وصل الإسلام إلى الصين في القرن الأول الهجري، بنى المسلمون خلالها الكثير من المساجد والآثار، فنجد وفرة في المساجد التاريخية العريقة التي تنتشر من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، يقصدها السياح للتعرف على الثقافة والتاريخ الإسلامي في هذه البلاد.. هكذا بدأ د. أسامة منصور، الأستاذ بجامعة القوميات بشمال الصين، حديثه لـ»المجتمع» عن الآثار الإسلامية بالصين.
من الآثار الإسلامية التي عدّدها د. أسامة منصور بعض المساجد التاريخية في الصين، التي لها دور ملحوظ في الرواج السياحي، منها:
مسجد «هوايشنغ» (الحنين إلى النبي):
في الجنوب، تقع مدينة «قوانغتشو»، وفيها يوجد أول مسجد ظهر إلى حيز الوجود في الصين وهو مسجد «هوايشنغ»، ويسمى أيضاً «مسجد المنارة» نسبة إلى منارته العالية، التي كانت في الماضي أحد معالم المدينة، التي كانت أحد أهم موانئ الصين القديمة، وكانت تعرف باسم «كانتون»، ووردت في كتب الرحالة العرب الأوائل باسم «خانفو».
يقول منصور: إن اسم «هوايشنغ» معناه بالعربية «الحنين إلى النبي» صلى الله عليه وسلم، موضحاً أنه بحسب الروايات الخاصة بتاريخ المسجد فإنه بُني على يد عدد من الصحابة الذين جاؤوا إلى الصين لنشر الإسلام، وأنهم بعد أن سكنوا هذا المكان اشتاقوا للنبي صلى الله عليه وسلم فبنوا هذا المسجد وأطلقوا عليه هذا الاسم، وأن المسجد يعد من التحف المعمارية الإسلامية في الصين ومن أشهر مساجدها، ومنارته العالية ذات الطراز العربي (ترتفع 36 متراً) تعد النموذج الوحيد لهذا النوع من المنارات في الصين، وقد جرى على المسجد كثير من أعمال الترميم والتجديد كان آخرها عام 2000م ليبدو اليوم في أبهى حُلة، ويجذب إليه الزوار من كل مكان.
مسجد «شيآن الكبير» (هيواجيويه):
يشير منصور إلى أن مسجد «هيواجيويه»، في مدينة شيآن بمقاطعة شنشي وسط البلاد، من أكبر وأعرق مساجد الصين، وكانت مدينة شيآن من قبل عاصمة الصين لأكثر من ألف عام، وكانت مقصداً للتجار العرب، وتبلغ مساحة المسجد حوالي 13 ألف متر مربع، ويشبه في تصميمه القصور الإمبراطورية، بطول 250 متراً وعرض 50 متراً، وتحيط بالمسجد أسوار عالية تنأى به عن محيطه وتوفر له قدراً من الهدوء والسكينة.
ويضيف أن المسجد ينقسم إلى خمسة أقسام متوالية، كل قسم له بوابة تفصل فناءه عن القسم السابق له، وكل قسم يعتبر حديقة بذاته، يتوسط هذه الحديقة معلم يميزه عن غيره، كما يضم المسجد كثيراً من غرف الدراسة وأماكن الوضوء وغرف الأئمة وأبراج مشاهدة الهلال، وتنتشر في فنائه أشجار الفاكهة المتنوعة.
القرآن منقوش بالجدران
وأوضح منصور أن الزائر يستطيع أن يجتاز أقسام المسجد ليصل في النهاية إلى قاعة الصلاة، وهي قاعة قديمة مهيبة بُنيت كلها من الخشب، وأضيف إليها بعض قطع الرخام المزخرف، وتسع لنحو ألف مصلٍّ، وتضم جدران قاعة الصلاة 600 لوح من الخشب نقش عليها القرآن الكريم كاملاً في الجزء الأعلى وترجمة معانيه للغة الصينية في الأسفل، وهو بلا شك شيء فريد ورائع لا مثيل له، ويقصد هذا المسجد يومياً كثير من الزوار العرب والأجانب من المسلمين وغير المسلمين.
مسجد «نيوجيه» ببكين (شارع البقر):
في بكين، يعتبر مسجد «نيوجيه» أقدم مساجد العاصمة الصينية؛ حيث يرجع بناؤه إلى عام 386هـ/ 996م، وجرت له أعمال توسعة وترميم مراراً، حتى أصبح عبارة عن مجموعة متكاملة من المباني الرائعة تبدو محكمة ومتناسقة، ومساحته 6 آلاف متر مربع، وتشتمل مبانيه الرئيسة على قاعات الصلاة، وبرج استطلاع الهلال، والمئذنة، وغرف الدعوة الإسلامية والتدريس الديني، والأنصاب الحجرية، والمقصورات، وغرف الوضوء والاغتسال.
ويشهد المسجد يومياً عدداً كبيراً من المصلين، وتزداد الأعداد كثيراً في أيام الجمع والأعياد حيث تتجاوز الآلاف، ويزوره دائماً الكثير من الأجانب والشخصيات السياسية والدبلوماسية من العرب والمسلمين.
وخلال حديثه عن المعالم الإسلامية في الصين، سلط د. منصور الضوء على تجربة مميزة لمسلم صيني يدعى «ما جنغ فو»، فقد سخر حياته لجمع التراث الإسلامي في الصين، واستطاع على مدى سنوات طويلة أن يجمع أكثر من 20 ألف مخطوط، منها 600 مخطوطة للقرآن الكريم، بالإضافة إلى الكتب الدينية الأخرى في الحديث والفقه والتفسير، وهذه المخطوطات منها ما خطه المسلمون الصينيون، أو نقلت إلى الصين واحتفظت بها الأجيال.
في مدينة خايوان جنوبي نينغشيا شمال غربي الصين، حيث يعيش الشيخ «ما جنغ فو» الذي قضى 20 عاماً في جمع التراث الإسلامي والوطني الصيني، فتجول في أنحاء الصين بحثاً عن الآثار والمخطوطات والتحف القديمة، واستطاع أن يجمع آلاف المخطوطات الإسلامية، وآلاف الأواني الفخارية القديمة، وكذلك التحف والآثار للفترات الصينية المختلفة، فاكتظ بها بيته وانتشرت أخباره وذاع صيته بين الناس؛ فتوالت زيارات المسؤولين إلى بيته، وقررت الحكومة تأسيس متحف خاص به يعرض فيه مقتنياته النادرة.