لم تمض بعد تلك السنوات الثلاثمائة؛ التسع الزائدة لن تأتي ربما لأن آلة الزمن مصابة بالعطب أو لعل الفأر الذي عبث بسد مأرب قد استهوته اللعبة فعاد مجددا يمارس هوايته.
مرة وراء أخرى تكاثرت الجرذان في تلك البنايات الخربة، سكنت الغربان ذات الأجنحة المزيفة حجرات النوم العتيقة؛ مارست فيها كل الأفعال التي تثير التقزز، عند شاطئ المنتزه تجوب بنات عرس غير آبهة بالعابرين في ليالي الشتاء المثقلة برذاذ البحر، اكتفوا بأن يلتقطوا لها الصور التذكارية؛ يخرج عالم الأحياء المفتون بنظرية النشوء والارتقاء كل مساء ليدلل أنها سليلة كائنات عملاقة تشبه الفيلة أو هي إليها أقرب.
قبل ذلك الوباء كان يحلو له أن يغازل اللواتي يقفن في الشرفات متهدلات الشعر، يرقبن القادمين عبر البحار.
تلوك الواحدة منهن حكاية مضى عليها زمن.
ينتظرن القطار على أمل أن يأتي فيه ذلك الفارس المرتدي قناع الفروسية لا يحفلن بغير بطاقة حسابه الجاري في المصارف.
ربما كان واحد ممن امتهنوا غسيل الأموال في بلاد مصابة بتبلد الحس.
اعتدل في جلسته وبدأ في سرد كثير من الروايات؛ مؤكد أن بعضها لا يصدقه العقل، استمعت إليه والنوم يداعب جفني سيما ونحن في حالة من فراغ قاتل لم تعد لدينا غير تلك الخرافات نقتاتها في زمن الكورونا.
لم تفلح نصائح الأطباء في بث الطمأنينة في داخل الناس؛ وحدهم الذين دخلوا ذلك الثقب المجوف ينامون في سعادة.
– ترى هل سمعوا بخبر ذلك الوباء؟
انتابتني حالة من الدهشة، أجبته: مؤكد أن كلبهم الرابض في مقدمة الغار لن يكف عن التصنت، لديه حاسة الشم تفوق تلك المعدات التي تتجسس ليل نهار على أرقام الهواتف.
يوم سقطت بغداد كان ثملا، أخبرته بأن الفأر الذي عبث بالسد تضخم حتى صار حاملة طائرات تلقي بكتل من نار؛ عجز الرشيد فغدت حاضرته مرتعا لهؤلاء العلوج.
الذي يخرج مساء في برامج اللغو يبرهن أن بنات عرس يمتلكن إغراء لم تتمتع به الفاتنة الشقراء.
ولأنه يدمن ذلك العبث حاول أن يمد عينيه إلى واحدة منهن، يكفيه أن يحيط أرصدته بسياج حديدي من وجاهة مزيفة.
حالة من التيه تنصب شباكها حولي، افتقدت بطاقة هويتي، هل ينكرني زمني؟
حاولت أن أتعرف على الطريق إلى مدخل الكهف الذي سكنه السبعة وثامنهم كلبهم، عيون تترصدني، صافرة العربة الممغنطة تشي بي، ألقى بجسدي في مياه البحر فيطردني جهة الشاطئ، كيوم ولدتني أمي تلقفتني أنثى بيضاء للناظرين، دثرتني لم تتركني نهبا لتلك العيون الوقحة.