الرأفة والرحمة من أبرز الأخلاق الإسلامية تعاملاً مع الخلائق، وهي بلا شك من أخلاق قدوتنا وأسوتنا سيد الخلق عليه الصلاة والسلام؛ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21).
نعم، من أخلاقه الرحمة والرفق بكل مخلوق؛ بشراً كان أو غير ذلك، كيف لا وهو الرحمة المهداة، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: “مَن لا يَرْحَمِ النَّاسَ، لا يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ”.
نبينا هو رحمة من الرحمن الرحيم للناس، ولكل من أرسل إليهم من الإنس والجن، شملت رحمته صلوات الله وسلامه عليه الأرض والطير والحيوان؛ قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
الرسول صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة؛ الرحمة لكل الخلائق، فهو صلى الله عليه وسلم القائل: “مَن فجعَ هذِهِ بولدِها؟ ردُّوا ولدَها إليها”، قالها وهو يعني بهذا طير الحمرة حينما أخذ أحد الصحابة ولديها ونهى صلى الله عليه وسلم من وسم الحيوان في وجهه، وبيّن أن رجلاً غفر الله تعالى له لسقايته كلباً في الصحراء يأكل الثرى من العطش، وأعلمنا أن امرأة دخلت النار بحبسها هراً أو هرة، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، هذا هو دين الإسلام دين الرحمة والرفق والرأفة بالإنسان، وبالأرض ومعالمها، والبهيمة والنبتة، كيف لا ونبي الرحمة يقول: “الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ”.
في دين الإسلام العظيم إطعام الحيوان والإحسان له طعاماً وسقاية مغفرة للذنوب؛ قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: “في كل كبد رطبة أجر”، ولا ينبغي أن ننسى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إنّ امرأةً بغِيًّا رأَت كَلبًا في يومٍ حَارّ يَطِيفُ ببِئرٍ قَد أدْلَع لِسَانه منَ العَطش فنَزعَت لهُ بمُوقها فغفرَ لها”، وهي ليست أي امرأة؛ إنها امرأة بغية! ومع ذلك غفر لها الرحمن الرحيم؛ بل حتى التحريش بين الحيوانات نهى عنه في الإسلام كما تفعل بعض الشعوب (معارك الديكة، والكلاب، والجمال)، وكما تفعل بعضها بين الثور والبشر! جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ”.
في الأصل، الدعوة إلى الله تعالى ما قامت إلا بالرفق، وما قامت إلا على منهج الرأفة والرفق والإحسان واللين؛ وذلك ظاهر بكل وضوح ولا لبس فيه بقول الله تعالى في كتابه العظيم: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125).
يتحدث البعض بكل مناسبة في الإسلام أنه دين العنف والشدة وما شابه؛ بل وصل بالبعض حتى في المناسبات والأعياد كعيد الأضحى مثلاً، يستغل أيام النحر ويجعلها أيام عنف وإرهاب وممارسة غير إنسانية خطيرة مع الحيوانات، وكأنهم لا يأكلون لحوماً ودواجن، ولا تظهر إنسانيتهم إلا عند هذه المناسبات التي يطعم فيها الإسلام الفقراء والمحتاجين، يتبجحون باسم الإنسانية لأننا ننحر الذبائح، أما مصارعة الثيران بينهم، وإطلاق الثور في الشوارع باسم التراث وما شابه، وصعق الحيوانات بالكهرباء فهذا إنساني! نسأل الله تعالى العفو والعافية والسلامة.
أدعياء الإنسانية هؤلاء الذين لا همّ لهم إلا النقد افتراءً، والكذب على الإسلام والشعائر والمشاعر الإسلامية نقول لهم: لا يعجبكم النحر، ويعجبكم الصعق بالكهرباء! ولا يعجبكم النحر، ويعجبكم إطلاق النار على رأس البهيمة! ولا يعجبكم النحر، ويعجبكم إلقاء البهيمة حيةً في “ماكينة” الفرم لصناعة “السجق” و”الهوت دوج”! هكذا أنتم.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “إن اللهَّ عز وجل كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قَتلتُم فأحسِنوا القِتلةَ، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذبحَةَ، وليُحِدَّ أحدُكم إذا ذبحَ شفرتَه، وليُرِحْ ذبيحتَه”، بل نهى أن تذبح الذبيحة أمام الذبيحة الأخرى، هذا هو ديننا الإسلامي العظيم.
السؤال نطرحه على بني جلدتنا حاملي لواء الحرب على الدين والإسلام: لماذا لا تتحدثون عن مذابح أسيادكم من الغرب للبشر؟! واليوم تدعي هذه الحضارات القاتلة، تدعي الإنسانية بتوبيخ المسلمين في ذبحهم الذبيحة في الشعائر والعبادات، ويتبعهم السذج الحقدة والحسدة المعوجين من أبناء جلدتنا مع الأسف.
الحرب العالمية الثانية مثلاً؛ شارك فيها أكثر من 100 مليون إنسان و30 بلداً، وقتل فيها 50 مليوناً إلى 85 مليون إنسان!
نعم إنسان لا شاة أو بقرة! وألمانيا خسرت فيها 12% من سكانها كما بينت ذلك الدراسات؛ وتم اغتصاب أكثر من مليوني امرأة ألمانية من قبل الجيوش المنتصرة؛ الروسية والبريطانية والفرنسية، وجاء بسبب ذلك أكثر من 30 ألف طفل مجهول الأب.
أما اليابان فأول لحظات انفجار “هيروشيما” قتل 80 ألف إنسان، و”نجازاكي” قتل 60 ألفاً؛ المجموع 140 ألف إنسان في الثواني الأولى من الانفجارين.
نعم الأرقام خيالية، ففي حرب واحدة فقط تفوق بقتلاها قتلى حروب المسلمين بكل حضاراتها على مد القرون وحروبها ودولها أضعافاً مضاعفة! ومع ذلك ناقصو العقول لا يرون الجريمة إلا في الإسلام، لأنه في يوم النحر يقول المسلم: بسم الله وينحر الشاة أو البقرة أو الجمل!
**********
الله يرفع الأذى وتداعيات الانفجار عن إخوتنا في لبنان، ويصلح العباد والبلاد، وعسى الله يقويهم ويثبتنا وإياهم لما يحب ويرضى جل جلاله.
______________________
إعلامي كويتي.