العتق من النار أمر عظيم وليس له قياس في الدنيا؛ بل هو خير من الدنيا وما فيها، ومن ظفر في هذه الوثيقة -العتق من النار- فقد فاز فوزاً عظيماً، وهي وثيقة عظيمة يكرم الله تعالى فيها عباده بعتقهم من النار في الآخرة وهم ما زالوا في الدنيا.
لعل البعض يتساءل: كيف أحصل على تلك الوثيقة؟ نعم.. فقد سهلها الله تعالى للعباد وبيَّنها بأبسط مما نتوقع، وذلك ظاهر بقول النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان وامتيازات هذا الشهر الذي منّ الله تعالى به علينا ونحن نعايش صيامه وقيامه وأجواءه، نسأل الله تعالى القبول منا جميعاً، وأن يبارك لنا فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً وثيقة العتق: “إن لله عند كل فطرٍ عتقاءَ، وذلك في كل ليلة”، وفي رواية زاد فيها: “لكل عبد منهم دعوة مستجابة”.
هذا العتق، لا شك، المعني به أنه في شهر رمضان، فلذلك كل إنسان ذكي فطن حينما يسمع هذه الروايات أو يطلع عليها، لا بد أن يبذل كل الجهد عملاً بما يرضي الله والإخلاص له تعالى ليظفر في هذه الوثيقة التي تعتقه من النار، ويضمن الجنة في استلامها، جعلنا الله وإياكم من أهلها، وكم سهلها لنا الله تعالى برحمته.
نقول لأنفسنا أولاً، ولا نبرّئها، ولأصحاب الذنوب والمعاصي مهما كبرت تلك الذنوب، ومهما تمادى فيها العبد: لا يقنط من رحمة الله تعالى، فالقنوط مرفوض وإن كنت من المسرفين ذنباً، لا تتردد من السعي لنيل هذه الوثيقة، ولا تستكثرها على نفسك بصفتك من أهل الذنوب والكبائر، إن الله يغفرها فهو الغفور الرحمن الرحيم؛ قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، هذا في عموم أيام السنة، فما بالك ونحن في شهر الرحمة والمغفرة، فبادر أخي واقتنص الغنيمة لتمتلك وثيقة من أعظم الوثائق؛ وثيقة عتق رقبتك من نار جهنم في هذا الشهر الفضيل شهر المغفرة.
هنيئاً لكل من سعى لاستلام الوثيقة ومن ثم زحزح عن النار وأدخل الجنة، وهو في هذه الحياة التي هي متاع الغرور، فما عليك أيها العبد إلا المبادرة بالعمل لله تعالى مخلصاً له، نعم الإخلاص لله وليس للناس، وكما قيل: متى يعلم العبد أنه من المخلصين؟ قال: إذا بذل المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة عند الناس؛ أي كان همه الله تعالى ورضاه وعدم غضبه؛ وتحاشى مديح الناس في عمله.
وهذه الوثيقة -العتق من النار- لها شروط لنيلها حتى في غير شهر رمضان المبارك:
أولها: اللين مع الناس والأهل، ولا شك مثل هذا حرم الله عليه النار.
ثانيها: من أحسن تربية بناته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجاباً من النَّار” (رواه الترمذي عن عائشة).
ثالثاً: اقتناص الفرص والأوقات التي ميزها الله تعالى في عطائه للعبد وكرمه له وهو أكرم الأكرمين مثل استثمار المواسم، الحج ورمضان بالاجتهاد عبادة وتعاملاً مع الذات والناس، وكما ذكرنا آنفاً: “إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ..” من ليالي رمضان.
رابعاً: الصوم في رمضان لله فيه عتقاء في كل ليلة عند الإفطار، وفي غير رمضان تصوم النوافل كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “الصوم جُنة يستجن بها العبد من النار”.
خامساً: الحرص كل الحرص من العبد على صلاتي الفجر والعصر في المساجد جماعة، فهاتين أيضاً من أسباب استلام العبد وثيقة البراءة من النار والنجاة منها بفضل الله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، يَعْنِي الفَجْرَ وَالْعَصْرَ”.
سادساً: الإخلاص في العمل والنية وفي أسهل الأعمال، وأسهل مما يتصور العبد ينال بها هذه الوثيقة العظيمة، وثيقة النجاة من النار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَومَ القِيَامَةِ، يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي به وجْهَ اللَّهِ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه النَّارَ”، نعم الإخلاص، يقول ولا يبتغي سوى وجه الله.
سابعاً: وهي مسألة خلقية تربوية تنال من خلالها وثيقة العتق من النار كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدفاع عن أخيك المسلم حينما يغتابه من يغتاب، كما قال صلى الله علبه وسلم: “من رد عن عرض أخيه في الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة”.
ثامناً: اقتناص هذا الشهر العظيم بالأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى، ومن أحب الله تعالى أحبه الله وكما ذكرنا في البداية: “إن لله عتقاء في كل يوم وليلة”.
نختم بهذه المعلومة النبوية: “إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ”.
___________________
إعلامي كويتي.