ميَّزنا الله عز وجل بالعقل، وهو المتحكم بالسعادة أو التعاسة، وصانع النجاح أو الفشل، والمؤثر بقوة على صحتنا النفسية والجسدية، واللاعب الرئيس في علاقاتنا.
ومن وظائف العقل التثبت في الأمور، حيث قيل: «العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها»، وكذلك: «إن العقل سمي عقلاً لأنه يحبس صاحبه عن التورط في المهالك».
وحتى نحافظ على نعمة العقل، نقدم أهم ما يؤذيه؛ لننعم بحياة تليق بنا ونستحقها.
أذى وتضليل:
1– يؤدي غياب وجود أهداف محددة بالحياة، وتجديد اختيارها من وقت لآخر، إلى تشتيت العقل وبعثرة طاقاته، وتراجع قدرته على تحديد أولوياته بالحياة، وصنع التوازن بين الاختيارات؛ مما يقلل من فرص القرارات الناجحة.
2- التركيز على التفكير السلبي يزرع قلة الحيلة؛ فتتآكل قدرات العقل، ويتراجع عن إيجاد حلول للمشكلات، بينما اختيار الإيجابية يشجعه على ابتكار وسائل غير تقليدية لتخطي الصعاب.
3- التعامل مع الخلافات بمنطق غالب أو مغلوب، وتصعيد أي اختلاف عابر وكأنه عدوان على الكرامة، والحساسية الزائدة وتضخيم الأمور؛ يؤذي العقل بشدة، ويجعله متحفزاً دوماً؛ كالسيارة التي نتركها بحالة تشغيل رغم وقوفها فنضرها؛ بينما المرونة –بلا تفريط بالحقوق- تحمي العقل وتجعله يتفرغ لما يفيده.
4- يتأرجح البعض بين التشاؤم والتفاؤل الزائدين؛ وكلاهما يؤذي العقل، ويضلله بمعلومات غير حقيقية يتصرف على ضوئها؛ فتأتي النتائج الضارة، وتفقد الإنسان الثقة بنفسه وبعقله.
5- التفكير بأن الدنيا ليست عادلة، والصواب: كن عادلاً مع نفسك، وتوقف عن ظلم عقلك بمواصلة هذا التفكير الذي يحرمه من الإيجابية، ويلقي به في ظلمات الإحباط، وتذكر أن الحياة مؤقتة، وما بعدها سيعيد الحقوق لكل المظلومين، ويعاقب كل الظالمين، وفي ذلك راحة للعقل وللقلب.
ابتسامة ورضا:
6- التفكير الدائم في العمل أو المشكلات يجهد العقل، ويسلب طاقاته على العمل أو مواجهة المشكلات، ولا بد من أخذ فترات استراحة، وكتابة الأفكار التي تطرأ لنا أولاً بأول؛ حتى لا تهرب منا، ولمنع إجهاد العقل وإنهاكه.
7- الاحتفاظ بالغضب من مضايقات الناس، فنكون كمن يحتفظ بالنفايات ببيته، ثم يشكو من سوء الرائحة وتكاثر الحشرات، والصواب ألا نعاقب أنفسنا باستدعاء المضايقات لبؤرة التركيز، والمسارعة بالتخلص منها، وتذكير أنفسنا بما يسعدنا وإن قلَّ.
8- التجهم ومخاصمة الابتسامة، فالأخيرة تجعل المخ يفرز هرموناً يساعدنا على الاسترخاء، ويحسن أداء العقل، حتى لو كانت مفتعلة، وتحسن صحتنا النفسية، وتجعل تعاملاتنا سواء الأسرية أو الاجتماعية أفضل؛ مما يعود علينا بالخير الذي نستحقه، بعكس التجهم الذي يجعلنا نستدعي التفكير السلبي، ويحرم عقولنا من الراحة، ويفسد علاقاتنا.
9- التفكير الدائم فيما ينقصنا، ونوصي بالتفرقة بين السعي لنكون أفضل، وزرع الشعور بالحرمان في عقولنا؛ مما يجعلنا أكثر استعداداً للغضب من أتفه الأمور، وأقل رغبة من الرضا الجميل بما لدينا حالياً، وهو أمر ضروري للنجاح الديني والدنيوي، والأول معروف؛ فالرضا سيقودنا للشكر، ويزيد النعم، والثاني سيمنحنا براحاً عقلياً يجعلنا نتعامل بهدوء مع المنغصات التي لا تخلو منها أي حياة، ولا نزيدها سوءاً بالسخط أو المرارة، وهما النتائج المؤكدة للاستمرار بالشعور بالحرمان.
لا للاستنزاف:
10- التعامل بجدية زائدة مع الحياة وكأن كل لحظة بها بمثابة امتحان لا بد أن ننجح به يحمّلنا ما لا طاقة لنا به، ويستنزفنا، ويقلل من إنجازاتنا، ويزيد من الإنهاك العقلي والجسدي.
11- الاستغراق بالتفكير في الماضي، والتوقف عند ما يؤلمنا فيه، وتناسي أنه لن يعود، ولن نستطيع تغييره؛ ولكن يمكننا احتضان الخبرات لمنع تكرار الألم، وإهداؤها لمن يرغب، ونحوّل خسائرنا لمكاسب؛ بينما العيش في الماضي كمن يمشي للخلف فسيقع حتماً؛ والأذكى الانشغال بالحاضر لتعويض أنفسنا عما خسرناه في الماضي، ولنصنع مستقبلاً يرضينا أيضاً، مع الانتباه لعدم المبالغة بالتفكير في المستقبل حتى لا يضيع منا الحاضر.
