(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر: 28)، بهذا الوصف الرباني الذي وصف به الله عباده العلماء، حيث جعل أرقى صفة لهم الخشية من الله تعالى، وعلى ذلك عاشوا وعليها ماتوا، ولقد رحل عنا الكثير من العلماء في هذا الزمان، وأقل ما نقوم به أن نتذكرهم وأن نقتدي أثرهم في الحق.
ولد الحاج سير أحمد بللو في 10 يناير 1910م بمدينة رباح في ولاية سقطو بنيجيريا، وكان أجداده مناضلين من أجل الإسلام؛ فأبوه هو الأمير إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بللو، أما جده الكبير فكان الشيخ عثمان بن فودي، مؤسس الإمبراطورية الإسلامية المنقرضة التي قامت في القرن الثامن عشر الميلادي بأفريقيا.
تلقى العلم في الكتاتيب قبل أن يلتحق بالمدرسة البريطانية الابتدائية، حيث تخرج في كلية المعلمين بمدينة كاتشينا عام 1926م، وعين مديراً لمركز رباح، ثم عين مديراً لمقاطعة غسو قبل أن يسافر بريطانيا عام 1948م للدراسة.
حاول نشر اللغة العربية بواسطة الإسلام عن طريق السياسة في بلاد إيبو خاصة وفي نيجيريا عامة، حيث خاطب الناس في مختلف الأماكن، من أجل ذلك بذل مجهوداً كبيراً، ووقف في وجه المستعمر البريطاني في الحفاظ على المحاكم الشرعية، والهوية الإسلامية، كما قام على نشر الفقه السياسي في شمال نيجيريا، حتى تولى عام 1953م حقيبة وزارة الحكم المحلي(2).
أصبح أحمد بللو رئيس وزراء شمال نيجيريا عام 1954م، وعضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وعمل على ظهور أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم بلغة «اليوربا»، حيث تهافت الناس للحصول على نسخة من الطبعة الأولى(3).
لم يعجب تحركاته بعض الجماعات المسيحية التي خشيت من قوة نفوذه في نشر الإسلام وسط القبائل، حتى إنهم شعروا أنه يريد جعل نيجيريا بأكملها دولة إسلامية بنص الدستور؛ مما دفعهم تحت قيادة جنرال مسيحي من قبيلة الإيبو بالهجوم على منزله وأطلقوا عليه وابلاً من الرصاص في فجر 15 يناير 1966م, واستشهد يرحمه الله.
ولد عبدالله بن الشيخ محمد النوري في مدينة الزبير عام 1323هـ/ 1905م، قبل أن تستوطن أسرته الكويت عام 1921م، حيث استكمل تلقي العلم على يدي الشيخين الجليلين عبدالله خلف الدحيان، وجمعة بن جودر.
عمل معلماً في المدرسة المباركية، ثم المدرسة الأحمدية، وسافر إلى التجارة للهند وسريلانكا، وعين كاتباً في المحكمة ليصبح سكرتيراً عاماً بها، كما يعتبر من مؤسسي جمعية المحامين الكويتية، ولم يقتصر على ذلك، بل عيّن مفتشاً للأوقاف ومُرشداً لأئمة المساجد لمدة عام، ومديراً للإذاعة الكويتية الناشئة لمدة أربعة أشهر.
وفي فترة عمله كسكرتير للمحاكم كان له دور بارز في حل المشكلات بين أطراف الخصوم والإصلاح بينهم دون عرضها على المحاكم(4).
ترك العديد من المؤلفات الإسلامية والفتاوى والسير والتراجم والرحلات والأسفار والأشعار والتاريخ الشعبي والمسامرات والإصلاح الاجتماعي والدعوة الإسلامية.
كان غيوراً على حرمات الدين، حريصاً على الالتزام بشريعة الإسلام، وقد كان له دور بارز مع الشيخين عبدالرحمن الدوسري، وعبد الرزاق الصالح المطوع، في التصدي لمشروع القوانين الوضعية التي تريد إبعاد الشريعة الإسلامية عن واقع الحياة، وكان متواضعاً يشارك الخدم الطعام وكان يعطي دروساً كل يوم بعد صلاة العصر.
حضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس عام 1961م، وقد شارك في المؤتمرات التي كان يعقدها المحامون العرب، كما كان يحمل الأموال في أسفاره خارج الكويت ليقدمها للمحتاجين كالمدارس الإسلامية والمعاهد الدينية، وكانت صلته بالإخوان في مصر جيدة.
