عبر عدد من الصحفيين المصريين عن غضبهم ورفضهم لإساءة وزير السياحة خالد العناني مؤخرا لزملائهم المكلفين بتغطية أنشطة الوزارة، مؤكدين على ضرورة اعتذار الوزير ووقف مثل هذه السلوكيات الشائنة التي تكررت من أكثر من مسؤول من قبل وكأنه سلوك ممنهج للنيل من الصحافة والصحفيين ومنعهم من أداء رسالتهم المنوط بها الرقابة والكشف عن أي فساد.
وطالبوا في تصريحات خاصة لـ”المجتمع” نقيب الصحفيين ضياء رشوان ومجلسه باتخاذ خطوات جادة ومواقف قوية للدفاع عن زملائه أعضاء الجمعية العمومية، خاصة أنهم كانوا يمارسون عملهم، مستنكرين صمت النقيب وعدم تحركه حيال هذه الممارسات، وفي الوقت نفسه أعربوا عن تقديرهم لموقف بعض أعضاء المجلس الذين أصدروا بيانا بتوقيعات شخصية بعيدا عن النقيب ومجلسه يدينون فيه ما جرى من وزير السياحة.
ومؤخرا شهد الوسط الصحفي حالة من الغليان والغضب بسبب ما قام به وزير السياحة خالد العناني من إهانة للصحفيين والتهديد بطردهم من مؤتمره الصحفي وإصدار تعليمات بعدم دعوتهم مرة أخرى لأي مؤتمر يخص الوزارة قائلا لهم: “اللي مش عاجبه مشوفش وشه هنا تاني”؛ لمجرد أنهم اعترضوا على عدم وجود مقاعد لهم حتى يتمكنوا من ممارسة عملهم.
وتسبب هذا الأمر في غضب الصحفيين المكلفين بتغطية أخبار الوزارة؛ حيث تقدموا بشكوى لنقيب الصحفيين ومجلس النقابة، لكن لم يتحرك النقيب بالسرعة المطلوبة، فقام عدد من أعضاء المجلس بإصدار بيان بتوقيعات شخصية يدينون فيه الواقعة.
ورغم صدور بيان من الوزير لاحقا بشأن الواقعة يرحب فيه بالتعاون مع الصحفيين إلا أنه رُفض من جانب الصحفيين الغاضبين لأنه لم يتضمن أي اعتذار، في الوقت الذي رحب به نقيب الصحفيين ضياء رشوان؛ وهو ما أغضب الصحفيين منه، فبادر بدعوتهم لعقد اجتماع طارئ بالنقابة لمناقشة الأزمة.
موقف متخاذل
من جانبه قال الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة سابقا قطب العربي: “ما فعله وزير السياحة هو جزء من مناخ عام يحتقر مهنة الصحافة والإعلام ويراها مجرد خادم للنظام وليست سلطة مستقلة تمثل عين الشعب”.
وأضاف العربي في تصريحات لـ”المجتمع”: “الوزير تعامل مع الصحفيين بوصفهم موظفين تابعين وليسوا إعلاميين مستقلين، وهو حين تطاول عليهم لم يكن يشعر بأي مشكلة بل كان يعتبر ذلك سلوكا طبيعيا منه حيث إنه أنفق ٧٥٠ ألف جنيه على المؤتمر الصحفي، ويريده أن يخرج بالشكل الذي يتمناه هو وليس وفقا للمعايير الصحفية المهنية المعروفة”.
واعتبر العربي أن ما حدث من الوزير ليس الأول من نوعه فقد سبقه العديد من الحالات التي تم فيها طرد صحفيين ومصورين أو منعهم ابتداء من حضور تغطيات ميدانية سواء عن طريق رجال الشرطة أو عن طريق موظفي الوزارات المنفذين لتعليمات رؤسائهم، وكل ذلك في سياق تدجين الصحافة ونزع أنيابها وتحويلها إلى مجرد أبواق دعاية.
وضمن هذه الجهود لتدجين الصحافة وقمعها جرى اعتقال العشرات ومنع آخرين من العمل أو فصلهم لتخويف الباقين وإجبارهم على الصمت أو السير في الخطوط المرسومة، ووصف موقف النقابة بأنه متخاذل باستثناء موقف أعضاء مجلس النقابة الذين عبروا عن غضبهم في بيان خاص بهم، مؤكدا أن نقيب الصحفيين ومعه عدد من قادة المجلس أصبحوا معبرين عن النظام وليس عن الصحفيين.
الإساءة للصحفيين منهجية
وعبر عضو لجنة الحريات بنقابة الصحفيين أحمد فراج عن استغرابه من تعامل الوزير بهذه الطريقة وهذه الجرأة مع الصحفيين المكلفين بتغطية أخبار الوزارة والتخديم عليها إعلاميا ؛وهو ما يحتم على الوزير أن يتعامل معهم بكل احترام وتقدير؛ لأنه لو كان هناك أي إنجاز للوزارة أو الوزير فهم شركاء فيه بالترويج له، وتوصيله للرأي العام، وهذا ما يجب أن يشكرهم الوزير عليه رغم أنه عملهم لأن بدونهم لا يعرف أحد شيئا عن الوزير أو وزارته، ولو كان هناك أيضا مخالفات وتم النشر عنه فهذا أيضا شيء جيد؛ لأنهم ينبهون الوزير إلى مواطن الخلل والفساد لإصلاح وزارته والتخلص من الفاسدين الذين يسيئون له ولوزارته وهذا شيء طيب أيضا .
