بحلول الثامن من مارس وهو اليوم العالمي للمرأة، تحصد المربية أسماء حوتري من قلقيلية النجاح بالرغم من معوقات الاحتلال لعائلتها بعد اعتقال زوجها الأسير رائد حوتري بمارس 2003م وإصدار حكم الـ23 مؤبداً، وهو أعلى حكم ضمن أسرى محافظة قلقيلية.
التقت “المجتمع” المربية أسماء حوتري لتسليط الضوء على نجاحات المرأة الفلسطينية في هذا اليوم العالمي للمرأة، وكيف يتم تحدي الصعاب وصناعة النجاح رغماً عن الاحتلال وإجراءاته الأمنية.
التصميم والإرادة
تقول الطالبة في برنامج الدكتوراه في جامعة النجاح أسماء حوتري: التحاقي بالدكتوراه كان بتشجيع قوي من زوجي الأسير رائد حوتري، وتحقيق لرغبته تقدمت لبرنامج الدكتوراه التي فتح لأول مرة في جامعة النجاح بكلية الشريعة، وحصلت على نتيجة متقدمة في امتحان القبول وأنهيت تقريباً الفصل الثالث وبقي عليّ فصل ورسالة الدكتوراه.
وتضيف بالرغم من غصة الأسر: هذا النجاح ليس بسيطاً، فأنا حصلت على الماجستير وزوجي أسير، وأعمل في مجال التدريس كوظيفة ومدرسة في مساجد المدينة في تحفيظ القرآن الكريم للنساء من جميع الأعمار، وقد شاهدت كيف أن المرأة الفلسطينية ذات همة وإرادة عالية لا توصف، فنساء بعمر الستين بدأن في حفظ القران بأحكامه، وأنجزن الأمر بعدة سنوات بالرغم من كبر سنهن وصعوبة التعلم في هذه المرحلة، إضافة إلى أن مرحلة الدراسة لهن كانت المرحلة الابتدائية، ومع ذلك استطعن تحدي كل الصعاب والتعلم والتفوق.
تحمل المسؤوليات
تقول الزوجة أسماء حوتري: اعتقال الزوج وتغييبه خلف القضبان في زمن افتراضي يصل إلى 2300 عام وهو مقدار الحكم على زوجي، يجعل المرأة في مواجهة لواقع مرير.
وتضيف: فأنا تحملت مسؤولية تربية ولديَّ حور، ومقداد، والاهتمام بهما كي يكونا من الناجحين، وهذه المسؤولية ليست سهلة، فأنا كنت الأم والأب في آن واحد، ومن واجبي أن أسد الفراغ الذي تسبب به الاحتلال، ولا أحب مشاعر الشفقة تجاهي وتجاه أسرتي، لذا كانت الفكرة أن أحصد النجاح وزوجي أسير خلف القضبان وفاء له ولتضحياته.
وتتابع: فالأسرى يدفعون ضريبة العمر ويعانون من إجراءات عنصرية، فزوجي كان ينتابه الشعور في كل محطة نجاح، وهذا خفف من مصاب الأسر والحكم المؤبد المكرر 23 مرة، فعندما أتذكر الحكم ينتابني شعور بالغصة والقهر، ولكن أعود فوراً إلى مواجهة الواقع وعدم الاستسلام ورفع الراية البيضاء.
وتشير إلى الهزيمة النفسية من أعظم الهزائم التي يسعى الاحتلال إلى تجسيدها في حياتنا، وقد فشل في هذا الأمر مع عائلات الأسرى، لأننا نؤمن بأن قضيتنا عادلة وتستحق التضحية، فزيارة له في السجون شاهدت فيها قوة لا توصف لدى عائلات الأسرى، وأن السجون أصبحت محطات لتربية الأجيال وليس كما يريد الاحتلال لنسف تلك الأجيال وهدمها بطرقه الخبيثة.
