قال موقع “مدى مصر”: إن الحكومة المصرية تحاصر أهالي جزيرة “الوراق” الفقيرة ذات الموقع المتميز في قالب القاهرة.
وأضاف الموقع أن المشاهد التي يمكن ملاحظتها عند محاولة الوصول إلى جزيرة الوراق تعكس حالة التوتر القائمة منذ قرابة عام ونصف. أمام مرسى «المعدّية» التي تنقل الركاب من كورنيش شبرا الخيمة إلى الجزيرة، تتواجد سيارتي أمن مركزي ومدرعة شرطة وعدد من أفراد الشرطة بزي مدني. يقول الأهالي إن المشهد نفسه يتكرر أمام مراسي المعدّيات المتناثرة حول الجزيرة.
المعدّية نفسها، وهي أداة التنقل الوحيدة من وإلى الجزيرة، كانت محور إحدى جولات الشد والجذب بين الأهالي والشرطة ذلك الأسبوع. فوجئ الأهالي صباح يوم الثلاثاء الماضي، بمحاولة تشغيل معّدية نيلية حكومية بديلة عن تلك التي يديرها الأهالي. بدأ سكان الجزيرة في التجمهر لمنع تشغيل المعدية واحتشدت قوات تابعة لمديرية أمن القليوبية أمام المرسى، قبل أن يتوقف تشغيل المعدّية الجديدة وتستمر القديمة في العمل.
في وقت آخر ربما كان يقبل الأهالي تشغيل المعدّية الجديدة كما قال بعضهم لـ «مدى مصر»، إلا أن التوتر المستمر طوال الفترة الماضية دفعهم إلى عدم الثقة بمغزى الخطوة المفاجئة. قال محمود عبدالمنجي، أحد أهالي الجزيرة، إن المعدّية الجديدة ستعمل من الساعة 7 صباحًا حتى 11 مساءً، مضيفًا أن ذلك يتعارض مع احتياجات سكان الجزيرة في التنقل سواء في الحالات الطارئة، أو العمل في ساعات مبكرة أو متأخرة من اليوم، فضلًا عن تشككه في أن تستخدم المعدّية التي تديرها أجهزة الدولة في حصار أهالي الجزيرة أو عزلهم عند الحاجة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد توترًا مرتبطًا باستخدام المعدّيات. يحكي عبدالمنجي أنه منذ صدور قرار رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري رقم 1969 لسنة 1998 بإدراج جزيرة الوراق ضمن قائمة المحميات الطبيعية وهناك صعوبة في إدخال مواد البناء للجزيرة.
رغم إلغاء القرار السابق في يوليو من العام الماضي، إلا أن منع دخول مواد البناء استمر، بحسب عبدالمنجي الذي شرح أن المنع يشمل حتى كميات بسيطة ضرورية لإجراء بعض «المرمات» في البيوت مثل إصلاح تسريب مياه في الحمام، أو ترميم منزل أو استكمال بناء أو تشطيب حجرة.
في الفترة الأخيرة، أصبح المنع يشمل الأثاث المنزلي، وقد يخضع نقل سخان مياه منزلي للتفاوض مع قوات الشرطة المرابطة أمام المعديات، بحسب رواية عبدالمنجي.
التطوير الغامض.. والنزاع على الأرض
أثناء استقلال بالمعدّية، يمكن ملاحظة محور روض الفرج المعلق ممتدًا فوق نهر النيل بين شبرا الخيمة والجزيرة وقد أوشك طرفيه على الالتئام. يمثل المحور نقطة توتر أخرى، حيث صدر قرار رئيس الوزراء رقم 49 لسنة 2018 يوم 22 نوفمبر الماضي بنزع ملكية الأراضي في «نطاق مسافة 100 متر على جانبي محور روض الفرج بمنطقة جزيرة الوراق اللازمة لحرم الطريق، بالإضافة إلى نزع ملكية الأراضي الكائنة في نطاق مسافة 30 مترًا بمحيط الجزيرة واللازمة لتنفيذ الكورنيش».
القرار الذي أثار غضب الأهالي جاء مفاجئًا، حيث قال عبدالمنجي: إنه، حتى الآن، لم يحدث أي تشاور من قبل جهات الدولة مع الأهالي بخصوص سبل تعويضهم عن نزع ملكيتهم للأراضي والمنازل المحيطة بمحور روض الفرج أو كورنيش الجزيرة، متعجبًا من صدور قرار بنزع ملكية الأراضي دون حصر مسبق للممتلكات لمعرفة مبالغ التعويضات اللازمة لأصحابها.
