تزخر دولة الكويت بالكثير من الإشراقات النسائية في شتى المجالات، وهذه الإشراقات مبدعة حقاً؛ حيث حصلت على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، واستطاعت أن يكون لها بصمة في مجالات كثيرة، منها التعليم والعمل الخيري والتجاري والعلمي والاختراع.
إشراقتنا لهذا العدد أستاذة ومعلمة كويتية متميزة، حاصلة على عدة جوائز محلية وخليجية وعالمية، وهي الأستاذة نورة الحميدي، التي تعتبر أن مهنة التعليم ليست مهنة عادية، وإنما مهمة نبوية ورسالة خير.
“المجتمع” كان لها هذا الحوار مع الأستاذة نورة للوقوف على بعض القضايا التي تهم العملية التعليمية وعلاقتها بالعمل التطوعي.
* بداية، ما سر الإبداع الذي تميزت به نورة الحميدي؟
– بداية، أثمن جهودكم، وأشكر لكم اهتمامكم بالتعليم وتسليطكم الضوء على الطاقات الشبابية الكويتية، وخصوصاً المعلمين منهم، وإبراز دورهم الفاعل في المجتمع، وأفتخر بأني من المعلمين الذين توّجوا بالإبداع والتميز، ورفعوا اسم الكويت بالحصول على الجوائز الدولية والمحلية.
لا توجد أسرار في إبداعنا، لكن يوجد إصرار.. إصرار على المضي قدماً في طريق الإتقان والتميز والإحسان في مجال التعليم؛ فكلما كان هناك تركيز على التخصص في مجالات الحياة المتنوعة؛ كان هناك تميز وقدرة أعلى على الإبداع؛ لأن التركيز يعطي إنتاجية أكبر في العمل، وتحقيق التوازن في المجالات التي نعمل عليها يضيف قدرة أعلى على الإنتاج المتميز، كما أن الخروج من منطقة الراحة والتركيز على منطقة الإنتاجية ثمن لتحقيق النجاحات، وما كان هذا النجاح إلا بتوفيق من الله تعالى، ودعاء الوالدين والأشخاص الذين يكرموننا بدعواتهم، ونور القرآن والدعاء سلاحان للمؤمن في ميادين حياته.
* اتخذتِ التعليم مهنة ورسالة، ما أثر ذلك على عملك؟
– أؤمن بأن التعليم مهنة سامية ورسالة عظيمة، ويقيني بذلك يعطيني من القوة والإرادة والعزيمة والإصرار ما يجعلني أواجه التحديات والعقبات؛ لأحقق الهدف السامي من خلال بناء فرد مواطن صالح منتج مبدع مفكر ملهم يبني وطنه بعلمه وأخلاقه، وأكون المعلم الإنسان الذي يترك جميل الأثر وعميق التأثير في حياة كل متعلم، ليتذكر بأن بصمة واحدة كفيلة بأن تلهمه في حياته ليكون ملهماً هو فيما بعد.
* كيف هو أثر مهنة التعليم في حاضر الأمة ومستقبلها؟
– مهنة التعليم رسالة رفيعة الشأن، عالية المنزلة، تحظى باهتمام الجميع؛ لما لها من تأثير عظيم في حاضر الأمة ومستقبلها، ويتجلّى سمو هذه المهنة ورفعتها في مضمونها الأخلاقي الذي يحدد مسارها المسلكي، ونتائجها التربوية والتعليمية، وعائدها على الفرد، والمجتمع، والإنسانية جميعاً؛ فعندما تأخذ بيد المتعلم على طريق العلم وعلى طريق النور لتوصل فكره عبر مفترق الطرقات إلى الجهات التي تعينه على إعداده للمستقبل، وتمكنه من مهارات القرن الحادي والعشرين؛ لتحقق بذلك الأثر ذا النفع المتعدي لبناء مجتمع معرفي حقيقي، وتكوين شخصيات متوازنة جديرة بالعطاء والتميز في مجالات الحياة المختلفة.
* ما أثر التربية في الصغر على حياة المتعلم المستقبلية؟
– التربية هي بذور تغرس في الذاكرة والقلوب والنفوس، وسيظل نموها أكيداً مع الأيام، وستتأصل جذورها وتؤتي ثمارها؛ لذلك وجب علينا أن نحسن البذر والري والعناية والرعاية، ونتعامل بحذر شديد، ونتعلم كيف نتعامل ونربي ونعلم المتعلمين لنعدهم للمستقبل وللغد وليس للماضي؛ فلذلك وجب علينا مواكبة تكييف معطيات العصر والثورات الصناعية واستشراف المستقبل بما يتناسب مع المتعلمين كل بما يتناسب مع خصائصه ومستوياته وذكائه.
