حذر د. خالد فهمي، أستاذ الدراسات اللغوية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة المنوفية، في دراسته حول “الكيان الصهيوني واللسان العربي! رحلة التوظيف من احتلال الأرض إلى اختراق الوعي”، من خطورة المخططات الصهيونية التي تستهدف اللغة العربية ومحاولة توظيفها لتزييف الوعي العربي تجاه القضية الفلسطينية واحتلال فلسطين، وهي المخططات المتواصلة على امتداد ما يزيد على القرن.
وأوضح أن الإجراءات التي تتخذها السلطات الصهيونية لتوظيف اللغة العربية أدت لتنوع الأدوار الوظيفية لتلك اللغة في “إسرائيل”، وحدوث تطور لهذا التوظيف من التدريس في المدارس اليهودية إلى خدمة سلاح الاستخبارات العسكرية، وتكثيف “الأمننة”، وتعزيز سياسات التطبيع مع الشعوب العربية.
بالإضافة إلى ظهور مؤسسات مخابراتية وأمنية مختصة بتحقيق هذا التوظيف، وتنوعاته للدرجة التي وصلت بـ”إسرائيل” إلى تكوين لغة عربية خاصة بها تتماشى مع سياسات تعزيز الهوية الصهيونية.
وينطلق المخطط الصهيوني من مقولة “جان جاك أمبريه” في سياق رصد العلامات المحزنة للتأثير الأجنبي على وطن يقاوم التي تقول: “إن الغزو بالنحو يعقب الغزو بالسلاح”.
“عربية” لتحقيق أغراض الاحتلال
وتابع د. فهمي قائلاً: وما يقوم به الكيان الصهيوني حالياً هي محاولات لتوظيف اللغة العربية لتحقيق أغراض الاحتلال، وأهمها الاستيلاء على الأرض والتوسع في هذا الاستيلاء على ما تبقى من أرض فلسطين العربية من خلال الاستيطان، ثم لتحقيق أغراض الاستقرار لهذا الكيان، وترويض المقاومة، ونزع أظفارها الفكرية من باب التأثير اللغوي ابتداء.
وأضاف أن الاستمرار الصهيوني في سياسات تطويع اللغة العربية لاختراق الوعي العربي هو امتداد لتاريخ الغرب الحديث والمعاصر الذي يتضمن أنماطاً من السياسات اللغوية التي تهدف إلى تحقيق أغراض استعمارية إمبريالية بامتياز.
وأشار إلى أن بحوث حقل دراسات تدريس اللغة العربية في مدارس الكيان الصهيوني، وجامعاته، تم تطويرها بهدف محاصرة أي شكل من أشكال تسرب الأفكار العربية، ومنع أي شكل من أشكال التعاطف مع القضية العربية.
ولفت الانتباه إلى أن هذا التطور مر بمراحل متعددة، هي:
1- التحول إلى تهويد المقررات الدراسية للغة العربية.
2- التحول إلى تهويد التدريس عن طريق اختيار مدرسين يهود فقط لتدريس اللغة العربية في المؤسسات التعليمية الصهيونية.
3- تكوين لغة عربية مروضة خالية من أي ملامح قومية عربية، عرفت فيما بعد باسم “عربية إسرائيل”.
توظيف مواقع التواصل الاجتماعي
وأشار د. فهمي إلى أنه منذ سنوات بدأنا نشهد دخول مواقع التواصل الاجتماعي “الإسرائيلية” الناطقة باللغة العربية والموجهة إلى الشعوب العربية على خط توظيف اللسان العربي لخدمة الكيان الصهيوني في مرحلة جديدة يغلب عليها مواصلة سياسات الخداع للعرب، وتغييب وعيهم، وتعزيز مخططات التطبيع.
واستشهد بما قالته د. عواطف عبدالرحمن، الأستاذة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، في كتاب لها، بأننا “حالياً نشهد إحدى حلقات تطبيق إستراتيجية الخداع الصهيوني وادعائها المزعوم بأنها ترغب في العيش في سلام خلافاً لحقيقتها التي قامت على الاغتصاب والخداع”.
وأشار إلى أن الدراسة أشارت لوجود 5 صفحات شائعة، وذات حضور على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما “فيسبوك”، وحللت الدراسة عينة من منشوراتها المكتوبة باللغة العربية، وكشفت عن أهدافها المنشودة.