وكانت المادة الثانية من قرار نزع الملكية نصت على أن «يستولى بطريق التنفيذ المباشر على الأراضي اللازمة لتنفيذ المشروع المشار إليه… دون انتظار حصر الملاك الظاهري لها، على أن تتولى الهيئة المصرية العامة للمساحة حصرهم تمهيدًا لتعويضهم».
كان اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، خلال لقائه اﻷول الذي جمعه بعدد من أهالي الجزيرة أجرى اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تحدث إلى اﻷهالي مباشرة عبر الهاتف وقال لهم: «إحنا هنا لخدمتكم ولسنا ضدكم. وأنتم أولادنا وأهلنا ولا يمكن تهجيركم. لكننا نريد تطوير الجزيرة».
وفي تقرير سابق لـ «مدى مصر»، عبر عدد من الأهالي عن رفضهم انتزاع هذه المساحة الكبيرة من أراضيهم مما سيتسبب في هدم منازل آلاف العائلات على حد تقديرهم.
وكانت المساحة التي سيتم نزع ملكيتها على جانبي محور روض الفرج موضع تفاوض مسبق في الاجتماعات المتتالية بين الأهالي ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة اللواء كامل الوزير. وفي اجتماع سابق، في شهر أغسطس الماضي، علل الوزير نزع ملكية هذه المساحة، غير المعتادة في مثل هذه المشروعات، بالاحتياج إلى الأراضي لبناء خدمات للمجتمع العمراني الجديد الذي سيقام على أرض الجزيرة.
يقول عبدالمنجي: «طيب ما تبني الخدمات في الأماكن الفاضية من الجزيرة. ده إحنا عندنا مساحات ينفع يتبني فيها إستاد».
أتى قرار نزع الملكية بعد ستة أشهر من إصدار القرار 20 لسنة 2018 بضم أراض الجزيرة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بغرض «إنشاء مجتمع عمراني جديد»، ليرفع من حدة التوتر.
يقول وليد عبدالرازق، أحد أهالي الجزيرة: «النية مش خير من الأول. لو النية خير كان حصل حوار مجتمعي عن تطوير الجزيرة زي ما بيقولوا». بينما يتساءل إبراهيم جمال، ساكن آخر، «فين مخطط التطوير اللي بيقولوا عليه؟ طيب ما تطلعوا مخطط التطوير وتعرضوه علينا».
حضر ممثلون عن الأهالي عدة اجتماعات كانت في معظمها مع اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية، واللواء ناصر فوزي، رئيس المساحة العسكرية، والعميد أيمن صقر، مدير مشروع محور روض الفرج، ولم يذكر أي من الأهالي حضور ممثلين عن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أو الهيئة العامة للتخطيط العمراني.
يصف عبد المنجي الهدف من هذه الاجتماعات أنها كانت لتهدئة الأهالي فقط، ولم يقدم بها اقتراحات مفصلة للتطوير المزمع إجراؤه. مضيفَا أن في كل مرة اقترح فيها اللواء كامل الوزير تصورًا لما سيتم، شدد بعدها على أن ما قاله «مجرد اقتراح، لسه ما نعرفش إذا هنعمله ولا لأ».
في الاجتماع الأخير مع الوزير، كانت إحدى «الاقتراحات» التي طرحها الوزير هي الإبقاء على الكتلة السكنية في وسط الجزيرة وضم ما يقع خارجها من منازل إليها، لتصبح بقية الأراضي متاحة للاستثمارات، بحسب عبدالمنجي.
وفي نفس الاجتماع مع ممثلي الأهالي، والذي تم في شهر أغسطس الماضي، أكد الوزير على «أن من يريد من الأهالي الحصول على وحدة سكنية بديلة في إحدى المدن الجديدة أو تعويض نقدي سيحصل عليه ويغادر الجزيرة. ومن يريد البقاء، سنشتري منه الأرض التي يمتلكها بسعر 250 ألف جنيه للقيراط أو 1400 جنيه للمتر، وسيحصل على وحدة سكنية بديلة بعد بناء عمارات للأهالي، وسيكون قيمة المتر بها 3500 جنيه»، بحسب رواية عبدالمنجي.
