“غايتي إحياء الإسلام في قلوب الأطفال والفتيات؛ فالأجيال الناشئة هي مستقبل الإسلام في ألبانيا”.. بهذه الكلمات أكدت الداعية الألبانية ألما بومي أهمية إعطاء الوقت الكافي للاهتمام بالأطفال دعوياً باعتبارهم مستقبل الإسلام المشرق.
فالشيوعية التي حرمت الشعب الألباني على مدار نصف قرن من تعلم الإسلام دفعت بالداعية بومي إلى تركيز دورها وجهودها ووقتها لتعليم الأطفال مبادئ الإسلام آملة في إحياء الإسلام من جديد بمدينتها دورس التي تعد من أهم المدن الألبانية بعد العاصمة والميناء الرئيس في البلاد.
يشار إلى أنه إثر سقوط الشيوعية في بدايات التسعينيات من القرن الماضي لم تكن هناك امرأة مسلمة واحدة مرتدية للحجاب بألبانيا، وبدأت الفتيات الصغيرات في ارتدائه لأول مرة في المجتمع الألباني، وذلك منذ منعه قبيل الحكم الشيوعي في عهد الملكية سنة 1937م، ثم رسخ الحكم الشيوعي هذا المنع للحجاب.
وتعد بومي أول فتاة ترتدي الحجاب في مدينتها الساحلية “دورس” سنة 1993م؛ وكانت وقتها تدرس بالصف الأول الثانوي بأول مدرسة إسلامية ثانوية للفتيات تفتح في مدينتها، وفي الوقت ذاته كانت تقوم بتعليم الإسلام للفتيات الصغيرات في المساجد.
يذكر بأنه لم تكن هناك مدارس إسلامية للنساء في تاريخ ألبانيا منذ دخول الإسلام إليها قبل ستة قرون؛ حيث كانت فقط للرجال! وتغير هذا الأمر بعد انهيار الشيوعية في بداية التسعينيات من القرن الماضي؛ مما أتاح لظهور نساء داعيات كان لهن الأثر الواضح في إحياء روح الإسلام في قلوب الأطفال، وبدأت على أيديهن نمو الصحوة الإسلامية في أوساط المجتمع الألباني تدريجياً من جديد.
حول تجربتها الدعوية الخاصة ودورها في تعليم الأطفال بمساجد مدينتها والقرى المجاورة؛ أجرت “المجتمع” هذا الحوار الخاص معها.
نرجو إطلالة تعريفية حول النشأة والمراحل الدراسية.
– اسمي ألما بومي، ولدت وعشت في المدينة الساحلية الجميلة “دورس”.
في عام 1997م، أنهيت بدرجات عالية دراستي بالمدرسة الثانوية الإسلامية للفتيات “مصطفى فاروشي” والتابعة للمشيخة الإسلامية في تيرانا العاصمة.
بعدها سعيت للالتحاق بكلية الطب ولكن لم أوفق؛ لذا التحقت بعد نحو عام بمدرسة تمريض مدتها عام وكانت بالتعاون بين وزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفي نهايتها تم إرسالنا لدورة تدريبية مدتها عشرة أيام بمستشفى، وذلك بالتعاون مع مدرسة التمريض بمدينة “باري” الإيطالية، حيث أنهيت تلك الدورة كذلك بنتائج مرتفعة.
حالياً أعمل كداعية بمكتب مفتي محافظة دورس.
كنتِ أول فتاة ترتدي الحجاب في “دورس” بعد سقوط الشيوعية.. هل لنا أن نتعرف على تجربتك؟ وهل واجهتك أي صعوبات؟
– حينما سمح بحرية الأديان خلال عامي 1990 و1991، بعد انتهاء الحقبة الشيوعية، أتيحت لي -مثل جميع الشعب الألباني- فرصة التعرف على الإسلام، وبالرغم من انتمائي لعائلة مسلمة؛ فإنه لم تكن لدي معرفة بالإسلام.
في هذه السنوات بدأت حياتي تأخذ منعطفاً حاداً نحو طريق لم يكن معروفاً لي؛ إلا أنه كان يسطع بنور عظيم.
حيث افتتح في عام 1993م بمدينتي أول مدرسة إسلامية ثانوية للبنات “مدرسة مصطفى فاروش”، وفي البداية اكتفت بفتح فصل واحد فقط للصف الأول الثانوي، بينما كان من المفترض أن أواصل دراستي بالصف الثاني الثانوي بمدرستي الحكومية، ولكن لرغبتي الكبيرة في الالتحاق بهذه المدرسة الإسلامية الجديدة قررت إعادة الصف الأول بها.
