أكد المؤرخ الفرنسي ماكسيم غوان أنه لا يمكن تصنيف أحداث عام 1915 على أنها “إبادة جماعية”، وأشار إلى أنه لم تحدث مذابح جماعية ممنهجة ضد الأرمن.
وفي مقابلة أجراها وقف الأمن التركي-الأمريكي ومقره نيويورك، مع المؤرخ الفرنسي كشف الأخير أن 350 ألف مواطن عثماني من الأرمن تم إعفاؤهم من التهجير.
وأشار إلى كون قرار تهجير الأرمن في الأساس قراراً معقولاً مستنداً إلى أسباب متعلقة بالأمن القومي يدل على أن ما حدث لم يكن إبادة جماعية.
لا يمكن تصنيف أحداث عام 1915 على أنها “إبادة جماعية” وهناك دلائل تدعم ذلك
وتعاون القوميون الأرمن مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.
وعمدت العصابات الأرمينية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلتها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي.
ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة العثمانية، في 24 أبريل 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء “الإبادة الأرمنية” المزعومة، في كل عام.
وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية رغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.
الحكومة المركزية (العثمانية) أصدرت قرارات واضحة لحماية الأرمن وعاقبت المتهمين المتورطين بالأحداث
وأوضح غوان أن من الدلائل القوية على عدم حدوث إبادة جماعية ممنهجة، وجود أوامر واضحة أصدرتها الحكومة المركزية لحماية المواطنين الأرمن، ومعاقبة المتهمين المتورطين بالأحداث التي وقعت في الفترة من 1915 إلى 1917.
ولفت إلى أنه بدأ أبحاثه حول أحداث 1915 في 2006 -2007 وأنه كتب رسالته للدكتوراه حول الموضوع في الفترة من 2011 إلى 2019.
وبين المؤرخ الفرنسي، أنه كتب الرسالة بعد مطالعة وتدقيق آلاف الوثائق والتسجيلات الصوتية وأنه حول الرسالة إلى كتاب بعنوان “العلاقات بين فرنسا واللجان الثورية الأرمنية في الفترة من 1918 إلى 1923”.
صدمة من تقرير البرلمان الفرنسي
ووصف غوان تقرير البرلمان الفرنسي الذي يشرعن المزاعم الأرمنية حول أحداث 1915 بأنه “صادم”.
من غير المقبول الحديث عن الضحايا الأرمن وتجاهل الضحايا المسلمين
وانتقد موقف البرلمان الفرنسي بخصوص الموضوع قائلاً: “من غير المقبول الحديث عن الضحايا الأرمن وتجاهل الضحايا المسلمين”.
وكشف أن كتاب “معاملة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية” المعروف في تركيا باسم “الكتاب الأزرق” الذي اعتمد عليه تقرير البرلمان الفرنسي، يحوي العديد من المعلومات المغلوطة.
ولفت إلى أن المؤرخ الأمريكي جاستن ماكارثي أوضح أن أرنولد توينبي، مؤلف الكتاب المذكور، رفض تضمين بعض المعلومات والعبارات في كتابه بحجة أنها “تفتقر للمصداقية”.
كما أشار غوان إلى أن المؤرخ الأرمني أرام أندونيان أيضاً لفق الكثير من الوثائق المزورة في كتابه “مذكرات/ برقيات نعيم بك” لإثبات أن أحداث 1915 كانت إبادة جماعية.
فقدان ذاكرة مأساوي لدى الحكومة الفرنسية
350 ألف مواطن عثماني من الأرمن تم إعفاؤهم من التهجير
ووفق غوان، فإن الشرطة الفرنسية نفذت عمليات ناجحة ضد منظمة أسالا الإرهابية (الجيش الأرمني السري لتحرير أرمينيا) في الثمانينيات.
وبخصوص مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مأدبة طعام أقامها أرا تورانيان الزعيم السابق لمنظمة أسالا الإرهابية، قال غوان: “بخصوص ما فعله ماكرون أفضل أن أقول: إن هذا يعد فقدان ذاكرة مأساوي في قمة إدارة البلاد. وهذا الوضع ليس مرتبطاً بمسألة الأرمن فقط.”
ولفت المؤرخ الفرنسي، إلى أن هناك مقترحات قوانين مختلفة قدمت للبرلمان الفرنسي تنص على تجريم إنكار الادعاءات الأرمنية بخصوص أحداث عام 1915 إلا أنها فشلت.
وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عملية التهجير عام 1915 على أنها “إبادة جماعية”، وبالتالي دفع تعويضات.
وبحسب اتفاقية 1948، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فإن مصطلح “الإبادة الجماعية”، يعني التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية.
وتؤكد تركيا عدم إمكانية إطلاق صفة “الإبادة الجماعية” على أحداث 1915، بل تصفها بـ”المأساة” لكلا الطرفين.
وتدعو أنقرة إلى تناول الملف بعيدا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور “الذاكرة العادلة”، الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة الأحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.
وتقترح تركيا القيام بأبحاث حول أحداث 1915، في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراكا وأرمن، وخبراء دوليين.