مع دخول العام الجديد، بدأ العد التنازلي للانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، التي سبق أن حددت الحكومة موعداً لها في السادس من يونيو المقبل، وتشغل قضية نزاهة الانتخابات حيزاً كبيراً من اهتمام القوى السياسية العراقية المختلفة، إلى جانب المجتمع الدولي المعني بتحقيق الاستقرار في البلد الذي لا يزال يعيش اضطرابات سياسية وأمنية منذ احتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003.
جهود محلية
محلياً، عقدت الرئاسات العراقية الثلاث، أول أمس الثلاثاء، اجتماعاً في العاصمة بغداد بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ووزير الخارجية فؤاد حسين، وأعضاء مفوضية الانتخابات، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، بُحث فيه سبل ضمان نزاهة الانتخابات.
وقالت الرئاسة العراقية، في بيان، وصل “المجتمع” نسخة منه: إن الرئاسات الثلاث؛ رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، شددوا على ضرورة اتخاذ كافة التدابير والاستعدادات الكفيلة بإجراء الانتخابات المبكرة، عبر توفير الشروط الضرورية التي يمكن أن تضفي على نتائجها أقصى درجات المصداقية، وتضمن التمثيل الحقيقي لجميع العراقيين، وتمكينهم من اختيار ممثليهم من دون تأثيرات وضغوط، وبعيداً عن سطوة السلاح، لتكون نتائجها متوافقة مع الإرادة الشعبية وإيمانها الكامل بتمثيلهم في الحكومة ومجلس النواب.
وأضاف البيان: شدد المجتمعون على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لمنع حصول التزوير والتلاعب في جميع خطوات العملية الانتخابية، بدءاً من تصويت الناخبين، مروراً بعملية العد والفرز، وصولاً إلى إعلان النتائج، كما لا بد من أن تراعى النزاهة والشفافية في مختلف مراحل إجرائها، وأن تتم دعوة مراقبين دوليين بصورة جادة للتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة.
وأشار المجتمعون إلى أن فرصة المشاركة في الانتخابات يجب أن تكون متاحة لجميع العراقيين بمختلف أطيافهم، وحسم المسائل العالقة التي يمكن أن تحول دون ذلك، وتوفير المستلزمات القانونية والإدارية لمشاركة النازحين والمهجرين وغيرهم، حسب البيان.
وتابع: تم التأكيد على أهمية زيادة نسبة التسجيل البايومتري، ووضع الآليات التي تساعد في عملية التسجيل لغرض اعتماد البطاقة البايومترية حصراً في الانتخابات القادمة، واستكمال التشريع المتعلق بقانون المحكمة الاتحادية في أقرب وقت، مؤكدين ضرورة دعم مفوضية الانتخابات من قبل مؤسسات الدولة والأجهزة الساندة ذات العلاقة، وتوفير الموارد البشرية والمالية من أجل إنجاح تنظيم الانتخابات.
يشار إلى أن التسجيل “البايومتري” هو عملية تسجيل بيانات الناخبين الحيوية التي تشمل بصمات الأصابع، والصورة الشخصية للناخب، ومجموعة أوراق ثبوتية، الهدف منها تهيئة سجل ناخبين دقيق يضمن حق الناخب في المشاركة.
جهود دولية
على الصعيد الدولي، كشف مستشار رئاسة الوزراء العراقية لشؤون الانتخابات عبدالحسين الهنداوي، الإثنين الماضي، أن مجلس الأمن الدولي يدرس حالياً قرار المراقبة الدولية على عملية المراقبة للانتخابات العراقية، مشيراً إلى أن بلاده بصدد دراسة واختيار الأفضل في مشاريع المراقبة الانتخابية المقدمة من مجموعة من الدول.
وقال الهنداوي، في تصريح لـ”وكالة الأنباء العراقية” الرسمية: إن مجلس الأمن الدولي يدرس حالياً قرار المراقبة الدولية على عملية المراقبة للانتخابات العراقية، إلى جانب اهتمام كبير لمجموعة من الدول، قدمت من خلالها عدة مشاريع، تخص المراقبة الانتخابية.
وأضاف أن معايير دراسة مشاريع المراقبة المقدمة تعتمد بالنسبة لنا على ما يحمي السيادة الوطنية من جهة، ويحقق رقابة جيدة لمسار الانتخابات من جهة أخرى، مؤكداً أهمية المراقبة الانتخابية لإعادة الثقة بالعملية الانتخابية من قبل المواطنين.
وتابع الهنداوي بالقول: إن هناك ثلاثة مستويات للرقابة؛ الأول الرقابة الحزبية لكافة المشاركين في التنافس الانتخابي، والثاني المراقبة الوطنية من شبكات المراقبة التي تمتلك خبرات ممتازة في متابعة الانتخابات، إذ بلغ مجموع هذه الشبكات 20 ألف مراقب عراقي محترف، كما يمكن خلق ودعم شبكات جديدة ضمن هذا المستوى للمحامين والقضاة والمفكرين والأدباء، والمستوى الثالث، الرقابة الأممية وتكون بإدارة الأمم المتحدة.
تزوير الانتخابات
جدير بالذكر أن عمليات الانتخابات التي جرت في العراق منذ عام 2003 حامت حولها شبهات التزوير التي تحدثت عنها تقارير حقوقية دولية، آخرها تقرير أممي رصد الظاهرة في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2018.
التقرير الذي قدمه الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السابق في العراق، يان كوبيتش، في كلمة له خلال إحاطته لمجلس الأمن حول أوضاع العراق بتاريخ 30 مايو 2018، قال فيه: إنه تم تسجيل بعض عمليات التزوير في الانتخابات وترهيب من قبل جماعات مسلحة.
وأضاف كوبيتش أن الانتخابات اتسمت بانخفاض إقبال الناخبين (نحو 44%)، وقرار أكثر من نصف المصوتين بعدم ممارسة حقهم الديمقراطي يبعث بإشارة قوية إلى ممثليهم.
وإثر التقرير الأممي، شكل مجلس النواب العراقي (البرلمان) لجنة لتقصي الحقائق، قالت في تقرير لها بتاريخ 13 يوليو 2018: إن 3 ملايين بطاقة انتخابية جرى تزويرها خلال الانتخابات البرلمانية.
وصرح رئيس اللجنة عادل نوري أن نسبة التزوير تجاوزت 20%، وأن فريق القضاة المكلف بمراقبة الانتخابات لم يطبق القواعد واللوائح التي تضمن نزاهة عملية الاقتراع.
وأشار رئيس لجنة تقصي الحقائق النيابية إلى عدم اعترافه بإجراءات فريق القضاة، ومجلس النواب المقبل، إضافة إلى عدم اعترافه بحكومة تتشكل على أساس نتائج مزورة.
من جهته، قال نائب رئيس الجمهورية العراقية حينها إياد علاوي، في معرض تعليقه على نتائج الانتخابات: إن النتائج تشير إلى أن الانتخابات الأخيرة كانت مهزلة.
وقال علاوي، في بيان صدر عن مكتبه، في 7 يوليو 2018: إن نسبة التزوير التي أظهرتها عمليات العد والفرز اليدوي في بعض مراكز محافظة كركوك أكدت بما لا يقبل الشك أن الانتخابات الأخيرة كانت مهزلة كبرى وجريمة بحق الشعب العراقي لا يمكن السكوت عليها.