التذاكي ليس ذكاء؛ بل هو الجهل الأكثر إصراراً على الجهل!!
كما هو معلوم أيها القارئ الكريم.. الجاهل معلوم، والسامع أيضا معلوم، والمتذاكي يحتاج إلى الشرح بعض الشيء. الجاهل هو من يتكلم فيما يجهل، ويتعالى على أن يتعلم، او انه يعلم ولكنه مأمور بجهل أن يلقي ذاته ويجهل ، وهو مختلف عن المصدر الجهل . فالجهل قضية نسبية، فكلنا يجهل ما لم يعلم.
أما السامع؛ فهو المستمع الذي يستمع لحديث أو صوت أو أي شيء بقصد او غير قصد.. أما السامع الذي أعني فهو السامع القاصد السمع والآخذ بما سمع.
أما السامع المقرون مع التذاكي، هو السامع التابع لا السامع القارئ المدقق المحقق المتجرد للحقيقة ، وهو مسلوب الذات اما لغروره ؛ او تربية حيث تربى على سماع الأسياد والأكابر ومن ثم السمع والطاعة العمياء ، والتي واقع امرها يقول : ” إسمع وطبق ولا تسأل اوتحقق !! ” حينها تكون الطاعة الظالمة العمياء ، وإلقاء العقل والنقل وحتى الجسد احيانا ، ولاشك ولاريب حينها يكون القاء المقابل اولى ! ثم نقل ما سمع بالطريقة المتذاكية على السامعين الجدد بغبشٍ وبتر ، ومزجٍ بالمتشابه لتغليظ الغبش ليقنع المقابل بما أُمر به ! فلذلك .. يطلق عليه المتذاكي ! اي .. ” فهلوي مُصنّع “
هناك مقولة جميلة لوالدي رحمه الله تعالى كثيرا ما كان يرددها علينا فيقول :” أغبى الناس من لا يحترم ذكاء الناس “
حينما تناقش إنسانا ؛ يجب أن يكون النقاش حاملا ضمنيا إحدى الاستفادات الثلاث ؛فلذلك .. يكون النقاش ضمننا يحمل الاحترام المتبادل ذكاءً :
* تناقش من أجل أن تستفيد وتعلم ما تجهله او حقيقة عنك غائبة .
* تناقش من اجل توصل معلومة لمن فقدها لاي سبب طبيعي انساني .
* تناقش من اجل الإثراء وتلاقح الأفكار ، وتكوين فكر حضاري إنساني متلاقح الرؤا والمعلومة ، صقلتة التجارب الإنسانية .
من منطلق مفهوم قوله تعالى ” يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ” .
حينما ترى المقابل يدعي الأستاذية في النقاش ، لا تطيل معه الامر والنقاش ، واعلم انه من المتذاكين ، فهو لا هم له إلا إدماغ المقابل بعلمه المُفحم وحججه الدامغة التي لا ترد ! فهذه النوعية هي المتذاكية ، والتي أشار لها الوالد رحمه الله تعالى ” باغبى الناس ” . لماذا .. ؟
لأنه يعتقد ؛ ان الناس لا ذكاء لها ! تسمع ولا تراجع كما هو سمع وطبق ما يشاء قائده من مشيئة ، ومن غير لماذا ومالسبب !!؟ نعم … فهو نظر لك بنفس المقياس الذي يرى نفسه امام آمره وسيده ! وهذا قريب من المثل الكويتي كما نقول : ” كلٍ يرى الناس بعين طبعه ” نعم أيها القارئ الكريم .. يجب ان يعلم الإنسان أن المقابل له أوراقه وذكاؤه ، وما يتغافل عن هذا إلا ” الغشيم ” كما نقول في العامية ، فيقع فيما لا يتوقع بسبب إهماله ذكاء المقابل . إن السامع المتذاكي هذا ؛ هو المسكين حقيقة ، هو تربى تربية معينة ” حزبية ” كانت او ” طائفية ” او ” عنصرية ” ، وقد تم تكريس مفاهيم معينة ومن ثم القولبة المقيتة ، فيرى ان تربيته وافكاره لا يمكن أن يكون فيها الخطأ ! فهي معصومة لا شك عنده بشكل او باخر ، وقد وضع أسياده وقادته الحواجز النفسية لعدم قبول المقابل بأي شكل من الأشكال ، ومن ثم لا هم له إلا ان يتصيد الأخطاء البشرية الطبيعية ويصنع منها كيانا فاسقا للمقابل، او تتبع نقاط ضعف الاجتهادات الانسانية حسب رؤيته المتذاكية!! رغم تعدد وجهات النظر في هذا الاجتهاد أو ذاك، وان لم يجد ذلك ذهب دورانا حول وخلف الشبهات والمتشابه! ويدعي المعرفة متربعا في الزوايا العمياء للمقابل! لهلهلته من خلال هذه الزوايا العمياء، وهذه الأمور التي لا يعلمها إلا طلاب العلم المتخصصين ومن يدخلها من غير الأرضية الصلبة سيفتن.
ويتحدث معك هذا المسكين وكأنه العالم صاحب الحجج الدامغة وهو في الشبهة والمتشابه قد تاه! وأحيانا كثيرة يدخل في حمى البدعة والضلالة، وأحيانا في حمى اهتزاز العقيدة وهو يعتقد انه يحسن صنعاً، كما بينهم الله تعالى في كتابه العظيم: ” الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا “
أقول: أحبابي في الله.. لنكن حذرين ودقيقين في نقدنا وقبولنا الخبر او الرواية فلذلك أقول: لكل من يقرأ كتابا علميا او معلومة في التاريخ أو الحديث؛ إذا كان هذا الحديث او هذا الكتاب من غير السند في روايته او عدم عزو الكلام لمصدره؛ فلا تأخذ به مهما كان، وإذا كان فيه السند ولم تعلم ما هي قيمة السند لا تُسلم له قبل ان تفهم ما قيمة السند في الرواية وكيفية التحقيق فيها سندا ناهيك بالمتن .
أخيرا نصيحة لبعض الشباب، هناك الكثير من الكذبة انتشروا ونشروا الروايات لتشويه الأمة بروايات وقصص تاريخية ، بل وتطاولوا على النبي صلى الله عليه وسلم ووضعوا الأحاديث المكذوبة بإسمه . أيضاً.. البعض وضع الكتب على العلماء ومنه ما يسمى كتاب ” الإمامة والسياسة ” أو ما يطلق عليه ايضا اسم ” الخلافة ” فهذا الكتاب مكذوب جملة وتفصيلا على ابن قتيبة، فجميع رواياته كما قال ابن العربي والخطيب محب الدين جاءت من مشايخ مصر ، وابن قتيبة ما زار مصر قط ، وما درس على يد مصريين اصلا ، والمذكورين من المصريين في مسانيد هذا الكتاب ما جالسهم ولا سمع منهم قط ! وأيضاً.. أيها القارئ الكريم؛ حينما نتابع سيرته – ابن قتيبة – في سير اعلام النبلاء للذهبي ومؤلفاته، ذكرها الذهبي جميعها ولم يذكر له كتابا اسمه ” الإمامة والسياسة ” أو ” الخلافة ” وهذا دليل قواعدي علمي على نفي هذا الكتاب وما فيه جملة وتفصيلاً، والاهم من هذا كله، أن هذا الكتاب المكذوب؛ تجده يتناقض تناقضا رهيبا مع باقي كل مؤلفات العالم ابن قتيبة رحمه الله تعالى وبلا استثناء؛ والتي يبلغ عددها ما يقارب من ” ٢٨ ” مؤلف.
ــــــــــــــــــ
(*) إعلامي كويتي.