بعد فشلها في دخول العاصمة الليبية طرابلس، وتعرضها لهزيمة عسكرية نكراء مؤخراً، تواصل مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، غلق حقول وموانئ النفط لليّ ذراع حكومة الوفاق وإضعاف قواتها، بينما ردت الأخيرة بقصف شاحنات الوقود القادمة من الشرق لتموين المليشيات في جبهات القتال بالمنطقة الغربية.
حرب موازية في البلاد وقودها النفط، الذي يمثل المورد الرئيسي وشبه الوحيد للشعب الليبي من العملة الصعبة. والصراع على الموارد وتقسيم الثروات، أحد الأسباب الخفية لهذه الحرب، التي يدفع ثمنها الجميع.
فمنذ إغلاق القبائل الموالية لحفتر حقول وموانئ النفط في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، خسرت البلاد نحو 4 مليارات دولار، وتقلص الإنتاج من أكثر من مليون برميل يومياً قبل الإغلاق إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً في الوقت الحالي.
وأدى ذلك إلى تقليص حكومة الوفاق لموازنة العام الجاري 2020 من 55 مليار دينار ليبي (31 مليار دولار) إلى 38 مليار دينار (21 مليار دولار)، بحسب وزير المالية علي العيساوي، خاصة بعد انهيار أسعار النفط إثر تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي عقب اجتياح فيروس كورونا لمعظم دول العالم.
وتراجع الموازنة بمعدل الثلث سيؤثر بشكل تلقائي على مشاريع الحكومة الإنمائية خاصة في البنى التحتية، وإذا استمر الإغلاق لفترة طويلة قد يطاول الأمر مرتبات الموظفين حتى في المنطقتين الشرقية والجنوبية التي تسيطر عليهما مليشيات حفتر، وفق تحليل نشرته وكالة الأناضول، اليوم الثلاثاء.
وتسبب تقلص الإنتاج إلى اضطرار المؤسسة الليبية للنفط في طرابلس لاستيراد المحروقات بعدما كانت تصدرها، خاصة بعد إيقاف مصفاة النفط بمدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس).
وأدى هذا الوضع إلى أزمة وقود حتى في المدن التي يسيطر عليها حفتر مثل ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، وفي مدن وبلدات إقليم فزان (جنوب)، التي تجد مؤسسة النفط صعوبة في تزويدها بالوقود برا نظراً للقتال الواقع جنوب العاصمة.
ورغم الضرر الواقع، حتى على أنصاره، من وقف تصدير النفط، إلا أن حفتر يسير وفق مقولة “عليّ وعلى أعدائي”، في محاولة لكسر عزيمة الحكومة المعترف بها دوليا، في مقاومة عدوان مليشياته، أو إثارة الناس في طرابلس والمنطقة الغربية ضد المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج، لإحداث فتنة وفوضى.
لكن “السحر انقلب على الساحر”، إذ تعاني المنطقة الشرقية هي الأخرى من أزمة وقود، رغم إعلان مؤسسة النفط في العاصمة إرسال سفينة وقود إلى ميناء بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس) مؤخرا، لكن ومع ذلك تحدثت وسائل إعلام محلية خلال الأسابيع الأخيرة، بينها موقع “بوابة الوسط”، الداعم لحفتر، عن طوابير أمام محطات الوقود ولساعات في مدينة طبرق (شرق).
عندما أغلق أتباع حفتر حقول وموانئ النفط، ظن أن آلياته بمنأى عن أزمة الوقود حتى ولو تضرر المدنيون في المناطق التي يسيطر عليها، نظرا لامتلاك مليشياته خزاناتها الخاصة، غير أن قوات الوفاق كان لها رأي آخر.
فمع الأيام الأولى لانطلاق عملية “عاصفة السلام”، في 25 مارس/آذار الماضي، شرعت طائرات حكومة الوفاق في استهداف شاحنات نقل الوقود لمليشيات حفتر، القادمة من بنغازي وقاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) لإمداد عناصره في مدينتي بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، وترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، ومنها إلى جبهات القتال جنوبي طرابلس.
حيث استهدف طيران الوفاق، في 2 إبريل/نيسان الجاري، ناقلة وقود في منطقة امراح، بمحور الوشكة، غرب مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، التي تشهد قتالا عنيفا مع كتائب مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس).
وفي 3 إبريل/نيسان، وجه طيران الوفاق ضربة قوية لإمدادات الوقود نحو جنوب طرابلس، حيث أغار على ثلاث ناقلات وقود جنوب بني وليد، وبعد ثلاثة أيام فجر ناقلة وقود بالمدخل الشمالي لنفس المدينة.
وتعول قوات الوفاق من خلال استهداف قوافل الوقود على إضعاف قدرة دبابات وآليات حفتر على التحرك والمناورة في ساحات المعارك، مما يقلص فاعليتها في القتال، ويعرقل من تقدمها في المحاور الجنوبية لطرابلس.
حيث سبق لحكومة الوفاق أن قلصت تزويد المنطقة الشرقية بوقود الطائرات، بعد أن لاحظت أن حفتر يستغل هذا الوقود لتزويد طائراته الحربية، لقصف العاصمة وجبهات القتال المختلفة.
كما أن تراجع أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل، أثّر حتى على ممولي حفتر الرئيسيين، وبالأخص الإمارات، ما سينعكس تلقائيا على حجم دعمهم المالي والتمويني لمليشيات الشرق الليبي.
فإصرار حفتر على اقتحام طرابلس والسيطرة على كامل ليبيا، بأي ثمن، ولو اضطره ذلك لتدمير البنية التحتية للبلاد، النفطية منها بل وحتى المائية والكهربائية، لن يجلب له النصر القريب بل الهزيمة، ولن يحصد سوى استياء المواطنين وغضبهم، بمن فيهم مؤيدوه الذين يتضررون كما غيرهم من الشعب الليبي، من خططه المجنونة، التي قد تعيد البلاد إلى زمن ما قبل النفط.