كثيرون وقتها اعتقدوا بأنني خسرت كثيراً سنة دراسية ذهبت مني ومستقبل رياضي -حيث كنت أمارس رياضة الجمباز أثناء دراستي- وهو الأمر الذي توقفت عنه، والبعض ظن أن قراري يعكس مغامرة خاطئة في سن المراهقة.
ومع دخول أول رمضان عليَّ كطالبة بمدرسة إسلامية قررت في أول ليلة منه ارتداء الحجاب، وهكذا خرجت لأداء صلاة التراويح في أول ليلة من ليالي رمضان وأنا مرتدية الحجاب، وفي اليوم التالي ذهبت للمدرسة بالحجاب لأول مرة.
حينما رآني أبي لم يمنعني ولكن سألني عما إذا كنت متأكدة من قراري بالحجاب؛ لأنه لم يرغب أن أرتديه ثم أخلعه لاحقاً؛ فأخبرته بأن قراري عن اقتناع تام ونهائي، بينما والدتي لم يكن موقفها في البداية إيجابي
اعتبرت نفسي محظوظة أنني كنت أول فتاة ترتدي الحجاب في مدينتي، وكان الناس يستغربون من ارتدائي للحجاب وبعضهم ينتقدون وينظرون إلى نظرة سلبية، ولكنني لم أهتم، فالسعادة التي شعرت بها ونعمة الهداية التي وفقت إليها جعلتني لا أهتم بما يقوله الناس عني.
بعض أو كثير من الداعيات الناشطات بعد الزواج يتراجع دورهن.. فما تجربتك الشخصية في هذا الصدد، ونصيحتك لكل داعية؟
– بعد الزواج انتقلت للعيش بالمدينة المنورة في السعودية، حيث كان زوجي يدرس بالجامعة الإسلامية بها، ولذا كانت الدعوة والتعليم شاغلنا الشاغل، ولم أواجه أي عقبات من الزوج، وهناك انتظمت في دورات لتحفيظ القرآن الكريم وتعلم العلوم الإسلامية.
ثم بعد عودتي لألبانيا عدت لمواصلة الدعوة والتعليم الإسلامي في آن واحد؛ فقد عدت لمواصلة أنشطتي الدعوية التي كنت أقوم بها في السابق، وأهمها كورس بمسجد الفاته بمدينة دورس، بجانب كورس آخر بمسجد قرية “شين فلاش” خارجها.
وفي وقت لاحق قمت كذلك بمواصلة دراستي الشرعية عبر المراسلة بكلية الدراسات الإسلامية في العاصمة الكوسوفية بريشتينا.
كما حرصت على تنمية مهاراتي المجتمعية وعدم التوقف؛ وعلى سبيل المثال في المجال الإعلامي؛ فقد شاركت في دروة تدريبية حول كيفية التعامل والتعاطي مع وسائل الإعلام التي نظمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، بمدينة دورس وشارك فيها ممثلون عن الأديان الثلاثة الرئيسة وهي الإسلام والأرثوذكسية والكاثوليك.
وفي المجال الأسري، شاركت كذلك في دورة تدريبية نظمها صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة حول إدارة حالات العنف الأسري استناداً إلى التشريعات القانونية وكذلك حالات العنف القائمة على الجنس والاتجار بالبشر.
قبل الحديث عن دور المرأة المسلمة في المجتمع الألباني، هل يمكن أن تعطينا لمحة عامة عن دور المرأة الألبانية سواء المسلمة أو غير المسلمة في المجتمع؟
– تاريخياً شهدت ألبانيا ركوداً في تحرير المرأة من العوائق التي تحد من دورها في المجتمع، ويمكن القول: إن هناك إخفاقات متتالية حدثت في هذا المسار.
ولنأخذ مثالاً على ذلك، فبالرغم من أن عدد النائبات بالبرلمان في ازدياد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة؛ فإن هذا راجع للتشريعات التي فرضت على كل حزب سياسي ترشيح عدد محدد من النساء على قوائمه الانتخابية، أي أن ازدياد عدد النساء في البرلمان راجع للتشريعات وليس لثقافة المجتمع التي تدفع بالمرأة لمناصب قيادية سياسية وتشريعية مهمة تستطيع من خلالها المشاركة في صناعة القرار الوطني.