وعبارة «بالعلم والمعرفة تُبنى الأمم» من أهم وأشهر العبارات التي نسمعها دائماً، وهي في الحقيقة من أصدق العبارات، لذلك أثبتت جميع الأبحاث العلمية والطبية أن جميع الأطفال يتحلون بقدر من الذكاء، لكنه يختلف من طفل لآخر؛ فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكل طفل لديه موهبة خاصة، فعلى الأهل والمدرسة اكتشافها والعمل على تنميتها، وهنا يأتي الدور الكبير الذي يجب على المدرسة أن تقوم به على أكمل وجه.
وعندما يقضي المتعلم جل وقته بالمدرسة -التي تعد المجتمع المصغر من المجتمع الحقيقي الخارجي- يتهيأ للتعامل مع المؤسسات والأفراد والمعارف والأشخاص، ليمثل المواطن الصالح الذي ننشده جميعاً؛ إذ يتعلم القيم ويكتسب المهارات، وتبنى لديه المعرفة، ويكتشف قدراته، ويتم توجيه طاقاته بما يحقق له النجاحات داخل وخارج المدرسة، من خلال الأنشطة والبرامج والمنهاج بشكل عام.
ولا يخفى علينا أنه من خلال المدرسة يتعلم المتعلم العديد من الخبرات التي ربما يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتقنها، ولكن في المدرسة يحصل عليها بطريقة علمية بنائية؛ فدور المُعلم لا يقتصر على شرح المادة العلمية على المتعلمين فحسب، وإنما ينمي مهارات التفكير لديهم، ويكسبهم المهارات الحياتية والعديد من المعونة النفسية والمعرفية التي تحقق للمتعلم تكوين صورة أولية لمستقبله؛ فهو بدوره المعلم الإنسان الذي يهتم بجميع جوانب متعلميه.
* حصلتِ على جوائز عديدة.. كيف انعكست على عملك؟
– حصلت على جائزة سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، وحصلت على المركز الأول في جائزة الكويت للتميز والإبداع شبابي في مجال التعليم، وجائزة منجز من وزارة الدولة لشؤون الشباب.
وحقيقةً.. هذه الجوائز تمنحني مسؤولية أعلى في تقديم الأفضل والاستمرار في طريق الإبداع، والتميز المستمر في مجال التعليم، ونشر ثقافة التميز بين المعلمين على المستوى المحلي والدولي، ويجعلني أتعلم أكثر بشكل مضاعف لنضاعف إنتاجيتنا ونجعلها ذات نفع وأثر متعدٍّ؛ لنتشرف دوماً برفع اسم الكويت عالياً.
* برأيك، هل يؤثر العمل التطوعي على حياتك الوظيفية؟
– العمل التطوعي هو أن تعطي من وقتك وعلمك وجهدك ومالك وفكرك وتخطيطك من دون أي مقابل، وهو عمل إضافي على أعمالك الأخرى، وأوقن بأن العمل التطوعي بركة في حياتنا، وواجب إنساني، فهو البركة التي تحل علينا، والنفع الذي نسعد بتقديمه للناس، وتوسعنا في العطاء ونشر الخير بين الناس في العطاء المعرفي، كذلك تدريس اللاجئين ومساعدة الأسر والأطفال داخل وخارج الكويت وافتتاح العديد من المدارس باسم الكويت لإخواننا اللاجئين والمحتاجين في هذا العالم.
ولأن حياة واحدة لا تكفينا، فقررنا أن نعيشها بالعطاء ألف مرة، والعمل التطوعي يعطي لك الفرصة بأن تتعلم مهارات جديدة ومتنوعة تضيف لك القوة في عملك ووظيفتك، وهذا ما أجده فعلياً؛ فالمهارات التي تكتسبها في العمل التطوعي تزيد من قوة أدائك الوظيفي أضعافاً مضاعفة؛ لأنها تجعلك تمارس المهام والمهارات بتطبيقات عملية.
* هل تستطيع المرأة الكويتية أن تبدع رغم ما عليها من مسؤوليات جسيمة؟
– لكل منا هدف عظيم، ولكل هدف ثمن ندفعه من وقتنا واهتماماتنا وعلاقتنا، لنعيد تنظيم وجدولة أولوياتنا بما يتناسب مع تحقيق أهدافنا، وهنا يحدث النضج وبداية طريق التميز، ولا يقتصر تحقيق الأهداف على رجل أو امرأة، ولكن يعتمد على إرادة وقدرة وعزيمة الإنسان.
والمرأة الكويتية امرأة مكافحة مناضلة تصنع التاريخ بإنجازاتها وكفاحها، ليس لأن يذكر اسمها، ولكن لتعطي قيمة مضافة إيجابية وفاعلة لمجتمعها ووطنها، وتحقق أهدافها بكل بسالة وريادة وتميز، وتوازن بين مجالات حياتها، وتعطي دونما تقصير، ونشكر الله أن وفقنا لننال شرف رفعة الكويت.
ونجاح المرأة الكويتية هو نجاح لجميع نساء الكويت.
والإنجازات تبدأ بالمبادرات، وتبدأ المبادرات بتنفيذ الأفكار لتحقق بعد ذلك الإنجازات، وما إنجازاتنا المتميزة إلا قُبلة منا على جبين هذا الوطن.