يرد عبدالمنجي على هذه المقترحات قائلًا: «الكلام العام ما ينفعش. لأن أنا راجل متمسك ببلدي، ومش عايز أخرج. ولو سمحت بإخراجي من الجزيرة دلوقتي مش هعرف أرجع لها تاني. لأن الكلام عن إننا هنرجع بعد ثلاث سنين لا يتفق مع شكل المشروع المتوقع عمله في الجزيرة، وإحنا ناس بنشتغل في المعمار. المشروع ده مش هيخلص قبل 10 أو 15 سنة. أنهي عقد هيرجعني! وأنهي مسؤول هيبقى موجود عشان يرجعني».
ويتابع «أنا مش ضد التطوير، لكن التطوير يبقى لأهل البلد. يعني لو هتهد بيتي عشان في حرم النهر أو المحور أو الشارع، يبقى تبنى لي بيت مكانه في الجزيرة. لكن أنا مش هخرج، أنا بنيت بيت في 10 سنين أو 15 سنة كلّفته نص مليون جنيه، وأنت النهاردة عايزني أبني بيت أكلفه 2 مليون جنيه ومفيش دخل زي زمان، يبقى مستحيل أخرج».
يشرح عبدالمنجي أن معظم المنازل الموجودة في الجزيرة هي ملك لعائلات. بناها رب العائلة على مراحل استمرت لـ10 أو 15 سنة، بسبب عدم توفر سيولة نقدية كافية لبناء المنزل دفعة واحدة.
المشكلة أن المنازل، وهي تمثل الثروة الأساسية لهذه العائلات، لم تُطرح حتى الآن أي تعويضات تخصها، الحديث فقط عن تعويضات تخص الأراضي، بحسب الأهالي الذين تحدثوا إلى «مدى مصر».
البيع محظور إلا لهيئة المجتمعات العمرانية فقط
يقول عبدالمنجي: إنه «من قبل الهجوم على الجزيرة، كانت لدينا معلومات أن الشهر العقاري يمتنع عن توثيق أي معاملات متعلقة بأراضي جزيرة الوراق، وهو ما أنكره اللواء كامل الوزير في اجتماعه معنا».
الهجوم الذي يقصده عبدالمنجي هي محاولة تنفيذ قرارات إزالة لنحو 700 منزل في الجزيرة في 16 يوليو 2017، وهو ما تطور إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل أحد مواطني الوراق، وإصابة العشرات من أفراد الشرطة.
وجاء ذلك «الهجوم» بعد شهر من إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يونيو 2017، في إحدى خطاباته، في إطار حديثه عن ضرورة استرداد الدولة لأراضيها التي شهدت تعديات عليها بالبناء، إلى الجزيرة قائلًا: «جزيرة موجودة في وسط النيل، مساحتها أكتر من 1250 فدانًا- مش هذكر اسمها- وابتدت العشوائيات تبقى جواها والناس تبني وضع يد. لو فيه 50 ألف بيت هيصرفوا فين؟ في النيل اللي إحنا بنشرب فيه؟». وأضاف: «الجزر الموجودة دي تاخد أولوية في التعامل معاها».
في سبتمبر 2018، أصدر وزير العدل قرارًا يحدد فترة ثلاثة أشهر من منتصف أكتوبر حتى منتصف يناير المقبل، لتسجيل الأهالي ممتلكاتهم في السجل العيني التابع للشهر العقاري. وفي الشهر نفسه أصدر وزير العدل قرارًا آخر يستثني جزيرة الوراق من الحظر القائم على تسجيل عمليات البيع أو الشراء أو صحة التوقيع لأي من أراضي الجزر النيلية، إلا أن ذلك الاستثناء مرتبط فقط بالأراضي التي تؤول ملكيتها، أو يتم بيعها، لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
يقول عبدالرازق: «اللي حصل أن الحكومة قفلت كل الأبواب قدامي، وفتحت لي باب صغير. لو حد عايز يبيع عليه أنه يبيع للهيئة، ويرضى بالفلوس اللي هياخدها وخلاص».