وعلى الرغم من اتخاذ العديد من الخطوات الإيجابية لإدماج المرأة في المجتمع؛ وتقلد المرأة للعديد من المناصب والأدوار الرئيسة؛ فإنه تحدث إخفاقات وتراجع من جديد عن هذا المسار بشكل دائم ومتكرر.
وطبيعة المرأة الألبانية أنها امرأة قوية عاملة مكافحة وتسعى دوماً لنيل حقوقها، فدورها داخل البيت كبير وتمثل العمود الفقري للأسرة، ودورها في المجتمع كبير وهناك الكثير من النماذج للنساء الناجحات في مجالات التعليم والسياسة والأعمال.
وماذا عن مشاركة المرأة الألبانية المسلمة في المجتمع؟
– اليوم نشعر بالتفاؤل؛ لأن المرأة المسلمة اتخذت خطوات إيجابية ملموسة على درب ممارسة حقوقها في المشاركة المجتمعية واتخاذ القرار.
واليوم، هناك تقدم كبير في مجال تعليم المرأة المسلمة الألبانية؛ وقد انعكس هذا على تقلد العديد منهن الكثير من المناصب في مختلف مجالات الحياة كالطب والهندسة والمحاماة والقانون والصيدلة وغيرها.
واليوم، بدأت كثير من المسلمات الألبانيات تطبيق أول آية نزلت في القرآن “اقرأ” في حياتهن، التي تعني مع القراءة الدراسة والتعلم.
وعلى الرغم من الصعوبات الجمة التي تواجه دخول المرأة المسلمة (بحجابها) للعمل في قطاعات الدولة؛ إلا أنها نجحت باقتدار في بذل جهود متواصلة في القطاع الخاص، جعلتها مثالاً يحتذى لجميع النساء عموماً.
ومع ذلك، ووفقاً للدراسات الاستقصائية التي أجريت مؤخراً، فإن عدد النساء المسلمات الناشطات والعاملات في المجتمع الألباني في ازدياد مستمر.
كيف بداياتك الأولى في حقل الدعوة ونشاطك المجتمعي؟
– عندما بدأت العمل في المجال الدعوي كنت صغيرة، حيث كنت وقتها في الصف الأول الثانوي بأول مدرسة إسلامية للفتيات بمدينتي دورس “مصطفى فاروشي”.
وكنت ضمن عشر مدرسات جميعنا كنا طالبات في المدرسة الإسلامية نعطي دروساً للفتيات الصغيرات في مسجد المدينة، حيث كانت كل منا تدرس لنحو عشر فتيات صغيرات؛ بينما كانت زميلة لنا تعلم النساء الكبيرات في السن وكان عددهن كبيراً.
وفي فترة لاحقة بدأن في إعطاء دروس دينية للأطفال في قرى المحافظة، وكان بعضها لا يوجد بها مساجد، فكنا نعطي الدروس في فصول خاصة، فكانت كل مدرسة منا ما تتعلمه في المدرسة الإسلامية تقوم بتعليمه مباشرة للفتيات الصغيرات سواء في المدينة أو القرى المحيطة.
اليوم، بالإضافة للدروس التي أعطيها للفتيات الصغيرة أقوم بتعليم النساء الكبيرات الراغبات في تعلم الإسلام، كما أشارك في تنظيم الأنشطة الثقافية والإسلامية في المناسبات المختلفة، وبجانب ذلك نقوم ببعض الأنشطة الخيرية للأطفال الأيتام أو الفقراء الذين يحتاجون للمساعدة.
اليوم، وبعد نحو 27 عاماً من عودة الحريات الدينية، كيف تقيمين نتائج الأنشطة الدعوية التي قمت بها؟
– على الرغم من سيطرة روح “الإسلاموفوبيا” في وسائل الإعلام الألبانية؛ فإنني أستدل على التقدم في الصحوة الإسلامية بهؤلاء الأطفال الذين يُقبلون بأعداد متزايدة يوماً بعد يوم على الكورسات الإسلامية سواء في المدن أو في القرى.
وفي ظل غياب المعرفة بالإسلام كنتيجة لعقود متتالية عاشها الشعب الألباني في أثناء الحقبة الشيوعية، يضاف لهذا في ظل مفاهيم خاطئة تثيرها وسائل الإعلام وغيرها عن الإسلام؛ أسعى وبصبر كبير على شرح المفاهيم الجميلة لديننا الإسلام العظيم للصغار بشكل خاص وكذلك للكبار بشكل عام.
