انعقدت قمة مؤتمر التعاون الإسلامي أخيراً في إسطنبول لبحث سبل الرد على خطوة الرئيس الأمريكي بإعلان القدس عاصمة لدولة “إسرائيل”، من المهم هنا التنويه إلى أن منظمة التعاون الإسلامي ذاتها قد أسست عام 1969م كنتيجة مباشرة لمحاولة الاحتلال “الإسرائيلي” إحراق المسجد الأقصى.
وغني عن القول بأن الإعلان الأمريكي سيكون له أثر بعيد المدى ليس فقط إقليمياً بل على العالم أجمع؛ إذ إن القدس تحتل مكانة مقدسة لدى عموم المسلمين والمسيحيين حول العالم، وهي مدينة عربية مسلمة منذ ما يزيد على 1400 عام، ولا يمكن التوصل لتسوية سلمية في المنطقة في حال التنكر لحقوق العرب والفلسطينيين فيها.
وعلى الرغم من كون القادة يتخذون قرارات تستند إلى أسباب أيديولوجية أو سياسية، فإنهم غالباً ما يغيرون مواقفهم عندما يتم تهديد مصالحهم الحيوية.. لطالما كانت الولايات المتحدة داعماً قوياً لـ “إسرائيل”، محامياً لها وممكنا لأسباب قوتها على الرغم من احتلالها العسكري وارتكابها لجرائم الحرب والتحدي الكامل لقرارات الأمم المتحدة التي طالبتها بإنهاء الاحتلال وإعادة الحقوق الفلسطينية.
على الرغم من الغضب الذي عبر عنه عشرات الملايين من المتظاهرين حول العالم، فإن أياً من الدول المسلمة لم تقم بقطع علاقتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة أو سحب سفيرها من واشنطن حتى الآن، كما لم يقم أي منها بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية في بلاده، أو إلغاء مبيعات الأسلحة، أو الدعوة للمقاطعة الاقتصادية أو حظر البترول أو تعليق الصفقات التجارية المشتركة أو سحب استثماراتها وسيولتها الضخمة من السوق الأمريكية (لا سيما دول الخليج) التي تساهم كثيراً في استقرار اقتصاد الولايات المتحدة وسوقها المالية.. باختصار؛ لم تُبد دولة حتى الآن أي رد يجذب اهتمام صانع القرار الأمريكي، والكونجرس والنخب الاقتصادية في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإنه يتوجب على منظمة التعاون الإسلامي أن تتخذ موقفاً جدياً وقوياً لإجبار الولايات المتحدة على سحب قرارها الهجومي على العالم الإسلامي والعالم الحر، بما يضمن حماية الحقوق الفلسطينية والعربية، وتمثل الاقتراحات التالية الخطوات الدنيا من أجل تحقيق هذه الغاية:
(1) قطع جميع العلاقات الدبلوماسية وغيرها من التعاملات مع “إسرائيل” إلى حين التزامها الكامل بقرار مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة.. ومن المهم التنويه إلى أن هناك العديد من القرارات الأممية حول القدس والقضية الفلسطينية التي تم تجاهلها تماماً من قبل “إسرائيل” بما في ذلك قرارات مجلس الأمن التالية حول القدس: (252) عام 1968، (267) عام 1969، (271) عام 1969، (298) عام 1971، (465) عام 1980، (476) عام 1980، (478) عام 1980.
(2) منح الولايات المتحدة إشعاراً لمدى أسبوعين للتراجع عن قرارها، وذلك قبل زيادة الضغط عبر سحب السفراء وتخفيض عدد موظفي السفارة الأمريكية، تعليق مبيعات الأسلحة والصفقات التجارية الأخرى، إنهاء أو تخفيض التعامل بالدولار في مبيعات البترول، سحب الاستثمارات من السوق الأمريكية، وصولاً إلى قطع أو تجميد العلاقات الدبلوماسية.
(3) التعهد بقطع جميع العلاقات مع أي دولة تحذو حذو الولايات المتحدة في إعلانها الأخير حول القدس.
(4) استثمار جميع القنوات الدبلوماسية والأممية، بما في ذلك مجلس الأمن، لعزل “إسرائيل” وعزل إعلان الإدارة الأمريكية حول القدس في المجتمع الدولي.
(5) اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للحصول على قرار يعتبر الإعلان الأمريكي لاغياً وباطلاً وفق القانون الدولي، إلى جانب تقديم شكوى ضد أنشطة “إسرائيل” الاستيطانية في القدس والضفة، وغيرها من جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي المحتلة.
(6) حشد جميع الشعوب ومنظمات المجتمع المدني في العالم الإسلامي وخارجه، والمدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان حول العالم لمواصلة الضغط لإبطال الإعلان الأمريكي وذلك عبر المسيرات والأنشطة السلمية، بما في ذلك دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).
(7) الدعوة لحملة مقاطعة مختارة لبعض المنتجات والشركات الأمريكية تحددها لجنة منبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي يكون اختصاصها تحديد الشركات والمنتجات التي تدعم “إسرائيل” ومشروعها الاستعماري في فلسطين، وتدعو اللجنة إلى عزل هذه الشركات ومقاطعتها.
(8) إنهاء جميع النزاعات في العالم الإسلامي، لا سيما في سورية واليمن وليبيا وأماكن أخرى، والدعوة إلى الوحدة وإعلان فلسطين والقدس كأولوية لجميع الدول المسلمة، والقضية المركزية للأمة الإسلامية والعالم الحر.
(9) دعم النضال الفلسطيني وفق ما يلي:
(أ) تشجيع الوحدة الفلسطينية والمصالحة بين الفصائل.
(ب) دعم الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة الشعبية الجارية حتى تمتثل “إسرائيل” للقانون الدولي.
(ج) دعم قيادة منظمة التحرير في مسعى الانسحاب من اتفاقية أوسلو الكارثية، وإلغاء اعترافها بـ”إسرائيل”، وإيقاف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإنهاء مشاركتها في المفاوضات الصورية التي ترعاها الولايات المتحدة والتي تشجع “إسرائيل” على سلوكها العدواني والتهرب من التزاماتها.
(د) تقديم كافة وسائل الدعم لصمود الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب دعم اللاجئين الفلسطينيين حول العالم في نضالهم ومقاومتهم ضد الاحتلال الوحشي والإرهاب والهيمنة.
(10) إن كانت القدس خطاً أحمر بالنسبة للأمة الإسلامية، كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن منظمة التعاون الإسلامي تحتاج إلى تهيئة العام الإسلامي لنضال طويل الأمد ضد “إسرائيل” وداعميها حتى يتم تحرير القدس واستعادة كامل الحقوق الفلسطينية.
(*) رئيس مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية – جامعة إسطنبول زعيم.