ما نعنيه في العنوان “ما المشترك بينهما” سورة “العصر” وحديث النبي صلى الله عليه وسلم “كُلُّكُمْ رَاعٍ..”.
يقول الله تعالى في كتابه العظيم: (وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر).
ويقول سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” (متفق عليه).
نعم، نقرأ هذه السورة وهذا الحديث العظيم ولكن لا نركز على معنى قوله تعالى: “التواصي بالحق”، وماذا قال فيه أهل العلم والتفسير وأهل اللغة والدعوة لله في الميدان، وبعضنا قرأ ما قاله أهل العلم فيها، ولكن يمر عليها هكذا وأنا منهم، إلا أنني هذه المرة استوقفني معناها ربطاً مع هذا الحديث، فحاولت أن أجمع الرابط وأظهر ما بينهما من ربط بالمعنى وذلك بفضل الله تعالى، فأرجو أن يكون ذلك في ميزان حسناتي بفضل الله تعالى ومنّته.
ما التواصي بالحق يا ترى كما جاء في سورة العصر؟
التواصي إيماناً بالله تعالى، كما قال أهل العلم، والتواصي بالحق أن تعمل آمراً بالمعروف، والأمر بالمعروف وحده لا يكفي لا شك ولا ريب، ولا بد أن يكون مقابلاً له النهي عن المنكر، وإلا تنامى المنكر ونافس المعروف وضيق عليه وعلى أهله، فلذلك يقول بعض الدعاة: “التواصي بالحق” ركن أساسي من أركان الدعوة إلى الله تعالى.
الحديث الذي ذكرناه سالفاً يشمل الكثير من الأمور التي تحمل معنى “التواصي بالحق” وبدأ بالإمام للأهمية، ثم بالأسرة وهي نواة المجتمعات ولبناته التي يقوم عليها المجتمع، “الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته”؛ أي هو قدوة لأهله وأبنائه ومحيطه، يعمل بالمعروف بذاته كقدوة تصرفاً وقولاً وسكوناً وحركة ومن ثم يكون له الأثر الأكبر على من هم تحت رعايته، وكذلك المرأة وكل على قدر مسؤوليته وحجمها، فما ترك الإسلام العظيم من خلال هذا الحديث مسؤولاً إلا وأشار إليه إما بعينه وذكره في النص، وإما ضمناً يفهم من صياغ وسياق الرواية التي أشارت إلى عينة معينة بالمسؤولية من الوحدة الأولية للمجتمع (الأسرة)، إلى أكبر رأس في المجتمع (الإمام) وذكرهم كنموذج من أجل الفهم الأوسع والأكبر في المسؤولية وأهميتها.
ولا شك هذه الرواية ومثيلاتها لا تشير إلى المسؤولية المادية وإن كانت مشمولة بالرواية كمسؤولية شرعية، ولكن الأصل والأقوى أنها تشير إلى المسؤولية التربوية الآتية من متطلبات الدين والإسلام، فالأمانة أمر مهم في دين الإسلام، والإخلاص مهم، والإتقان في العمل كذلك، وهذا لا يأتي إلا مع وجود الضمير الحي الذي أصل إصلاحه الدين الإسلامي بالخوف من الله تعالى وحب الفوز بما يقدمه الله تعالى لعباده الصالحين.
والتعليم على جميع المستويات لا يأتي بالقوة سواء التعليم الخلقي “معروفاً ونهياً”، أو حتى التعليم للعلم والتخصصات، وهو من أمور مسؤولية الراعي وكيف ينقله إلى من هو تحت رعايته، وهو فن نقل المعلومة، وهذا يحتاج إلى الرفق كما جاء في الحديث: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”، وهذا الرفق هو جزء مهم من مسؤولية الراعي لرعيته لقبول المعلومة بحب ورغبة ليبين لهم الحقائق والعلوم وهضمها واستيعابها بحب، وكما قال تعالى مبيناً خلق وطباع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المجال: (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159).
لا شك، ما قدم الراعي شيئاً لبيته وزوجه وأولاده خيراً أفضل من حرصه عليهم في عمل الخير وتقديم الخير لهم دعوة وحكمة، ومسكناً وأكلاً وسلوكاً وأدباً، كما قال صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأهلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي..”، نعم تقديم الخير بكل جوانبه المادية، والروحية الوجدانية، والتربوية، والأخلاقية.
نعم، مهما فسد المجتمع، ومهما انتشر فيه السوء ونكران المعروف، ومعروف المنكر، فهذا لا يعذر الإنسان أمام الله تعالى ثم أمام إنسانيته وعقله في أن يتساهل في رعاية بيته وزوجه وأولاده، ويتناسى معنى الرعاية ومعنى قوله تعالى: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) تحت ذريعة قولنا الشعبي: “حشر مع الناس عيد”، أو القول الشعبي الآخر: “مع الخيل يا شقرا”.
لا، بل أنت مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة أمام الله تعالى عن رعيتك، وإن الله سائلك لا محالة، وحجتك مهما كانت لا ترتقي حجة الحبيب المحبوب عليه الصلاة والسلام؛ “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، وهذه الرعاية كلما كبرت كبرت مقابلها المسؤولية أمام الله تعالى، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
_______________________
(*) إعلامي كويتي.