إن الحمدَ لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعَه بإحسان إلى يوم الدين.
المراهقة:
المراهقة في اللغة العربية هي مِن كلمة “راهق”، وتعني الاقتراب من شيء.
أما في علم النفس، فهي تشير إلى اقتراب الفرد من النضوج الجسماني والعقلي والاجتماعي والنفسي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مرحلة المراهقة لا تُعَد مرحلة نضوج تامٍّ، ولكنها مجرد مرحلة تؤدي تبعاتُها وأحداثُها إلى النضوج.
وهي مرحلة خطيرة على الأولاد باعتبار أنها هي التي تحدد شخصيتهم وسلوكهم في هذه الحياة.
العيش مع المراهق:
مِن الواجب على الآباءِ أن يعيشوا مع أبنائهم هذه المرحلةَ بالتوجيه السليم والقويم، ويراقبوهم في تصرُّفاتهم وسلوكهم، ولا يتركوهم يعيشونها وحدَهم؛ حتى لا يسلكوا السلوك المنحرف، هذا السلوك قد يكون سببًا لهلاكهم وضياعهم.
دليل مرافقتهم في مراحل حياتهم هو الحديث الشريف عن الأسود بن سريع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل مولودٍ يُولَد على الفطرة حتى يُعرِبَ عنه لسانُه، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه” (رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما).
فالآباء عليهم مسؤولية التوجيه، ولا يكون التوجيه سديدًا ورشيدًا حتى يكون هؤلاءِ الآباءُ في مراقبة مستمرَّة لأبنائهم.
المراقبة في البيت:
ونذكر البيت على الخصوص؛ لأنه نواةُ المجتمع، وفيه يترعرع الأبناء وينشؤون.
وينشأ ناشئُ الفتيانِ منا *** على ما كان عوَّده أبوهُ
ودليل وجوب مراقبة ومرافقة الأبناء هو قولُ النبي صلى الله عليه وسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضرِبُوهم عليها وهم أبناء عشرٍ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجعِ” (رواه أحمد، وأبو داود، وهو صحيح).
فمن جانب الأمر تعليمهم الصلاة، التي هي عماد دينهم وأساس عقيدتهم.
ثم الحرص على المواظبة عليها، وذلك بالمراقبة المستمرة.
ودليل الحرص الجيد والمستمر قولُه صلى الله عليه وسلم: “واضربوهم”، فإنْ حدَثَ وأن ترك ابنٌ مِن الأبناء وقتًا للصلاة أو تهاون فيه، وثبت ذلك عند الأبوين، فبالضرورة تأنيبه وضربه الضرب غير المبرح؛ ضرب التربية والتوجيه.
ومعنى الصلاة: النظافة والنظام، والمحافظة على الوقت الذي هو السبب المباشر لنجاحهم في حياتهم، ثم ربطهم بربِّهم سبحانه، واستشعارهم رقابته عليهم، هذه الرقابة تكون سببًا في استقامة سلوكهم وسدادهم ورشادهم وصلاحهم.
ومن جانب النَّهي: التفرِقة بينهم في المضجع والفراش؛ حتى لا يتطلعوا بعضهم لعَوْرات بعض، وربما وقعوا في الفاحشة.
ومعنى ذلك: طهارتهم وتحصينهم من الخبائث التي هي سبب فساد أنفسهم وعقولهم، وانتشار الأمراض في أبدانهم.
وزُبْدة التوجيه النبوي: المحافظة على صحة الابن الظاهرة والباطنة، صحة القلب والقالب، وهي سبب سعادته في دنياه وفي أُخراه.
والشاهد من هذا الحديث هو ضرورةُ العيش معهم، وملازمتهم في مراحل نشأتهم حتى يشبُّوا على الفطرة السليمة والمستقيمة، بعيدًا عن الضلال والجهل والانحراف.
تصرف منحرف، وفاقد الشيء لا يعطيه!
أما عن التصرف الذي يقوم به كثير من الآباء الذين همُّهم جمع المال وتحصيل ملذَّات وشهوات الدنيا، وتوفير كماليات الحياة على حساب أبناء بُرآء يُلْقُونَهم في دار حضانة، أو يستحضرون لهم عاملات يَقُمْن بتربيتهن – فهذا تجاوزٌ خطير في حقِّ هؤلاء الأبناء، بل هي من أعظم الخيانات في الحياة الزوجية، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
إذا كانت هذه الوظائف والمسؤوليات أماناتٍ نُحاسب عليها، فكيف بأبناء هم ودائع بين يدي الآباء، وأمانات استُؤْمِنوا عليها مِن قبل الربِّ تقدس وعلا؟!
مِن العجب!
الدينار والدرهم وسخ الدنيا، يُسأل عنهما العبد يوم القيامة سؤالينِ: مِن أين اكتسبتهما؟ وفيمَ أنفقتهما؟
فهل مِن المنطق والعقل ألا يسألنا الله جل وعلا عن أبنائنا؟!
بل المحير: كيف يكون السؤال عنهم بين يدي ربنا؟!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجلُ راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيِّده ومسؤول عن رعيته، فكلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته” (متفق عليه).
فماذا أعددت مِن جواب، أيها المفتون بجمع الملذَّات والشهوات، على حساب فِلْذَة الكَبِد من البنين والبنات؟!
آية تقشعرُّ لها الأبدان:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
هذه الآية تُبيِّن لنا -نحن الآباء- الحسابَ العظيم الذي ينتظرنا مِن قِبَل ربِّنا سبحانه، ويتبيَّن لنا من خلالها ونعلم علمَ يقين لماذا أَبَتِ السماواتُ والأرض والجبال أن يتحمَّلن عِبْءَ هذه الأمانات والمسؤوليات؟!
إنها آية تبيِّن أنه قولٌ فصل، ما هو بالهزل.
لفتة:
هل تشعر بأنس ورحمة وشفقة في هذه الآية؟
وهذا دليل أنْ لا تلاعب ولا استهزاء ولا تهوُّر أو تهاون في مسؤولية الأسرة، فلا تأخُذْكم رحمة ولا شفقة في توجيهِ الأبناء الوجهةَ الربانية والمحمدية النورانية.
ولا يسمح بالتهاون والتلاعب والتهور فيها، فافعَلْ ما تُؤمَر؛ لتنجوَ بنفسك وأهلك بجنة عاجلة وآجلة، وإن لم تفعَلْ فهي النار العاجلة والآجلة.
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
اللهم أصلح أحوالنا وأعمالنا، وآباءنا وأمهاتنا، وأبناءنا وبناتنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: “الألوكة”.