وهذه الصفحات، هي:
أ- صفحة أفيخاي أدرعي، المتحدث الصهيوني إلى العرب باسم الجيش الصهيوني.
ب- صفحة أوفير جندلمان، المتحدث الصهيوني إلى العرب باسم مجلس وزراء الكيان.
جـ- صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية”.
د- صفحة “إسرائيل في مصر”.
هـ- صفحة “إسرائيل في الأردن”.
وهذه الصفحات تسعى لتوظيف وضع اللغة العربية في “إسرائيل” لدعم الصورة الإيجابية التي تخلقها لنفسها عن طريق تطبيق إستراتيجيات التضليل الإعلامي.
تجميل الصورة الإجرامية للصهيونية
وأوضح د. فهمي أن “إسرائيل” تحرص من خلال هذه المواقع الإلكترونية وبصورة واضحة على أن تُصَدَّر للرأي العام صورة الذي يحافظ على حقوق من تسميهم بالأقليات العربية؛ وأنها حريصة على أن تظهرهم في صورة “المواطنين متساويي الحقوق” مع بقية العناصر السكانية، ولكنهم في الوقت نفسه وعلى أرض الواقع “يعانون من التمييز الصارخ”.
وتابع قائلاً: ومن ناحية أخرى، تحرص تلك الصفحات الإلكترونية على إظهار الفلسطينيين بأنهم مواطنون وحاضرون بصورة فعلية في الدولة على عكس الحقيقة التي تؤكد أنهم غائبون بصورة دائمة ومقمعون، على حد تعبير د. يوني مندل في دراسته “حول العربية والعرب في إسرائيل”.
وأشار إلى أن هذا النجاح في تزييف الوعي من خلال التوظيف الخاطئ للغة العربية ظل هو الأساس العملي الذي يقف وراء دعم سياسات تكوين “عربية” إسرائيلية، كما أنه كان العامل المحوري وراء سياسات تعزيز الوجود والاستعمال لهذه “العربية الإسرائيلية”.
وهي العربية التي نزع منها أي نصوص تعارض الاحتلال الصهيوني، وتوظيف العربية لدعم العبرية واستبدال كلمة “الواقع المعاصر” بـ”الاحتلال”، ووصف كل أنواع المقاومة بأنها إرهاب وتحريف الأمثال الشعبية العربية لدعم العبرنة واستخدام تراكيب إسلامية لدعم الصهيونية.
وقد أخذ توظيف اللغة العربية في الكيان الصهيوني مسارات متنوعة بعد حرب عام 1948م، وإعلان ما سُمِّي بتأسيس “إسرائيل”، والحقيقة أن هذه المسارات دارت في فلك خدمة الأمن القومي الإسرائيلي بالأساس.
إستراتيجية المناورات اللغوية
واستطرد د. فهمي قائلاً: وبعد قيام دولة الاحتلال الصهيوني، كشف تحليل عينة من منشورات هذه الصفحات الإلكترونية الخمس في المدة من أول أكتوبر إلى نصف ديسمبر 2019م عن العلامات التالية:
تنامي توظيف إستراتيجية “المناورات اللغوية” لأغراض سياسية تهدف إلى تغيير الوعي والمدركات في العقل العربي المعاصر، تمثلت في تسمية كل فعل من أفعال المقاومة للاحتلال باسم الإرهاب، ومن أمثلة ذلك:
– حماس تستثمر في الإرهاب (موقع “إسرائيل تتكلم بالعربية” 11/ 11/ 2019م).
– اعتداءات بهاء أبو العطا الإرهابية (صفحة “أفخاي أدرعي” 12/ 11/ 2019م).
– استهداف أهداف إرهابية تابعة لمنظمة الجهاد الإسلامي الإرهابية في قطاع غزة (صفحة “أفخاي أدرعي” 12/ 11/ 2019م).
وأوضح د. فهمي أنه في هذا السياق يتكاثف استعمال التعابير التالية فيما يتعلق بالعمليات الموجهة ضد الكيان الصهيوني:
– الاعتداء/ الاعتداءات.
– التهديد / التهديدات.
– التخريب.
– المسلمون المتطرفون (صفحة “أوفير جندلمان” 5/ 11/ 2019م).
كما يشيع استعمال تعابير أخرى من خلال تلك المواقع مثل:
– الغزو التركي لشمال سورية.
– الاجتياح التركي للعمليات العسكرية التي نفذها الجيش التركي في شمال سورية في أكتوبر 2019م.
