هناك مواقع عديدة يديرها الفرع الإعلامي لـ”الشاباك” هدفها تشويه التصور الإسلامي لدى الطبقات ضعيفة المستوى العلمي من المجتمع الإسلامي، وتعتمد هذه المواقع منهج الخلط والإرباك في المفاهيم والمصطلحات المركزية في العقيدة والشريعة الإسلامية، كما تستخدم أسلوب الإيحاء الإيجابي في عناوينها قصد تخدير حاسة التوثب لدى القارئ.
وهي خطة قديمة نادى بها أعداء الدين منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وفصل القرآن منهجها القائم على طريقتين:
– الخلط أو ما سماه القرآن باللغو في نصوص الوحي، وذلك قوله تعالى: ”وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ”، وهو خلط يستهدف إرباك الوعي وتشويه المفاهيم والمصطلحات، وإفراغها من مضامينها الحقيقية وتعبئتها بمضامين يريدها المبطلون.
– إظهار التدين على أنه سلوك غير جاد: وذلك من أجل استفزاز أصحاب القناعات الضعيفة والمتوسطة، وهز قناعاتهم بالدين والتدين، وذلك قوله تعالى: ” وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.
ورغم تعدد وسائل وأدوات هؤلاء المشوهين إلا أنني سأحاول في هذا المقال التركيز على موقع من أكثر هذه المواقع انتشارا ونشاطا على الشبكة وهو موقع “Answering Islam-a Christian Muslims Dialoge”، وهو موقع ينشر بـ24 لغة، ورغم أن عنوان الموقع يوحي بأن هدفه هو الحوار بين المسيحية والإسلام فإنه يروج للمسيحية ويشوه الإسلام، وقد وضع هذا العنوان من أجل الإيهام فقط.
تظهر أهداف الموقع التنصيرية والتشويهية من خلال عناوينه الرئيسة، أنه يسعى للتعريف بالديانتين على السواء، فستجد مثلا عناوين مثل: من هو الله؟ من هو المسيح؟ ما هو الإنجيل؟ أساسيات المسيحية، ثم تجد بعدها عناوين مثل: محمد، القرآن، الإسلام والإرهاب، المرأة في الإسلام، يركز الموقع أيضا على إثارة بعض القضايا مثل قضية موقف الإسلام من المرأة والإسلام والإرهاب ويقدم رؤيته التشويهية للإسلام من خلال التركيز على مثل هذه الأمور.
عند الدخول إلى الموضوعات المنشورة في كل واحد من هذه الأركان يفاجأ القارئ بمستوى عال من الخلط والتشويه المتعمد، فمثلا في حديثه عن القرآن يقوم الموقع بما يحاول أن يوهم بأنه مقارنة علمية بين القرآن والإنجيل، فيقول إن الإنجيل لا يسمح بشن الحروب من أجل الدين بل يطالب المسيحي بأن يدير خده الأيسر لمن صفعه على الخد الأيمن، بينما يأمر القرآن بشن الحروب والقتل في سبيل الله، ويستشهد بآية التوبة: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ”.
ويقارن الموقع بين موقف المسيحية وموقف الإسلام من السارق مستنتجا أن ما تفعله المسيحية مع السارق هو الذي يحقق العدل ولا ينحاز ضد السارق الذي تقطع يده في الإسلام، إلى غير ذلك من التشويهات في باب التشريع والفلسفة العامة للدين والتدين في الإسلام.
لكن هناك فكرة أخطر يركز عليها الموقع وهي أن الإسلام والمسيحية والهندوسية (ما سماه الموقع بالديانات الثلاث الكبرى من حيث عدد المعتنقين) يعبدون رباً واحداً هو “النور”، ويكفرون بالظلام، في خلط واضح وإرباك لوعي المسلم الذي يرتبط في ذهنه النور بالإيمان والظلام بالكفر، لكن دون أن يعتقد أن النور هو الله، بل إن النور والظلام كلاهما مخلوق لله سبحانه في عقيدة الإسلام.
ويحاول الموقع التأثير على متصفحيه من خلال نشر قصص –من يسميهم المتحولون من الإسلام إلى المسيحية-، ويسرد قصص كثيرة لناس أغلب الظن أنه محض تخيل للمشرفين على الموقع، ويدس الموقع من خلال السرد التخيلي لقصص تحولهم إلى المسيحية كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، ويروج للمسيحية المتسامحة والتي يجد فيها المرء روحه التي ضاعت –حسب الموقع- في اعتناق الديانات الأخرى وفي مقدمتها الدين الإسلامي.
فمثلاً يسرد الموقع قصة يقول: إنها مكتوبة من قبل أحد هؤلاء وهو شاب سوري عاش حياة تعيسة بسبب الديون التي تراكمت عليه ولم يجد في المجتمع المسلم معينا له ولا رحمة في أحد منه، وتعقدت حياته حتى فكر في الانتحار، ولكنه أخيرا قرر أن يلتحق بالكنيسة التي وجد فيها الرحمة والعطف والحنان.
ويتعمد الموقع العناية بالرونق الأدبي المؤثر لهذه القصص، وقد عنونت قصة هذا الشاب بعناوين جذابة للشباب مثل: “من الماء إلى الخمر” وكان فصلها الأول بعنوان: “حياة سيئة” وهو الفصل الذي تحدث عن فترة اعتناق هذا الشاب للإسلام، بينما عنون الفصل الثاني منها بـ”تدخل المسيح”، وهو الفصل الذي يتحدث عن تحول هذا الشاب إلى المسيحية، وكيف بدأت حياته المادية والروحية تتحسن، ووجد المجتمع المتراحم بين المسيحيين.
هذا موقع من مئات المواقع التي تديرها الأجنحة الإعلامية في المخابرات الدولية وخاصة المخابرات الصهيونية، وتنفق ملايين الدولارات من أجل الترويج لها في مجتمعات تستهدفها بعناية، وبناء على مراكز دراسات وبيوت خبرة يشرف عليها اختصاصيون وخبراء في تقنيات التأثير وغسيل الأدمغة.
وهناك جمعيات معروفة تقوم على مثل هذه المواقع من أشهرها جمية يد لاحيم اليهودية، التي تشن حملة شعواء لتشويه صورة الإسلام عبر محاولات حثيثة للتشكيك بالدين الإسلامي وأصوله، تعمد من خلالها إلى إدخال تفاسير محرفة لآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتنسب أقوالا محرفة ومشوهة وبعيدة عن الواقع لعلماء وفقهاء مسلمين كبار من أمثال الإمامين أبي حنيفة والشافعي.
ونشرت الجمعية المذكورة والممولة من حركة “شاس” المتطرفة سنة 2004 مؤلفاً من 222 صفحة باللغة العبرية على الإنترنت وتصدر أشرطة فيديو وكاسيت تتضمن تمثيلا يسيء للمرأة المسلمة ومعاملتها في الإسلام.
تحتاج الأمة الإسلامية اليوم وضع إستراتيجية علمية وإعلامية تجمع بين التحصين والتمكين، وتسعى لفضح هذه المواقع والتعريف بها تعريفا يضمن الحذر منها ولا يسقط في فخ الترويج غير المتعمد لها.
المصدر: “إسلام أون لاين”.