يُقدر إبراهيم جمال مساحة الأراضي التي تم بيعها للهيئة حتى الآن بنحو 340 فدانًا، ويقول إنها لأشخاص يعيشون خارج الجزيرة ويمتلكون أراضي فيها فقط، منكرًا أن يكون أي من ساكني الجزيرة قد باع أرضه حتى الآن.
المزيد من القضايا
الاشتباكات التي وقعت في شهر يوليو من العام الماضي، أسفرت عن القبض على 18 شابًا من سكان الجزيرة، وإحالتهم للمحكمة لاحقًا على ذمة قضيتين منفصلتين، حصلوا جميعًا على البراءة فيها. غير أن القضايا لم تنته عند هذا الحد.
يقول عبدالمنجي: إن الأهالي فوجئوا في شهر ديسمبر 2017 بأن هناك أحكامًا بالغرامات والحبس صادرة ضد 740 من مواطني الجزيرة باتهامات متعلقة بتلويث نهر النيل بمياه الصرف الصحي. وتراوحت الأحكام بين الغرامة 10 آلاف جنيه و200 ألف جنيه، والحبس فترات تتراوح بين سنة و10 سنوات.
وأضاف عبدالمنجي أنه لم يتم الاستماع إلى أقوال الأهالي في أي من هذه القضايا، ولم يعلموا بها إلا بعد صدور الأحكام، وحتى الآن لم يتم تنفيذ أي من هذه الأحكام.
تعتمد الجزيرة على شبكة صرف صحي محلية لا ترتبط بشبكة الصرف الصحي في القاهرة الكبرى. فلكل منزل، بئر صرف صحي يتم تفريغة كل فترة بواسطة سيارات لشفط المياه، وغالبًا ما تُتهم تلك السيارات بتفريغ حمولتها في نهر النيل.
بالإضافة إلى الدعاوى السابقة، يقول محمد عبدالجليل، المحامي وأحد أهالي الجزيرة، إنه علم مصادفة بوجود اسمه ضمن قائمة من 22 متهمًا بالتحريض على التظاهر وقطع الطريق وإثارة الرأي العام وغيرها من الاتهامات، في شهر يوليو الماضي، حين أخبره محام بوجود اسمه في قضية تنظرها محكمة جنح الوراق.
قبل ذلك لم يتم إخطار المتهمين أو الاستماع إلى أقوالهم في أي من التحقيقات السابقة على إحالة القضية التي بدأت بتحرير الشرطة محضرها في 15 يونيو من العام نفسه. وعقب معرفة الأهالي بوجود الدعوى القضائية، بدأوا في حضور الجلسات ومتابعتها.
استمعت المحكمة إلى أقوال شهود الإثبات وهم مأمور قسم الوراق ورئيس المباحث وضابط الأمن الوطني مجري التحريات. وضمت قائمة المتهمين 5 محامين من أهالي الجزيرة، بعضهم يلعب دورًا في الطعن المقام أمام مجلس الدولة على قرار نقل تبعية أراضي الجزيرة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. ومن المنتظر أن تستأنف المحكمة نظر الجلسات 19 يناير 2019.
يصف عبدالمنجي قائمة المتهمين بأنها عشوائية، حيث لا يوجد رابط بين المتهمين، فبعضهم أشخاص غير معنيين بما يحدث للجزيرة، وأحدهم شخص دائم السفر للعمل في السعودية، وبعضهم محامون يعملون ضمن هيئة الدفاع عن الجزيرة.
كما أشار عبدالجليل إلى إبلاغه بواسطة أحد الأشخاص عن وجود تحقيقات أخرى تجريها نيابة الوراق بخصوص 25 من أهالي الجزيرة، إلا أنه ما زال لا يعلم شيئًا عن الاتهامات، كما لم يوجه لهم أي استدعاءات للمثول للتحقيق.
من ناحيتهم، رد الأهالي، في شهر يوليو الماضي، بالطعن أمام محكمة القضاء الإداري على قرار ضم أراضي الجزيرة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وتنظر المحكمة جلسة الطعن غدًا السبت.
من جانبه، يرى عبدالرازق أن «ما يحدث هو استمرار في الضغط على الأهالي عن طريق إطالة فترة التقاضي في كل القضايا، والحصار المستمر على الجزيرة».
وهو ما يعلق عليه عبدالمنجي قائلًا: «في النهاية، مفيش قدام أي حد مننا غير أنه يقف قدام بيته ويرفض يخرج منه مهما حصل».