12- يشكل جلد الذات أخطر ضرر على العقل؛ فنحن نعرف نقاط ضعفنا؛ وليس مطلوباً الخضوع لها، بل ترويضها بحكمة، وعدم القسوة على النفس وجلدها عند الخطأ؛ فذلك يحرم العقل من التركيز على صنع تحسن بالحياة.
13- من الهواجس التي تهاجم العقل بضراوة الخوف، والقلق، والتوتر، ومن حسن الحظ أن هذه الهواجس لا تكبر فجأة، بل تنمو ببطء، ومن الحكمة قتلها فور ظهورها، ليس بتجاهلها؛ لأنها ستنمو بعيداً عن سيطرتنا؛ ولكن بمواجهتها وطمأنة النفس، وفعل ما يمكننا فعله لمنع حدوث ما نخاف منه، أو نقلق بشأنه، أو يسبب لنا التوتر، مع الاسترخاء بالتنفس من الأنف مع إغلاق الفم، وتكرار ذلك، والانشغال بما يفيدنا.
14- يعد تناول الغذاء الدسم، والتدخين، والإكثار من المنبهات، وتعاطي المهدئات والحبوب المنوّمة، والإفراط في تناول الحلوى، وعدم تناول الطعام الصحي، وقلة الحركة، والاستسلام للبدانة أو النحافة الزائدة.. من أعداء العقل، فتجنب هذه الأمور ينعش العقل.
15- من الأمور التي تضر العقل عدم الراحة، وإجباره على العمل عند الإجهاد، ونوصي بالاستماع للعقل والجسم عند التعب، ومنحهما الراحة الكافية، مع أخذ استراحات خلال اليوم لتجديد الطاقة ولمنع تراكم التعب.
صيانة العقل:
16- تشكل المبالغة في الاختلاط مع الناس خطراً لا يتنبه له الكثيرون على العقل؛ فيتم حشوه بتفاصيل كثيرة تعطل اهتمامه بما يستحق ويضيف لصاحبه، ولا نطالب بالعزلة، فهي عدو وغالباً ما تنشّط التفكير السلبي، وإنما الاعتدال مطلوب.
17- ما يؤذي العقل التفكير بأكثر من عمل في الوقت نفسه؛ فيبذل مجهوداً أكبر للتركيز.
18- يمثل الاستعجال في أداء العمل عدواً خفياً؛ حيث يشعر العقل بالتهديد، ويعلن حالة الاستنفار التي تجهد العقل والجسم معاً، والأفضل عندئذ التمهل وعدم الاستعجال، الذي سيحمي العقل، ويجعله يقدّم أفضل إنجاز؛ فالتعجل يزيد الأخطاء، ويضعف الأداء، ويقلل الثقة بالعقل، والعكس صحيح.
19- يعد التعصب للرأي والجدال من أعداء العقل؛ فينهكه للتفتيش عما يؤيد رأيه ولو كان غير حقيقي، ويتسبب في ضيق الأفق، ويصنع خصومات، ويضيّع أوقاتاً غالية، والأفضل توسيع الأفق بالاستماع بهدوء وبلا تعصب، فربما وجدنا رأياً أفضل.
20- يجهد البعض عقله فيتوقف عند كل التفاصيل، ولا يتقن فن تجاهل الصغائر، ويضيّق حياته بيديه، ونوصي بالتفرقة بين ما يستحق الاهتمام به، وما نعجّل بتجاوزه؛ صيانة للعقل، واحتراماً للعمر.
تجديد وانتعاش:
21- يعد اختيار الفوضى من أسباب تعب العقل، وهي لا تقتصر على إهمال تنظيم البيت وشؤون الفرد كما يتبادر للذهن؛ بل تتسع لتشمل الفوضى في العلاقات، وعدم حسم الخلافات أولاً بأول والسماح لها بالنمو، مع فوضى التفكير، وعدم تخصيص أوقات لكل ما يهم الإنسان.
22- أما السعي المحموم للكمال وطلب المثالية؛ فيشكل أخبث عدو للعقل، فمن منا لا يحب أن يكون أفضل، ويشجع من يهمهم أمرهم على ذلك؟ ولكن المثالي لا يقنع أبداً بما دون الكمال، ولا أحد يصل إليه؛ فيظل طوال حياته في جري لا يتوقف، ويزول الرضا عن نفسه ومن حوله؛ فينهك عقله، ويخسر سلامه النفسي، وتتراجع علاقاته.
23- من أعداء العقل الجدد الإفراط في متابعة الفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعي، وما يتبعها من التحديق المتواصل بها، وإجهاد العين والعقل بمتابعة مكثفة ومتواصلة، والانشغال بما يزعج أو يقلل من قدرة العقل أو رغبته بالاهتمام بما يفيده، والعقل إن لم يتسع سيضيق، فلا شيء يبقى على حاله، فضلاً عن الانهماك في الألعاب الإلكترونية وإدمانها.
24- من الخطر إهمال الهوايات، وتناسي الترفيه، فهما يجددان العقل، ويسمحان له بالتخلص من الإجهاد.
25- التوقف عن التعلم خطر يهدد العقل؛ وهو ما يفتح الباب لضعف الذاكرة، وتراجع العقل، ونوصي بزرع الرغبة في التعلم واكتساب خبرات جديدة لينتعش ويتجدد.