تراجعت السلطات المصرية، أمس السبت، عن تحصيل غرامات باهظة من أصحاب المباني المخالفة، وخفضت قيمة المخالفة الواحدة لخمسين جنيها للمتر في القرى (الدولار بنحو 16 جنيهاً)، عقب اندلاع حالة من الغضب بين المصريين وبروز حالات لمقاومة السلطات أثناء القيام بهدم المباني المخالفة، في مشهد درامي غريب وقف المصريون في حالة هلع، حيث تعلو الصرخات ويشتد الشعور بالذعر؛ ما اعتبره المصريون فاجعة.
وجاءت هذه الغرامات المالية المفاجئة بعد أن صار البناء المخالف في مصر واقعاً فرضته سياسات الحكومات المصرية على مدار عقود من الزمن، التي لطالما تجاهلت أبسط احتياجات المواطن المصري وهي توفير مأوى له عبر حقب طويلة من الزمن، وبعد أن تعامل المصريون مع قضية البناء المخالف على أنها ضرورة حتمية في ظل غياب البدائل أو في ظل تقديم الحكومة لما يسمونه بالبدائل غير العملية، بحسب مراقبين.
وفاجأت الحكومة المصرية الشعب بصحوة غير مسبوقة ضد المخالفات التي ارتكبها العامة، دون أصحاب رؤوس الأموال والمقربين من السلطة، وصفت بأنها قاسية للغاية ووصفها مواطنون بأنها لا ترحم ولا تبقى ولا تذر.
واعتبر مقربون من السلطة أن ما يجري هو حضور للدولة بعد غياب، حين أكد مسؤولو الحكومة أنه “لن يسمح بغياب الدولة المصرية مرة أخرى”، وتجاوز رأس السلطة بتصريحاته الأخيرة شكوك البعض في احتمالية تراجعه عن قراراته بخصوص ملف هدم المباني المخالفة، وذلك بتوجيهه لرسالة صريحة للمسؤولين مؤكداً: “أنا بقولها قدام الرأي العام على الهوا كده، من لا يستطيع الأمن تحمل مسؤوليته في مواجهة ملف التعديات يمكنه الاعتذار”.
بالمقابل، تعالت أنات المصريين المتضررين من قرارات الحكومة المصرية، وكذلك أصوات المتعاطفين معهم من الشعب المصري، تعبيراً عن السخط والاحتجاج من خلال تغريداتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
جباية
فبينما رأى مؤيدون أن هذا القرار يصب في صالح حضور الدولة وبسط سيطرة القانون في مواجهة الفوضى والعشوائية، سخر آخرون من هذه الفكرة ووصفوها بالحيل الساذجة، لكون الحكومة المصرية تنازلت عن فكرة هدم الأبنية المخالفة مقابل سداد مبالغ مالية من المخالفين فيما أسمته الرواية الحكومية بقانون التصالح، ووصفه المصريون بـ”الجباية” واستخدام شتى الوسائل لاستنزاف أموال الشعب المطحون والمضيق عليه مالياً.
في الوقت نفسه، برز انزعاج مسؤولي الحكومة من نشر فيديوهات إزالة المباني، مطالبين بعدم نشر هذا النوع من الفيديوهات ووصف قيام المسؤولين بتنفيذ القانون بأنه جزء من الصلاحيات التي تمنحها لهم الدولة.
في الوقت الذي بدت فيه قرارات الحكومة المصرية حاسمة في مسألة مخالفات البناء، بدا المشهد درامياً بشكل كبير لدى عدد كبير من المصريين المتضررين من تنفيذ الحكومة لقرارات الهدم، خصوصاً في صعيد مصر حيث الفقر المدقع وما أسماه البعض بغياب اهتمام الدولة لتوفير أبسط احتياجات المواطن المصري.
وما بين أنين المصريين الصارخين جزعاً من قرارات الحكومة المصرية وحسم الحكومة المصرية وما أسماه البعض بالخشونة الفظة في التعامل مع الشعب المصري، يبدو المشهد المصري ضبابياً ومنذراً بالكثير مما لا يمكن حتى توقعه، وكرد فعل أولي قامت مجموعات من المصريين بإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للتكاتف ضد قرارات الحكومة المصرية، فيما يشبه الثورة الإلكترونية.
وتذكر هذه التحركات بما جرى قبل ثورة يناير 2011 حينما أنشأ نشطاء صفحة “كلنا خالد سعيد” التي كانت المفجر الأول للثورة المصرية في يناير2011.
وبدا واضحاً تعطش المصريين إلى هذه المبادرات من خلال دعم هذه الصفحات المدافعة عن حق المصريين في الحفاظ على المأوى والمسكن والأمان، وبادر أحد المحامين ويدعى محمود نصر إلى رفع دعوى لدى مجلس الدولة بإيقاف العمل بالقانون.
وفي ظل صمت رجال الدين واختفاء صوت الأزهر في هذه الأحداث، تنطلق بعض الأصوات على استحياء للحديث عن حرمة إخراج الناس من البيوت وهدم البيوت بأي ذريعة على أصحابها، كذلك التصريح الذي وصفه البعض بـ”المرتعش” للداعية المصري عطية مبروك، الذي سرعان ما تراجع عنه مرة أخرى.
وفي ظل احتقان المصريين وإصرار السلطات على قراراتها بخصوص هذا الملف، يبقى الوضع السياسي في مصر ملتهباً، ويبقى المصريون على صفيح ساخن.