وأضاف لـ”المجتمع”: “ما جرى هو حلقة في سلسلة من استهداف الصحافة والصحفيين في مصر سواء بالحبس والقمع أو الفصل من العمل أو إساءة التعامل معهم وعدم تسهيل مهامه كما ينص القانون على ذلك باعتبار أن المهنة هي مهنة تنوير من ناحية، ومهنة مراقبة من ناحية أخرى، لكن يبدو أن النظام الحالي في مجمله يحمل كراهية شديدة للصحافة والإعلام بشكل عام باعتباره كاشفا لعوراته وفشله وقمعه واستبداده، وعليه أصبح التعامل مع الإعلام بهذا الشكل منهجية متبعة بداية من أعلى سلطة في الحكم مرورا بالمؤسسات بالدولة والوزراء، وانتهاء ببعض المسئولين الصغار، وهذا شيء خطير يعكس تدهور وضع الصحافة والصحفيين بمصر .
وحول موقف النقابة قال: “للأسف هناك تراجع كبير وواضح لدور النقابة والنقيب في الذود عن المهنة، وعن أعضاء النقابة بالجمعية العمومية، وهذا ما تكشَّف بشكل كبير في استمرار قمع الصحفيين بحبسهم وفصلهم من أعمالهم دون قدرة من النقيب ومجلسه على التصدي لهذه الممارسات ووقفها؛ وهو ما أغرى السلطة بالتغول على المهنة على كافة الأصعدة، ومن بينها ما جرى بواقعة وزير السياحة مع الصحفيين المكلفين بتغطية وزارته، وجاء رد النقيب مخيبا لجموع الصحفيين سواء في التباطؤ باتخاذ موقف أو ترحيبه ببيان الوزير الذي لم يقدم أي اعتذار.
وأضاف: لكن في المقابل يجب الإشادة بموقف عدد من أعضاء المجلس الذين أصدروا بيانا بتوقيعات شخصية يستنكرون الواقعة، وهذا ما استطاعوا فعله نظرا لعدم توافق المقبل وبعض الآخرين على هذه الخطوة، وهذا شيء غير طيب؛ لأن المفروض أن يكون المجلس ونقيبه على قلب رجل واحد، لكن تبقى حسابات النقيب مع السلطة هي التي تجعله لا يقوم بما يستوجبه منصبه كنقيب تجاه زملائه.
غياب المحاسبة
وبدوره قال الإعلامي مصطفى إبراهيم إن تعمد الوزير إهانة الصحفي جزء من عداء النظام الحاكم في مصر وأركانه للصحافة والإعلام والكلمة، ولذلك فهو ينظر إلى أي شخص يعمل في الإعلام على أنه عدو؛ لأن من طبيعة عمله نقل الأخبار والحقائق إلى الناس، في الوقت الذي يعتم فيه النظام الحالي على الأخبار، ويحجب المعلومات عن الناس، ويحول دون وصول الحقيقة إلى الشعب، وبالتالي أصبح كل ناقل للحقيقة ولو بأقل درجة عدواً لدوداً في نظر رجال الدولة، وبالتالي أصبح هدفاً مشروعاً للنظام وأركانه.
وأضاف إبراهيم لـ”المجتمع” أن “ما قام به الصحفي من صميم عمله وهو مكلف به من قبل المؤسسة الصحفية التي يعمل بها، ويتقاضى راتبه لنقل أخبار الوزارة المكلف بها، وليس عملاً فضوليا أو تطفلاً من قبل الصحفي الذي تحتم عليه طبيعة عمله نقل أخبار الوزارة والتقصي عن المعلومات وسؤال القائمين على تلك الوزارة عن كل صغيرة وكبيرة، والاستفسار عما يدلي به كبار المسئولين في تلك الوزارة، وهو ما يوجب على الوزير وأعوانه الرد على هذه الاستفسارات والإجابة عن تلك التساؤلات.
وفسر إبراهيم الجرأة من قبل وزير السياحة وتعمد الإهانة إلى اطمئنان الوزير أنه لن يحاسَب ولن يعاقب؛ بل وقد لا يسأل عما فعله مع الصحفي بسبب شيوع مناخ قهر الصحفيين واعتقالهم والقبض عليهم وتلفيق التهم لهم، وتشويههم من قبل الأذرع الإعلامية للنظام، وبالتالي فإن الوزير قلبه مطمئن أنه لن يناله أي عقاب أو جزاء جراء فعلته تلك، ولن يلومه أحد لإهانته للصحفي.
وأكد إبراهيم أن هدف النظام الحالي هو إخراس الصحفيين وإسكات الإعلاميين والإبقاء فقط على أذرعه الإعلامية التي ينفق عليها المليارات؛ لتنافقه وتبرر له قمعه للشعب المصري بصفة عامة وللمعارضين والصحفيين بصفة خاصة، داعياً المجتمع الدولي إلى الضغط على النظام الحالي لفتح الحريات وإنهاء مناخ القمع والتضييق الممارس على الشعب المصري وعلى الصحافة والإعلام.