تجميل الوجه الصهيوني القبيح
وأوضح د. فهمي أن تلك الصفحات والمواقع الإلكترونية الموجهة للشعوب العربية باللغة العربية تسعى لتصوير “إسرائيل” في صورة الدولة المتقدمة علمياً والراقية إنسانياً، ومن التعابير الزائفة الداعمة لذلك التوجه إلى ما يلي:
– رعاية جيش الدفاع للخُضْريِين بتوفير أحذية من جلود غير حيوانية، وكذلك قُبَّعات من صوف غير حيواني، وتوفير طعام خضري (صفحة “أفيخاي أدرعي” 1/ 11/ 2019م)
– إبداع “الإسرائيليين” في تحقيق الصدارة العالمية في إنتاج الحليب البقري (موقع “إسرائيل في الأردن” 11/ 11/ 2019م).
– تطوير الزراعة في الصحراء (موقع “إسرائيل في الأردن” 24/ 9/ 2019م).
ويكشف تحليل منشورات هذه الصفحات الإلكترونية الصهيونية عن توظيف ما يلي:
– الأمثال العربية (موقع “إسرائيل في الأردن” 28/ 10/ 2019م)، إذ استثمرت الصفحة -في سياق الترويج لبعض الحلويات التقليدية لبعض الجاليات اليهودية الإسرائيلية- المثلَ القائلَ: “مش كل من صف الصَّوَاني قالوا عنه حَلَواني”.
– الاستشهاد بنصوص من آيات الكتاب العزيز بجوار آيات من التوراة في كثير من المناسبات التي تعلن هذه الصفحات التذكير أو التهنئة بها مع استعمال عبارات التهنئة المألوفة لدى العرب مثل: “كل عام وأنتم بخير”، و”صياماً مقبولاً” (موقع “إسرائيل في الأردن” 7/ 10/ 2019م).
إستراتيجية التراكيب اللغوية الخادعة
– توظيف ما يمكن تسميته إستراتيجية “حرب التراكيب”، وهو الإلحاح على استعمال تراكيب وصفية لتعزيز سياسات التطبيع، وتغيير الوعي بموقع الكيان الصهيوني في العقل العربي من مثل استعمال التراكيب التالية:
– صديقي المسلم.
– المولد النبوي الشريف (“إسرائيل في مصر” 9/ 11/ 2019م).
– الشعب اليهودي.
– ابتكارات “إسرائيلية” (موقع “إسرائيل في الأردن” 5/ 9/ 2019م).
كما دأبت الصفحات هذه على توظيف التراكيب الإضافية بشكل أساسي في سياق تعزيز عدة دلالات أساسية بالنسبة للكيان الصهيوني وكانت: أكثر التراكيب الإضافية دوراناً هي:
– أرض إسرائيل (“إسرائيل في مصر”: 3/ 11/ 2019م).
– دولة إسرائيل (“إسرائيل في مصر” 22/ 10/ 2019م – 9/ 11/ 2019م).
– جيش إسرائيل (صفحة “أفيخاي أدرعي” 6/ 11/ 2019م).
– أرض الوطن (صفحة “أوفير جندلمان” 5/ 11/ 2019م).
وأضاف قائلاً: إن التوظيف تجاوز حدود التراكيب الكَلِمِّية إلى تراكيب جُمْلِية إِسنادية، مثل:
– إننا أقوياء (صفحة “أوفير جندلمان” 11/ 11/ 2019م).
– اليهود عادوا إلى أرض الوطن (صفحة “أوفير جندلمان” 5/ 11/ 2019م).
– لا جدوى من الاعتداء علينا (صفحة “أوفير جندلمان” 11/ 11/ 2019م).
– إسرائيل تستثمر في العلوم (موقع “إسرائيل تتكلم العربية” 11/ 11/ 2019م).
– إسرائيليون ومصريون يشجعون محمد صلاح (موقع “إسرائيل تتكلم العربية” 11/ 11/ 2019م).
واختتم د. فهمي دراسته بالتأكيد على أن تحليل مضمون هذه الجمل يكشف عن حرص هذه المنصات التواصلية على تعزيز ظهور الكيان الصهيوني بوصفه دولة منظمة، وقوية، وتمارس حقاً في العيش على أرض هي أرضها، وتتقدم على غيرها من الدول المجاورة، وإخفاء حقيقة احتلالها للأرض العربية وممارسة الجرائم اليومية بحق الفلسطينيين ومخططاتها التوسعية.