على مدى ثلاثة أعوام من عمله سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية لدى أنقرة، دأب السفير جون باس، على التدخل في الحياة السياسية التركية، وعمل القضاء، فضلا عن إطلاقه تصريحات تسببت في ردود أفعال تركية غاضبة، على المستويين الرسمي والشعبي.
مؤخراً، صدر حكم قضائي تركي بحبس متين طوبوز (تركي الجنسية)، الموظف في القنصلية الأمريكية بمدينة إسطنبول، بتهم بينها “التجسس ومحاولة قلب نظام الحكم في تركيا، والعمل ضد الدستور والحكومة التركيين”.
وبعد هذا الحكم بأيام، أدلى السفير الأمريكي بتصريحات مثلت تدخلا صارخا في عمل القضاء التركي، بينها وصف محاكمة طوبوز بأنها “بحث عن الانتقام”
موقفه من محاولة الانقلاب الفاشلة
عند حدوث محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016، كان “باس” سفيراً لبلاده في أنقرة، ورغم أنه معروف بتصريحاته وردود أفعاله السريعة، إلا أنه لم يعلق على تلك المحاولة الفاشلة إلا بعد مرور ثلاثة أيام على وقوعها.
كما اتضح للسياسيين الأتراك أن السفير الأمريكي لم يبلغ المسؤولين في واشنطن بمدى خطورة منظمة “غولن” الإرهابية، وحساسية الشعب والحكومة التركيين تجاهها، لا سيما وأنّ زعيمها، فتح الله غولن، يقيم في الولايات المتحدة.
وتتهم الحكومة التركية “غولن” بالوقوف خلف محاولة الانقلاب، وتطالب واشنطن بتسليم “غولن” لمحاكمته، فيما ينفي الأخير ذلك الاتهام.
وبعد أيام من محاولة الانقلاب، اتضح للسلطات التركية أن القنصلية الأمريكية في إسطنبول اتصلت بأحد أبرز المشتبه بهم في هذه المحاولة، وهو “عادل أوكسوز”.
وادعت القنصلية الأمريكية أن الاتصال كان بشأن إجراءات “تأشيرة دخول”.
وفي مايو الماضي، أكدت النيابة العامة في إسطنبول أنها سلّمت السفارة الأمريكية في أنقرة استفسارات بشأن تواصل اثنين من أعضاء جماعة “غولن” الإرهابية معها، ومع قنصليتها في إسطنبول.
ويشتبه بضلوع هذين الشخصين في حادث توقيف شاحنات تابعة للاستخبارات التركية في ولاية أضنة (جنوب)، يوم 19 يناير 2014.
وحتى الآن لم ترد السفارة الأمريكية في أنقرة ولا القنصلية في إسطنبول بأي إيضاحات على طلب النيابة التركية.
وبتعليمات من النيابة العامة في أضنة، أوقفت قوات من الدرك التركي، في 19 يناير 2014، ثلاث شاحنات على الطريق بين ولايتي أضنة وغازي عنتاب (جنوب)، وتبين لاحقاً أن الشاحنات تحمل مواداً إغاثية للشعب السوري، برفقة عناصر من الاستخبارات، كانوا مكلفين بتأمين وصولها.
وآنذاك، أعلنت الحكومة التركية أن إيقاف الشاحنات يدخل ضمن مخططات الكيان الموازي ضدها (تقصد جماعة غولن)، في محاولة لإيجاد أزمة، والسعي إلى تقويض أركان الحكم.
ورغم طلبات تركيا المتكررة لواشنطن بتسليم زعيم جماعة غولن الإرهابية، المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية (شمال)، تكتفي السفارة الأمريكية بالقول: إن العمل متواصل مع الجانب التركي بهذا الشأن.
ولم يتم تسجيل أي تقدم في ملف مثول غولن أمام القضاء التركي.
– تسليح تنظيم “ب ي د”
مراراً، نفى السفير الأمريكي تزويد بلاده لتنظيمات “ب ي د/ بي كا كا” بالسلاح، لكن الشواهد أثبتت العكس.
فقبل أشهر، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، يدعم تنظيم “ب ي د” وذراعه المسلح “ي ب ك”.
وهو ما علق عليه السفير الأمريكي قائلا إن “الحكومة الأمريكية لم تقدم السلاح والمتفجرات لـ”ب ي د” أو “ي ب ك”.. نقطة.. انتهى”.
تصريح “باس” هذا أغضب حكومة أنقرة، ورد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بقوله: إن “الولايات المتحدة الأمريكية قدمت السلاح إلى (ي ب ك).. نقطة.. انتهى”.
بدوره، صرح وزير الدفاع التركي، نور الدين جانيكلي، الخميس الماضي، بأن واشنطن قدمت معدات وأسلحة إلى تنظيم “ي ب ك”، من شأنها تجهيز جيش قوامه بين 40 ألفاً و50 ألف فرد.
التعامل مع الإعلام
في 27 نوفمبر 2016، نشر السفير الأمريكي على صفحته بموقع “أنستجرام” صورة سوداء، وعلق عليها قائلاً “أشعر بالقلق بسبب إسكات المزيد من أصوات الصحافة الحرة في تركيا”.
وجاء هذا تعليقا على توقيف رئيس تحرير صحيفة “حرييت”، جان دوندار، ومدير مكتبها في أنقرة، أردم غول، ضمن حملة لتوقيف مشتبهين في صلتهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة.
وبالتزامن مع آخر تصريحات صحفية للسفير الأمريكي في أنقرة، فرضت السفارة الأمريكية حظراً على قسم من وسائل الإعلام، الأمر الذي يتناقض مع دعوات “باس” المتكررة لتركيا بالسماح لكافة وسائل الإعلام بحضور كل المؤتمرات الصحفية.
تنظيم “داعش”
خلال لقاء مع المراسلين الدبلوماسيين، الأربعاء الماضي، قال السفير الأمريكي: إن تنظيم “داعش: لم ينفذ هجمات إرهابية في تركيا منذ تسعة أشهر ونصف الشهر.
ومضى قائلاً: إن “ذلك ليس نابعاً من عدم رغبة التنظيم في مهاجمتها (تركيا)، بل لعدم تمكنه من ذلك؛ بفضل التعاون الوثيق بين حكومتي واشنطن وأنقرة وبقية الحكومات”.
وأعادت تصريحات “باس” هذه إلى الأذهان تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، خلال حملته للانتخابات الرئاسية، حين اتهم سابقه آنذاك، باراك أوباما (2009 – 2017) ووزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، بأنهما من صنعا تنظيم “داعش” الإرهابي.
واعتبر مراقبون أتراك تصريحات السفير الأمريكي بمثابة “تهديد”، فيما علق المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، على تلك التصريحات بالقول: إنه “على السيد السفير أن يصرح بما يقصده”.