الأولاد كبروا
وعن مهمة تربية الأجيال وضغوط العمل ومواصلة التعليم، تقول الحوتري: جدول حياتي منذ اعتقال زوجي مزدحم بالمهمات العائلية والوظيفية ومواصلة التعليم، فعند اعتقال زوجي كان عمر مقداد عامين، وحور عاماً واحداً، واليوم مقداد يستعد لتقديم امتحان الإنجاز، وحور في الصف العاشر وقد أتمت حفظ القرآن كاملاً، وهي من المتفوقات، وهذا الأمر يجعلني أعيش سعادة لا توصف، فمهمتي في تربية الأولاد نجحت، وعلى الصعيد الشخصي التحقت ببرنامج الدكتوراه والسفر متنقلة بين جامعة النجاح وجامعة القدس في أبو ديس، والعمل كمعلمة في المدرسة وفي المساجد خارج الدوام، كما أنني أنجزت بناء بيت جديد للعائلة، كي نستقبل به زوجي في محطة الإفراج القادمة، فأحكام المحاكم العسكرية لا نلقي لها بالاً، فهي أحكام أضعف من خيوط العنكبوت، ولا يأس مع الإيمان والإرادة، وعلمتنا الحياة في فلسطين، أن ورود النرجس تشق طريقها من بين الصخور، وأن السجون ليست المحطة الأخيرة لأسرانا البواسل فهي محطة تنتهي وتكون بعدها محطة الاندماج في الحياة.
حور والانتظار
تتحدث الطالبة حور حوتري، كريمة الأسير رائد حوتري، في يوم المرأة العالمي عن شوقها لوالدها الذي تركها طفلة رضيعة عندما اعتقلته القوات الخاصة في الثامن عشر من مارس 2003م وتقول: كبرت في هذه الدنيا ووالدي خلف القضبان، ولم أشاهده في فضاء الحرية منذ أن قدمت إلى هذه الحياة، فمولدي كان عندما كان مطارداً من قبل الاحتلال، وكنت أزوره مع شقيقي مقداد ولا نعلم حقيقة الأمر مع والدتي، وعندما كبرنا اكتشفنا أن والدي في مدافن الأحياء كالقابض على الجمر مع إخوانه الأسرى.
وتضيف لـ”المجتمع”: فكل أطفال العالم ينعمون بحنان الأب عندهم إلا أطفال فلسطين، فالحنان يأتيهم من خلف القضبان وألواح الزجاج وعبر هاتف غير صالح للحديث من خلاله خلال الزيارة، فالاحتلال عزلنا عنه، ولم يبق إلا تواصل الروح والمشاعر، وهذا أقوى من السدود التي أقاموها لتكون رادعة لنا.
نتذكر ظلم الاحتلال
تواصل حور حديثها: يوم المرأة بالنسبة لنا كعائلة أسير مناسبة نتذكر فيها ظلم الاحتلال على أبناء شعبنا، وأن هناك أسيرات في السجون جريحات وأمهات، فهو يوم عذاب للمرأة الفلسطينية والعالم يصمت على جرائم الاحتلال بحق المرأة الفلسطينية، فالكثير من الفتيات الصغار تم إعدامهن على الحواجز لأنهن تصرفن ببراءة، فكانت الرصاصات الرد على تصرفاتهن ورفضهن أوامر الجنود، فظلم الاحتلال ووحشيته تطال الفلسطيني أينما تواجد.
وتصف حور وضعها النفسي بالمدرسة قائلة: كوني كريمة أسير، فأنا في وضع نفسي متقدم، من حيث الافتخار بتضحيات والدي، وأنه يؤدي واجبه تجاه وطنه والمقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى، فأنا محظوظة من بين زميلاتي بهذه الصفة، كما أن استمرار أسر والدي جعلني أتفوق في دراستي وحصد التفوق المميز، وهذا الأمر يزيد من الاحترام والتقدير لي كطالبة متفوقة وكريمة أسير محكوم بآلاف السنوات من قبل الاحتلال الظالم، وعندما يتم توجيه سؤال لي عن حكم والدي يكون الرد الـ23 مؤبداً ليست قدراً لا يتغير، فصفقات التبادل علمتنا أن قرارات المحاكم العسكرية تذهب أراج الرياح عند خضوع الاحتلال للشروط.
رسالة حور وأسماء
وعن رسالة حور في هذا اليوم: أبي، لا تقلق، فالزمان زمانك، ولن يضيع زمان أنت فيه تقود المرحلة بقوة وشجاعة وثبات، فنحن أبناء الأسرى نرفع رؤوسنا عالية لأن الآباء قدوة لنا ولشعبهم، ولن يطول الزمان وأنت وإخوانك الأسرى خلف القضبان، فدوام الحال من المحال، وفضاء الحرية قريب مهما كانت السدود والجدران التي صنعها الاحتلال بيننا.
أما الزوجة المكافحة تقول: أعلم أن كلماتي ستصلك وتقرأ هذه السطور وأنت خلف القضبان وعتمة الزنزانة تخيم عليك، فحبنا لك يزداد يوماً بعد يوم، ونجاحنا هو بفضل صبرك وثباتك، ولن يضرونا إلا أذى، ونحن الأقوياء وهم الضعفاء، فصاحب الحق سينتصر في نهاية المطاف.