أعتقد أنه أصبح من حقنا بعد هذا أن نقول: وجب أن نسأل سؤالاً مهماً: هل توجد حضارة في التاريخ قامت على وجه الأرض من غير أن توجد حولها قوة عسكرية تحافظ عليها بشكل أو بآخر؟! هل قامت حضارة في التاريخ أو مدنية مهما كانت علميتها وفنونها ورقيها المدني كانت تستغني عن القوة والعسكر والحرب؟!
إن من يقر بذلك هو فاقد العقل بدون أدنى شك، ويجهل التاريخ وبديهياته المعرفية! فالقوة هي أحد مقومات الحضارة للمحافظة عليها، وهذه القوة حامية المدنية، ولا يمكن أن تكون هناك حضارة مدنية من غير القوة التي تحميها وتدافع عنها وترفع عنها الغبن، وتجليها من الغبش، وهذه طبيعة إنسانية، ولا نعني بالقوة هنا العسكرية فقط، وإن كانت هي محوراً من محاور القوة؛ فما أعنيه بالقوة العدالة، ونشر العلم وقول الحق، ودعم الابتكار والتطور في كل المجالات، والعدة والعتاد، هذا ما أعنيه بالقوة التي ترهب عدو الله وعدونا.
نعم نحتاج القوة العسكرية، إن المجتمعات تتنوع، ففيهم من يعتدل بالكلمة، وغيرهم بالزجر، وآخرون غيرهم لم يعتدل وينته إلا بالسيف عن ممارساته المعوجة، نعم.. فقط السيف وإن لم ترفع له السيف فهو يعمل على تقويض حضارتك ومدنيتك، ويسيء لها بكل ما يملك ليلقيها بما فيها إلى زبالة العدم لا زبالة التاريخ كما نقول! لأنه حتى زبالة التاريخ يستكثرها عليك وعلى دينك! وذلك كما يحاول البعض أن يفعل ذلك بالحضارة الإسلامية؛ وأنى لهم ذلك إن شاء الله تعالى.
الكثير من الذين لا هَمَّ لهم إلا إظهار بعض مساوئ الممارسات الخاطئة في الدول الإسلامية وحضارتها، تجده إن تحدث عن الحضارة الفرعونية يكاد يسجد لها ويركع خشوعاً وخضوعاً وإجلالاً لها ولقوتها العسكرية حينها، وإن تحدث عن البابلية قال “واو!”، والفينيقية كذلك؛ ولكنه إذا جاء إلى الإسلام لا يذكر إلا النقاط السوداء في مسيرتها الحضارية، التي هي بدون أي شك أخطاء أفراد وجماعات، أو اجتهادات مخطئة لا خطأ المنهج وعين المنهج، ويجعل من هذه الأخطاء الأصل الحضاري، بل لديه الاستعداد أن يجعل منه الدين والعقيدة، ويبذل كل السبل على أن يصنع دساتير خالية موادها من الإسلام إذا لم تكن تحارب الإسلام؛ وتكون له تلك الدساتير مرجعية قانونية لمحاربة الدين حينها بصفتها مخالفة دستورية!
وها نحن نعيش حالة مع الحضارة الغربية.
هل يستطيع هؤلاء الأدعياء أن يذكروا لنا بلداً عربياً لا يدفع الجزية -مجازاً- للولايات المتحدة بشكل أو بآخر، إلا أن الجزية في الإسلام لا تتعدى 1.5% وتتم محاربتها؛ ولكن عند الحضارة الحديثة تكاد تكون “فيفتي فيفتي” 50% تدفع بكل خضوع، ومن غير نقد أو نقاش!
ولو لم تكن القوة تحمي الحضارة، إذا جاز التعبير، أو المدنية؛ لما رأينا البوارج، وحاملات الطائرات في الخليج، وتعمل على إخراس من ينطق عكس توجهاتها الفكرية والحضارية، إذا جاز التعبير وصح، ومع ذلك نجد من ينتقد الإسلام؛ ينبهر بقدومها ومن تقدمها العلمي، وفتكها العسكري والحربي، وإنه العلم الفريد والحضارة الخالدة.
هؤلاء ما سألوا أنفسهم: هل توجد حضارة في تاريخ الإنسانية وتاريخ الجيوش المقاتلة تخير خصمها قبل الحرب بين ثلاث؟ وإذا أسلم تركوه وملكه وعلّموه الدين، له ما لهم وعليه ما عليهم وبقي ملكه له، هل توجد في التاريخ حضارة في العالم تقوم بذلك غير الإسلام؟
هذه هي الكونفدرالية الحقة الحديثة الراقية.
أختم كلامي إلى كل من قرأ حرفين في التاريخ المكذوب والصحيح منه؛ ومن ثم يتعالى على الآخرين ويتحدث معهم بأستاذية لقلة العقل وكثرة الحمق، فلا نقول إلا ما قاله سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: “إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت”.
أعلمت، أيها القارئ الكريم، كيف هي سهولة إلقاء الشبهة والبدعة والزيغ؟
هي أربع كلمات، ولكن الرد عليها يحتاج إلى استنزاف وقت وجهد، وهذا الزمن هو ما يعتمد عليه أهل الزيغ، فبعد مرور الوقت على الشبهة يكون الرد لا يفي الجميع، فالفتنة أكلت بعضاً من الناس وأخذت فيهم ما أخذت؛ نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
_______________________
(*) إعلامي كويتي.