على الرغم من إعلان الحكومة العراقية تحرير أراضي البلاد من سيطرة تنظيم “داعش” منذ ديسمبر 2017، وعودة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المحررة، ما تزال هناك الكثير من الملفات الشائكة التي لم تتمكن بغداد من التعامل معها بمهنية.
ملف المفقودين يعتبر من بين أبرز الملفات التي خلفتها الحرب مع التنظيم وما رافقها من موجات نزوح، وُصفت بالأكبر في تاريخ العراق؛ إذ لم يعرف مصير هؤلاء المفقودين حتى اللحظة.
ولا يعتبر ملف المفقودين جديداً في العراق؛ فمنذ غزوه عام 2003 شهدت البلاد تزايداً طردياً في أعداد المفقودين؛ بسبب انتشار المليشيات من جهة، والفصائل المسلحة التي مارست عمليات القتل والخطف على الهوية، التي ترتفع وتيرتها تارة وتنخفض تارة أخرى.
لكن ما شهده العراق بعد عام 2014، عقب سيطرة تنظيم “داعش” على ثلث مساحة هذا البلد العربي وإعلان خلافته من وسط مدينة الموصل، شمالي البلاد، من اختفاء قسري لآلاف الأشخاص من المدنيين، فاق ما شهده إبان الفترة الطائفية (2005 – 2008).
من أبرز المدن التي تعرَّض أبناؤها للاختفاء القسري بعد عام 2014، مناطق الدور وتكريت وبيجي والإسحاقي وبلد في محافظة صلاح الدين (شمال)، وفي محافظة الأنبار (غرب)، ما يزال مصير أكثر من ثمانية آلاف شخص مجهولاً لغاية اللحظة.
وكانت لمدينة الموصل الحصة الأكبر بأعداد المفقودين؛ حيث بلغت أكثر من 11 ألف مفقود، لم يُكشف عن مصيرهم بعدُ، بحسب ما أكده مسؤولون في الحكومة العراقية.
وفي قضاء جرف الصخر (50 كم إلى الجنوب من بغداد)، ما يزال مصير أكثر من 1500 شخص مجهولاً.
هؤلاء المختفون قسراً، بحسب ما أكده في مرات سابقةٍ مسؤولون عراقيون، وشهود عيان، وتقارير منظمات دولية ومحلية، معظمهم فُقدوا في أثناء رحلة نزوحهم هرباً من إجرام تنظيم “داعش” الذي سيطر على مناطقهم، أو بسبب اندلاع المعارك بين التنظيم والقوات العراقية.
حسن الجنابي، أحد سكان قضاء جرف الصخر، قال: إن “القضاء تعرَّض لإبادة جماعية على يد مليشيا كتائب حزب الله”.
وأردف يقول: “هذه المليشيا احتجزت أكثر من ثلاثة آلاف عائلة في أثناء نزوحهم عن القضاء واحتجزتهم في عدد من المدارس والمنازل بالقرى النائية بحجة تدقيق أسمائهم”.
الجنابي بيَّن أن “مليشيا حزب الله عزلت الرجال عن النساء، واقتادتهم إلى جهة مجهولة. لا أحد يعرف مصيرهم منذ ذلك الحين”.
وزاد أن المليشيات حوَّلت القضاء إلى “سجن كبير”، موضحاً أنها “احتجزت النساء والأطفال في مدارس ومنازل تحت حراسة مشددة من عناصرها”.
عشرات المفقودين، بحسب الجنابي، يُعثر على جثثهم بين فترة وأخرى بالمزارع، أو في مكبات النفايات الواقعة بأطراف القضاء، مؤكداً أن “جميع الجثث كانت تبدو عليها آثار تعذيب”.
من بين من فقدوا أبناءهم، حليمة الدليمي، التي تتهم المليشيات بخطف ولديها.
وقالت حليمة: إن اثنين من أبنائها اختفيا في أثناء عمليات تحرير مدينة الفلوجة (مايو 2016)، وذلك عند محاولتهما الهرب صوب القوات الأمنية، عابرَين نهر الفرات.
تؤكد حليمة أنها لم تترك مقراً أمنياً أو سجناً إلا وبحثت فيه عن ولديها الشابين، “لكن دون جدوى”.
في هذا الإطار، كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن وجود مئات الآلاف من المفقودين بالعراق، مؤكدة أن هذا البلد يمتلك العدد الأكبر من المفقودين في العالم.
وقالت المنظمة في تقرير نُشر مؤخراً: إن عشرات الأشخاص اختفوا قسرياً بعد أن اعتقلتهم فصائل مسلحة في إطار محاربة الإرهاب بين عامي 2014 و2017.
وبحسب التقرير، فإن حالات الإخفاء القسري الموثقة تشكل جزءاً من نمط أوسع ومستمر بالعراق، مشيرة إلى أن السلطات العراقية في بغداد وإقليم كردستان (شمالي البلاد) لم تستجب لأي طلب لمعلومات عن المفقودين.
من جهته، قال النائب السابق عن محافظة الأنبار حامد المطلك: إن “أغلب المناطق التي تمت استعادتها من سيطرة تنظيم “داعش” تعرَّض أبناؤها لإخفاء قسري على يد القوات الأمنية والجماعات المسلحة”.
المطلك أكد أن الحكومة العراقية والجهات المعنيَّة لم تهتم لمطالب ذوي المغيَّبين، بالكشف عن مصير أبنائهم.
وأضاف: “أغلب المفقودين محتجزون بسجون سرية وفي مناطق مختلفة”، داعياً الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني إلى تكثيف جهودهم للكشف عن مصير هؤلاء المغيَّبين.
وكان المطلك قد كشف سابقا عن تجاوز أعداد المفقودين من محافظة الأنبار وقضاء جرف الصخر فقط، 3 آلاف مفقود، متهماً بذلك مليشيات عراقية نافذة بالحكومة ومنضوية تحت مظلة “الحشد الشعبي”.
وكانت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بالعراق كشفت في أغسطس الماضي؛ بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين، أن 40 ألف شخص مفقودون في العراق، داعيةً الحكومة إلى معرفة مصيرهم.
وأشار نائب رئيس بعثة اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في العراق، فواز عبد العباس، في تصريح صحفي، إلى أن سبب وجود هذا الكم من المفقودين هو “الصراعات” التي شهدتها البلاد منذ غزوها في عام 2003.