الحرية في الإسلام أصل أصيل في كل تخصصاته، يقول أهل التعريف: الحرية خضوع للقوانين الكونية بوعي وإدراك، فلا حرية مطلقة، وأن تفعل ما تشاء من رغباتك.
نعم، فهذه رغبات شيطانية لا يمكن أن تنسجم مع إنسانية الإنسان الكيس الفطن اللبيب الذي ينظر للآخرين كما ينظر لنفسه، ويحب لغيره ما يحب لنفسه.
هناك سؤال محوري دقيق ومهم، أيها القارئ الكريم، لماذا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لا شك الهجرة علامة بارزة في تاريخ الإسلام، وهي الخطوة الأولى لقيام دولة الإسلام؛ “كانت الهجرة من أجل العيش بحرية، وطرح المنهج بحرية، ومن ثم الاقتناع بحرية”.
ضيَّقت قريش على المسلمين وحاربتهم، وقتلت من قتلت منهم، وحاصرتهم من أجل التضييق عليهم لعدم تحركهم بحرية لنشر التوحيد، ويكفي ما جرى للحبيب صلى الله عليه وسلم حسب الرواية التي رواها عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم”.
نعم، كانت للهجرة كما أسلفنا نتائج، أولها “الحرية التي بدونها تتجمد الدعوة الحق، ثم النجاة من ظلم قريش، طرح المنهج بحرية، هضم المنهج بحرية من غير إجبار، قيام الدولة الإسلامية”.
نعم، نكرر الحرية، فالحرية أصل وفطرة، وما أجمل ما قال فيها سيدنا عمر رضي الله عنه بقوله: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”، وكما عبر عنها سيدنا ربعي بن عامر رضي الله عنه أنها محور للتغيير يوم لقائه بكسرى مختصراً رسالة الإسلام فقال: “بعثنا الله لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى سعة الإسلام”.
نعم، الحرية أن تعيش حراً؛ ومن خلال هذه الحرية تقرر طبيعة حياتك وأمورك الشخصية المنسجمة هرمونياً مع الكتلة المجتمعية حتى لا تؤذي الآخرين، فمن أهم شروط الحرية في الإسلام كما هو معلوم عدم إضرار الآخرين؛ مادياً ومعنوياً ووجدانياً أو حسياً، ولا شك أن هذه الحرية ضوابطها الشريعة الإسلامية، وأحكامها وقوانينها وإباحاتها ونواهيها مرجعيتها الشريعة، لأن أصل الحرية أن يكون الإنسان هذا المخلوق الأرقى حراً ولا يكون عبداً لمخلوق أبداً، ولا يكون عبداً إلا لله تعالى.
فلذلك، وبخ الله تعالى أهل الكتاب في عبادتهم للأحبار والرهبان فقال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64).
نعم، أعطى الله الإنسان حرية الاختيار من خلال حدود ما أراده الله وشرعه، وفي حدود ما هو مباح له ملبساً وأكلاً وتنقلاً.. وغيره.
عمل العدو على تغليظ غشاء الغبش على المسلمين ما استطاع من أجل التشويش لمعنى الحرية، وذلك بطرح شيطاني منحرف حتى وصل بالبعض أن يعمل بالمحرمات وما يغضب الله تعالى باسم الحرية الشخصية، وما أراها إلا صنعة شيطانية؛ لأن الحرية يجب أن تكون -كما أسلفنا- فيما يرضي الله تعالى ولا تخالف شرعه، ولا تسمى المعصية حرية إلا إذا استحوذ الشيطان على الإنسان، ورأى الإنسان أنه منافس للخالق الرحمن! أما المؤمن فلا يمكن أن تنطلي عليه هذه الأكذوبة والتمثيلية السمجة “حرية شخصية مطلقة”!
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: 36)، ويقول جل جلاله: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور: 51).
نعم، لا حرية في معصية كما يقول أهل العلم.
قد يخلط البعض بين الحرية الشخصية في اختيار عقيدته ودينه، والحرية الشخصية التي يدعيها البعض، ومن ثم يتطاول على الإسلام والمسلمين محتجاً بقوله: “لا إكراه في الدين”.
هناك فرق بين اختيارك لعقيدتك وممارستها على نفسك في مواقع لا تؤذي فيها المجتمع المسلم؛ وفرق بين التصرفات اللاأخلاقية التي يمارسها البعض باسم “لا إكراه في الدين” أو تحت عنوان “لكم دينكم ولي دين”، دون النظر إلى الشروط الشرعية وتفاصيلها؛ إما جهلاً وإما خبثاً وعبثاً.
___________________________
(*) إعلامي كويتي.