نظمت الأكاديمية الفرنسية للفكر الإسلامي في باريس منتدى المفكرين المسلمين الفرانكفونيين، تحت عنوان “الإسلام في فرنسا: ديانة، وثقافات، ومجتمع”، بحضور نخبة من الأكاديميين والمفكرين والممثلين للجالية الإسلامية في فرنسا.
وناقش المنتدى على مدى يوم كامل ثلاثة محاور كبرى رئيسة: “مأسسة” الديانة الإسلامية في فرنسا، وتحدي التعددية الفكرية الدينية أمام مسلمي فرنسا، وكذلك إسهاماتهم في المجتمع الفرنسي.
تجديد الخطاب الديني
وفي مداخلته، أكد مدير الأكاديمية الفرنسية للفكر الإسلامي د. جمال الحمري أن المؤسسة ترغب بشكل أساسي في الإسهام في تجديد الخطاب الديني في فرنسا وأوروبا، وتعزيز وإبراز المبادئ والقيم الكونية التي دعا إليها الإسلام، وبينها التعايش السلمي، والتسامح مع مختلف الأمم الأخرى والثقافات المختلفة.
وأضاف أن المنتدى من أجل مزيد من التعارف وكسر الصور النمطية لدى الجانبين.
ودعا الحمري المثقفين المسلمين في فرنسا للاستفادة من هامش الحرية والعدالة والديمقراطية في فرنسا وعدد من الدول الأوروبية من أجل الانخراط بقوة وبمسؤولية للتأسيس لإسلام يستشرف المستقبل، ولا يعيش في الماضي، ويسهم في بناء الحضارة الإنسانية، ويدافع عن القيم الإنسانية المثلى، ويؤمن بالتعددية الفكرية وحرية المعتقد، ويراجع الموروث الثقافي الإسلامي من دون “تابوهات”.
حضور رسمي
وعالج المحور الأول في المنتدى ملف “مأسسة” الديانة الإسلامية في فرنسا، وكيف أصبح للمسلمين حضور رسمي عبر نخب تمثله لدى الحكومة الفرنسية وأجهزة الدولة.
من جهته، قال الرئيس الشرفي للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية د. محمد موسوي: إن حق العبادة وبناء المساجد واحترام الديانة الإسلامية مكفول في فرنسا.
وأكد موسوي أن حصيلة مجلس الديانة الإسلامية تبقى إيجابية على العموم رغم اعترافه بالفشل في بعض الملفات، مشيراً إلى ارتفاع عدد المساجد في فرنسا بشكل ملحوظ في السنوات الماضية، بما يتجاوز أكثر من ألفي مسجد، مضيفاً أنه تم بناء عدد مهم من المقابر الإسلامية، لتجنيب المسلمين دفن ذويهم في بلدانهم الأصلية.
كما أشاد د. موسوي بالجهود التي بذلها المجلس في السنين الأخيرة من أجل محاربة “الإسلاموفوبيا” في فرنسا، وحماية المسلمين بأدوات قانونية من الأعمال العنصرية التي قد تستهدفهم.
تشجيع ثقافة الاختلاف
وناقش المنتدى في المحور الثاني مسألة التعددية في الإسلام، وثقافة الاختلاف بين المسلمين أنفسهم.
فقد قال د. كريم إفراق، وهو باحث أكاديمي ومدير في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث حول الإسلام: إن على المسلمين أن يستفيدوا من هامش الحرية الموجودة في فرنسا من أجل إبراز أفكارهم، واختلافهم لأن هذا من شأنه أن يغني الحوار بين المسلمين، ويشجع على ثقافة التسامح، بين مختلف الطوائف والمذاهب.
أما الباحث في الفكر الإسلامي في جامعة ستراسبورغ د. دياميل نيان التيجاني، فقد اعتبر أن التعددية في الإسلام تقتضي أيضاً من المسلمين الانخراط في قضايا المجتمع الحالية، والتي تهم المواطن الفرنسي بشكل عام؛ مثل مشكلات البيئة والصحة، مشدداً على أن مثل هذه الملفات الاجتماعية تعزز اللحمة والترابط بين المسلم كفرد والمجتمع الذي يعيش فيه.
وأوضح التيجاني أنه يجب على مسلمي فرنسا ألا يعيشوا منعزلين منكفئين على أنفسهم، أو ضمن جماعات لهم ولاءات لبلدانهم الأصلية.
إعادة قراءة “النصوص”
أما المحور الثالث والأخير، فقد ناقش مسألة “إسهام المسلمين في المجتمع الفرنسي”، حيث قال رئيس المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلم في باريس غالب بن الشيخ: إن على مسلمي فرنسا أن يقتنعوا بفكرة أنهم مواطنون فرنسيون لهم كل الحقوق والواجبات، كما يتوجب عليهم الإسهام بفاعلية وإيجابية في المجتمع من أجل فرض وجودهم، وبالتالي فرض احترام الجميع، وهذا لن يتأتى إلا بالتسلح بالعلم والمعرفة.
وأشار د. بن الشيخ إلى أنه حان الوقت لإنشاء “بيت حكمة” في فرنسا، ليكون مؤسسة رائدة في البحث الأكاديمي، تعيد قراءة الموروث الديني والفكري وإعادة تفسير النصوص انطلاقاً من الزمن والمجتمع اللذين يعيش المسلمون فيهما، وليس من خلال قراءة وتفسير علماء عاشوا في القرون الغابرة.
المصدر: “الجزيرة نت”.