ظل يصول ويجول في ميادين شتى، ويبذل قصارى طاقته في خدمة الإسلام والمسلمين داخل الكويت وخارجها، عاملاً من أجل دينه والدفاع عنه، وكان له برنامج تلفزيوني شهير بعنوان «مع الدين» الذي اكتسب شعبية داخل الكويت وخارجها، حتى توفاه الله في 17 يناير 1981م، وبعد وفاته أسس أبناؤه جمعية عبدالله النوري الخيرية، التي أنشأت مدرسة نموذجية بأستراليا في مدينة سدني باسم «مدرسة النوري»(5).
في مدينة منفلوط بمحافظة أسيوط بصعيد مصر، ولد محمد حامد أبو النصر في أسرة كريمة تتصل بالشيخ علي أحمد أبو النصر، من رواد الحركة الأدبية بمصر، في 6 ربيع الآخر 1331هـ، الموافق 25 فبراير 1913م، وتلقى العلم فيها حتى حصل على شهادة الكفاءة عام 1933م.
اهتم منذ صغره بالعمل الإسلامي، فكان عضواً في جمعية الإصلاح الاجتماعي بمنفلوط، وعضواً في جمعية الشبان المسلمين عام 1933م، لكنه في عام 1934م سمع بوجود الأستاذ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان –وكان قد سمع عنها– فاتصل به ودعاه لزيارة منفلوط، فرد عليه الشيخ البنا: هل الأرض صالحة؟ فكان رده الذي رسم به طريقه وطريق العمل الدعوي في الصعيد: نعم تنتظر البذر.
لم يركن أبو النصر للراحة والدعة، بل عمل بكل طاقته على نشر الفكرة في كل مكان، حتى تم اختياره عضواً في الهيئة التأسيسية للجماعة عام 1945م، ثم عضواً بمكتب الإرشاد، وظل ملازماً للأستاذ البنا حتى وفاته.
وكان له موقف في اختيار المستشار حسن الهضيبي خلفاً للبنا، كما كان من الأشخاص القلائل الذين شاركوا مع الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو(6).
تعرض للاعتقال عدة مرات عام 1949م، و1954م، حيث ظل خلف القضبان ما يزيد على 20 عاماً، وبرغم طول مدة السجن لم تضعف نفسه، فما أن خرج حتى حمل على عاتقه مع إخوانه إعادة نشر الدعوة مرة أخرى، وبالفعل حمل منهجها في الصعيد حتى عادت إلى سائر عهدها.
ما كادت الأيام تمر حتى رحل المرشد العام الأستاذ عمر التلمساني عام 1986م، ووقتها وقع عليه الاختيار ليكون مرشداً عاماً للإخوان طيلة عشر سنوات كانت من الأيام الصعبة على مصر والعالم الإسلامي.
كان للأستاذ أبو النصر مواقف مشرفة من الاعتداء على الكويت وغزوها من قبل النظام العراقي، حيث كان أول المبادرين على مستوى العالم العربي والإسلامي في استنكار ذلك الغزو يوم 2 أغسطس 1990م ، بصدور بيان مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين الذي أدان الغزو وطالب بالتصدي له، كما استطاع الإخوان في عهده أن يدخلوا مجلس الشعب والنقابات والمحليات ويصبحوا رقماً صعباً في المعادلة السياسية المصرية، وظل كذلك حتى رحل في فجر يوم السبت 29 شعبان 1416هـ، الموافق 20 يناير 1996م(7).
______________________
الهوامش
(1) موقع إخوان ويكي نقلاً عن إسلام أون لاين، http://cutt.us/iZnDZ
(2) عباس زكريا القارئ الإبادني: الصراع بين العربية والإنجليزية في نيجيريا، المنهل، 2012م، ص 248.
(3) المسلم المعاصر: المجلد 13، 1987م، http://cutt.us/st9zE
(4) المستشار عبدالله العقيل: المعلم الداعية الشيخ عبدالله النوري، من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، الطبعة السابعة، دار البشير، 2008م/ 1429هـ، ص 593.
(5) المستدرك على تتمة الأعلام نقلاً عن مجلة المجتمع العدد 1294 بتاريخ 3 ذو الحجة 1418هـ الموافق 31 مارس 1998م.
(6) جابر رزق: حسن الهضيبي الإمام الممتحن، دار اللواء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1991م، ص 30.
(7) المستشار عبدالله العقيل: السيد محمد حامد أبو النصر، مرجع سابق، ص 834.
(*) باحث في التاريخ الحديث