والذي يسعدني هو رؤيتي لرغبة الكثيرات في الاستماع والتعرف على الإسلام واستمرارهن في الكورسات والدروس مع حرص على التطبيق والممارسة العملية لما تعلمنه في حياتهن اليومية.
الأجيال الناشئة الجديدة هي مستقبل الإسلام في ألبانيا، ودوماً أذكر تلميذاتي بثواب من ينشأ في عبادة الله منذ صغره وأحفظهن على استثمار هذه الفترة في التعلم والعبادة والعمل الصالح في المجتمع وعدم تضييع الوقت.
إنها لسعادة كبيرة أن أرى تلميذاتي من فترة لأخرى وقد تخرجن في المدرسة الإسلامية الثانوية التي تخرجت فيها في السابق، والآن يكملن دراستهن الجامعية سواء في جامعات إسلامية خارج ألبانيا في كليات علمية بالجامعات الألبانية، كما أن كثيرات منهن ينشطن في مجالات مجتمعية مختلفة.
لا شيء أجمل من رؤية الفتيات وقد كبرن وأصبحن قادرات على توسيع معارفهن وثقافتهن الإسلامية، وقادرات على المشاركة في إعطاء محاضرات عن الإسلام في أماكن كثيرة، أو التحدث مع زميلاتهن وأقاربهن عن الإسلام، بالإضافة للمقدرة على الحديث لمختلف وسائل الإعلام.
ما التحديات التي واجهتك في السابق واستطعت التغلب عليها؟ وما تلك التي مازالت عصية على الحل؟
– كل عمل له تحدياته وتضحياته، ولكن أول وأكبر التحديات التي نواجهها هو التحيز والتمييز بحق المسلمات المحجبات، وكذلك الصعوبات التي نواجهها في مجالات الدعوة.
ولكن الدعوة لا تبدأ على أبواب المساجد ولا في المجالس العلمية، الدعوة تبدأ في بيوتنا مع عائلاتنا، تبدأ من خلال علاقتنا الطيبة مع جيراننا، وبالمعاملة الحسنة مع مجتمعنا، تبدأ من خلال مساعدة شيخ كبير أو إبعاد ضرر عن الناس.
وأنا لم أفكر في إقناع الناس بالإسلام؛ بقدر الاجتهاد بتوضيح حقائق الإسلام لهم؛ وكيف أنه خير للجميع، وقد سعيت للارتقاء بأخلاقي في تعاملاتي مع الناس، لا أعتبر نفسي مثالية، ولكن اجتهدت في ترك أثر طيب مع كل من أتعامل معه حتى لو كان مخالفاً لي.
استناداً لتجاربك وخبراتك السابقة، ما التوصيات المستقبلية التي تودين تقديمها كنصائح لكل مسلمة داعية سواء في ألبانيا أو غيرها من الدول؟
– أولاً: يجب على كل مسلمة سواء أكانت داعية أم لا (حيث إن كل مسلمة هي داعية للإسلام بشكل أو آخر) أن توضع في اعتبارها أنه بدوننا نحن النساء لا ترتقي الأسرة ولا ينهض المجتمع ولا تقام الدولة؛ لذا يجب علينا الشعور بالفخر بما نمثله من قيم، وأن نسير مرفوعات الرؤوس، وأن نتعز بكرامتنا وأنفسنا كمسلمات نشعر بقيمتنا وأهمية دورنا، في هذه الحالة سوف يحترمنا الجميع ويقدرنا.
ثانياً: من تجربتي الخاصة ومن تجارب الأخريات حولي، يجب على المرأة المسلمة عدم انتظار الآخرين كي يفسح لها الآخرون الطريق؛ بل عليها الإقدام وأخذ زمام المبادرة، لذا فنحن بحاجة إلى زيادة الوعي بين النساء لتعزيز قيمهن وثقتهن في أنفسهن لرفع صوتهن والمطالبة بحقوقهن في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة، ويجب على النساء أن تدعم كل منها الأخرى، وأن يكمل كل منا الآخر، والبنيان المتماسك عصي على الكسر دائماً.
ثالثاً: علينا الانتباه إلى أن الإسلام بحاجة للكوادر المدربة وبحاجة للتعاون في هذا المجال، لا بد من الاهتمام بتعليم وإعداد المرأة تعليماً يراعي الجودة ولا يركز فقط على العدد؛ فلا ينبغي أن نخدع بالكم على حساب الكيف، والنجاح يأتي فقط من الله يعطيه لمن يحب ويستحق.