عمّمت وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، على المدارس الواقعة في مناطق نفوذها، أخذ رسوم مالية من جميع التلاميذ الذين يدرسون في المدارس الحكومية، للحصول على خدمة التعليم. الإجراء الذي دخل حيّز التنفيذ مع بداية النصف الثاني من العام الدراسي، والذي تلزم بموجبه المدارس الحكومية أولياء الأمور دفع رسوم إضافية شهرياً في مقابل تعليم أبنائها، أثار استياء كبيراً في أوساط التلاميذ والأهالي، كون التعليم مجانياً في كل مراحله بحسب المادة رقم 8 من قانون رقم 45 الصادر في عام 1992.
وبحسب تعميم الحوثيين الجديد، فرضت الإدارات المدرسية على تلاميذ المرحلة الابتدائية 500 ريال يمني، والمرحلة الإعدادية 1000 ريال، والثانوية 1500 ريال. وأكّد عدد كبير من التلاميذ عدم استعدادهم دفع أي رسوم إضافية باعتبارها جبايات غير قانونية، فضلاً عن الظروف الصعبة التي يعيشونها في ظل تدهور الوضع المعيشي وعدم حصول الموظفين على رواتبهم منذ نحو عامين، ما زاد من معاناة الأسر اليمنية.
عقوبات
في هذا السياق، يقول عبد الولي الولي، وهو تلميذ في الصف الثاني الإعدادي، إنّه رفض تسليم المبلغ الذي أقرته إدارة المدرسة لأنه لا يستطيع تأمينه. ويقول لـ “العربي الجديد” إن إدارة المدرسة هددت التلاميذ الذين رفضوا تسديد الرسوم بإجراءات ستتخذ في حقهم. إلا أن بعض المدرسين رفضوا اتخاذ أي إجراءات، ودعوا التلاميذ لعدم تسديد أي رسوم باعتبار ذلك مخالفاً للقانون “وهذا ما جعل المدارس تعجز حتى الآن عن فرض أي عقوبات”.
أولياء الأمور وجدوا في مثل هذا التوجه انتهاكاً صارخاً للقانون اليمني الذي يؤكد على مجانية التعليم، وأن أي أموال تؤخذ من التلاميذ تعد سرقة بحسب عزيز أ. يقول: “نعاني بسبب عدم حصولنا على مستحقاتنا ورواتبنا منذ أكثر من عام. وبدلاً من مساعدتنا، ينهبوننا ويفرضون علينا رسوماً إضافية لتعليم أبنائنا. هذه سرقة ولا شيء غير ذلك”.
ويؤكد لـ “العربي الجديد” أنه لن يستطيع دفع ريال واحد، ويتوجّب على وزارة التربية والتعليم إيجاد حلول أخرى “من دون اللجوء إلى سرقة أولياء الأمور في مثل هذه الظروف الصعبة”. ويشير إلى أن العملية التعليمية في المدارس الحكومية مهددة بالتوقف الكامل، في حال لم تحل مشكلة عدم دفع رواتب المدرسين.
طرد التلاميذ
هذا الإجراء “الصادم”، كما يصفه خليل الدبعي، سيدفع عدداً كبيراً من أولياء الأمور في المناطق الفقيرة إلى إخراج أبنائهم من المدارس. يضيف: “لا يستطيع غالبية أولياء الأمور دفع هذه المبالغ، وإن بدت ضئيلة للبعض. غالبية سكان المناطق الفقيرة لن يستطيعوا توفيرها”، مشيراً إلى أن من اتخذوا هذا القرار لا يشعرون بمعاناة الناس، لا سيما الفقراء في المناطق الساحلية. ويؤكد بأن العاملين في وزارة التربية والتعليم “يقولون إن الرسوم ليست إجبارية، لكن عدداً كبيراً من المدارس هدد بطرد التلاميذ في حال عدم دفع الرسوم”.
وتؤكّد مصادر تربوية في صنعاء لـ “العربي الجديد” أن تغيّب التلاميذ عن المدارس يتسع بشكل يومي بسبب عدم قدرة الآباء على دفع المبالغ المفروضة عليهم من إدارات المدارس، وقد عمد بعضها إلى طرد التلاميذ من الفصول. ويقول مدرّس فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنّ “تسرب الأطفال يزداد بشكل مخيف، وقد قلّ عدد الصفوف”، مؤكداً أن “بعض المدارس طردت التلاميذ الذين تخلّف أهلهم عن الدفع، ما يجعلهم يقضون أوقاتهم في الشوارع، وقد يكونون عرضة للانحراف”. ويشير إلى أن قرار وزارة التربية والتعليم دفع رسوم ليس إلزامياً، إلا أن مدارس كثيرة اتخذت من الأمر فرصة للضغط على التلاميذ، لافتة إلى أن تهديدهم “جريمة”.
دعم للمدرسين
في السياق، يقول مدير عام الإعلام التربوي في وزارة التربية في صنعاء، إسماعيل زيدان، إن المبالغ مشاركة مجتمعة ومبادرة من مجالس الآباء وليست إجبارية بل طوعية. يضيف أن أي مدير مدرسة يجبر التلاميذ على الدفع يعد مخالفة للقانون، مؤكداً أنّ المبالغ يجمعها المديرون وتوزّع بالتساوي على المدرسين. ويشير إلى أن “هذه المساهمات من شأنها دعم المدرسين بهدف استمرار العملية التعليمية في المدارس”، مطالباً أولياء الأمور إبلاغ الوزارة بأي مخالفة من هذا النوع.
عدم حصول آلاف المدرسين في العاصمة اليمنية صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، على رواتبهم، يضع العملية التعليمية على المحك. ويعاني 167 ألف مدرس في 13 محافظة يمنية (نحو 73% من إجمالي الكادر التعليمي في اليمن) بسبب توقف رواتبهم منذ أكثر من عام ونصف العام تقريباً.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، فإنّ توقف رواتب المدرسين يهدّد بحرمان 4.5 مليون طفل في اليمن من الدراسة، ويعرض 13 ألف مدرسة تمثل نحو 78% من إجمالي المدارس في اليمن لخطر الإغلاق الكلي، إضافة إلى تضرر نحو ستة ملايين تلميذ.