله تعالى: “مَن كَساه ثوبُ الحيَاء، لم يرَ النّاسُ عيُوبَه”.
لا سيما أن في رمضان من الأسرار والعجائب، ما يمكن استثماره جماهيريا وتوعويا، حتى نتجاوز الخلاعة الفضائية، ومن خلال الدور المسجدي المتين، والنوافذ الإعلامية المتاحة، والذي يظهر في الآتي :
١- تجديد دور المسجد دعوياً: بالدرس والحكمة والقراءة اليومية، والحِلق المقامة، موافقة من النفسية الصائمة القانتة، وستحدث الأثر الكبير بإذن الله، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: “الصوم جُنة” أي وقاية ودرع ، ولا يزال العقلاء يعتقدون أن مسجدا رمضانيا واعيا نابضاً بالدعوة، قادر على هزيمة غثاء إعلامي فارغ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) (الرعد:17).
٢- تعميق معاني الصيام: في نفوسهم، وبيان الغاية منه (لعلكم تتقون)، ولا يليق لتقوى أن ترضى بتهتكها باسم الترفيه والترويح المحرم، والذي يخرق جناب الأخلاق، ويحدث الشرخ القلبي والفكري، مما يعني التذويب أو الرضا المستقبلي، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) (النور:30).
3- تحذيرهم المسخ العلماني والليبرالي: للدين والشرائع، والذي اغتر بالثقافة الغربية وباتوا مروجين لها اقتناعاً أو استرزاقاً، (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً {27}) (النساء)، وفِي كلا الحالين، هو مناكفة للشرع، وإفناء للأخلاق، وتغييب للأمة عن دورها ومقاصدها الوجودية والحضارية.
ويحَ العروبةِ كان الكونُ مسرحها *** فأصبحت تتوارى في زواياهُ
استرشد الغربُ بالماضي فأرشده *** ونحن كان لنا ماض نسيناهُ
٤- إشعار الفرد الصائم بدوره: تجاه دينه ووطنه وأسرته وأمته، وخروجه من دائرة الاستهلاك إلى الفاعلية والمبادرة وتبني الفضيلة والدفاع عنها؛ “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
٥- تجديد خطبة الجمعة: وملامستها لواقع الناس الاجتماعي، فمع تكرر أحاديث الصيام السنوية، إلا أنها كثيرة العدد، فائقة التنوع، وفيها مداخل للتجديد والإبداع الخطابي، ولكن نحتاج إلى مزيد من التأمل والتركيز.
6- تفعيل المناشط الاجتماعية: والشبابية والتي تستغرق وقت الصوام، تربية وإصلاحاً وتهذيباً وترويحاً، وإغاثةً؛ “وسُلسلت الشياطين”، وأنه متى ما أحيينا خلق الحياء في نفوسهم حُفظ صيامهم “والحياء لا يأتي إلا بخير “.
٧- تدريس القرآن: حِلقاً وتفقيهاً وتعليماً وتدبراً، حتى، يستشعر المتلقي عظمة هذا الكتاب، وترتسم معالمه في خاطره وقلبه؛ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء:82).
٨- قيام المؤسسات التربوية والدعوية بدورها الاجتماعي الحافظ لتلكم الطاقات؛ (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) (آل عمران:104)، وذلك من خلال الملتقيات الرمضانية المنوعة لكل الفئات العمرية، وأن لا يتركوا للغثاء الفضائي، والتلويث الأخلاقي.
٩- المنار الإعلامي المحافظ: والموجه لجماهير الصائمين وتحذيرهم الخداع والغش الممارس، عبر قنواتنا المحافظة، وذات الأثر الأخلاقي الملموس.
وأنه مع تصفيد الشياطين، توجد شياطين إنسية تسدد العوض، وتقوم بالجهد والإفساد، وهذا وجه في تفسير شرور أخرى منبعثة، بعد تصفيد المردة والأكابر في رمضان، والله المستعان.
١٠- الطاقة الشبابية الإلكترونية: نصحاً ونقداً وتبييناً وتبصيراً، وفِي شبابنا هذه الأيام من الوعي بفضل الضخ التقني ما يختلف عن جيل الأمس! وبعضهم أسس قنوات “يوتيوبية” وإذاعات كان لها أعظم الأثر في التصدي الفكري والأخلاقي .
وأجلّ شاهد على ذلك اكتظاظ المساجد بهم صلاةً وتلاوة وتراويحا وتفطيرا للصائمين، في شكل جمالي وحضاري باهر، وصورة إيمانية رائقة، ثبتنا الله وإياهم على الهدى.
المصدر: “نوافذ”.