“هل تغير الخطاب الإعلامي الغربي بشأن الأزمة الفلسطينية الأخيرة؟”.. سؤال من الأهمية بمكان حاول مرصد الأزهر الشريف بمصر الإجابة عنه في تقرير حديث له، مؤكدا أن القضية الفلسطينية ستظل محور الساحة الإعلامية إلى أن تضع الحرب أوزارها، مشيرا إلى أن تغيرا طفيفا حدث بالفعل في متابعة الشأن الفلسطيني لدى الغرب تحت ضغط الانتهاكات الصهيونية وظهورها في مواقع التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا”، ولكنه جاء محملا بطعم التشويش على المقاومة خاصة حركة حماس.
قضية محورية
وقال مرصد الأزهر في تقريره الذي وصل مراسل “المجتمع” نسخة منه: “على مدار عقود، ومهما تغيرت الملابسات والظروف، تظل القضية الفلسطينية تستحوذ على الساحة الإعلامية العالمية كلما تطورت الأمور بين الطرفين (الفلسطيني والصهيوني) إلى حد حالة الحرب كما حدث في التصعيد الأخير الذي استمر على مدار 11 يومًا”.
وأضاف أن الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني معركة أبدية بدأت عندما أعطى من لا يملك وعدًا وأرضًا لمن لا يستحق؛ ما أسفر عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت حكم الصهيوني الغاشم منذ عام 1948 وحتى اليوم.
لأول مرة نرى وسائل إعلام غربية تندد بأعمال حكومة الاحتلال الصهيوني، وقصفها لأحياء المدنيين، وقتل الأطفال والنساء
وأشار إلى أن ما حدث هذا العام خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الماضي عندما حاولت قوات الاحتلال الصهيوني تهجير أهالي حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية من منازلهم، هو فصل جديد من التنكيل والتهجير.
التقرير الذي أعدته وحدة اللغة الإنجليزية بالمرصد أكد أنه يبدو من متابعة وسائل الإعلام الغربية أنها انتهجت هذه المرة لغة خطاب إعلامي مختلفة عن كل مرة؛ فلأول مرة نراها تندد بأعمال حكومة الاحتلال الصهيوني، وقصفها لأحياء المدنيين، وقتل الأطفال والنساء.
وأكد أن هذه المرة ظهر على الساحة خلال الاعتداءات الأخيرة بعض الاعتراض من قبل المنتمين للحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة؛ حيث نشرت صحيفة نيويورك بوست في 24 من مايو خبرًا مفاده توقّيَع أكثر من 500 موظف ديمقراطي وأعضاء سابقين في فريق الحملة الانتخابية للرئيس “بايدن” على رسالة مفتوحة تدعو الرئيس إلى “إدانة الاحتلال الصهيوني إدانة قاطعة” في خضم الصراع الأخير مع الفلسطينيين.
وأشار التقرير إلى موقف “مايك بنس”، نائب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترمب” حيث ألقى باللوم على حكومة “نتنياهو” لتبنيها توجُّهًا يمينيًّا متطرفًا؛ كما كان في كلماته إشارة إلى أن حكومة أخرى أكثر اعتدالًا قد يكون لها دور في إنهاء الصراع مع الاحتلال الصهيوني.
وأشار التقرير إلى أن جريدة “نيويورك تايمز” -على سبيل المثال- نشرت بعض المقالات التي تروي فيها شهادات أهالي فلسطين من “الغزاوية” وممن يسكنون “الضفة الغربية” و”القدس” الشريفة، تحمل بقايا من أمل؛ رغم أنها أخذت موقفا مسبقا من إدارة حركة حماس لقطاع غزة.
وأوضح أن أحد المقالات التي نشرتها نيويورك تايمز في 22 مايو الماضي جاء بعنوان “الحياة في ظل الاحتلال”، وهو ما يحمل تغيُّرًا في استراتيجية تناول القضية الفلسطينية؛ حيث تصف صحيفة “نيويورك تايمز” الكيان الصهيوني بـ”الاحتلال”.
الخطاب لم يتغير في ذاته، فلا لوم في مبدأ “الاحتلال” نفسه، وإنما اللوم على بعض الممارسات والقرارات غير الحكيمة
ورغم ذلك، يرى مرصد الأزهر أن الخطاب الإعلامي لم يتغيَّر حقيقة، لكن ما تغيَّر هو تناول الإعلام للقضية الفلسطينية؛ حيث نجد هذه المرة تغيُّرًا في استراتيجيات عرض القضية، فلم تَعُد القضية صراعًا بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، بل أصبحت صراعًا بين حكومة الكيان أو حكومة الاحتلال وحركة حماس، أو بمعنى آخر صراع بين كيانيْن حكوميِّيْن تسبَّبت قراراتهما غير الحكيمة في جلب الخراب والدمار لشعوبهما.
وأشار المرصد إلى أن من هذه الزاوية يتضح أن الخطاب لم يتغير في ذاته، فلا لوم في مبدأ “الاحتلال” نفسه، وإنما اللوم على بعض الممارسات والقرارات غير الحكيمة؛ ما أسفر عنه كل هذا الدمار الذي تراه تلك الوسائل الغربية على الجانبيْن على حد سواء.
تدليس وتشويش!
“الجارديان” البريطانية جاءت المضامين فيها متشابهة مع “نيويورك تايمز” حيث تحدثت عن الصراع، وكأنه صراع بين السلطات الحاكمة في تقرير بعنوان “تحمل العبء الأكبر.. معاناة الأطفال في الصراع بين غزة وإسرائيل” الصادر بتاريخ 19 مايو الماضي.
وأشار إلى أن معظم التقارير تشير إلى جدار الفصل العنصري على أنه “جدار عازل”، ولا يشرح أو يفسر مراسلو القنوات والوسائل الإعلامية في القدس السياقَ التاريخي للنضال الفلسطيني، ولا يصفون القدس على أنها “القدس المحتلة”، كما تعمدت وسائل الإعلام في الغرب مرارًا نقل الأحداث عن فلسطين عبر تغطية غير أمينة أو واقعية خاصة الجرائم الصهيونية التي وقعت في حي “الشيخ جراح” رغم أنها” ليست سوى ذرة غبار في صحراء الويلات الفلسطينية” بحسب تعبير المرصد.
ما زال هناك بعض المنصات الإعلامية التي تهاجم الشعب الفلسطيني، وتحاول أن تحوِّل القضية إلى قضية دينية عقائدية فقط
ولفت المرصد الانتباه إلى أنه ما زال هناك بعض المنصات الإعلامية التي تهاجم الشعب الفلسطيني، وتحاول أن تحوِّل القضية إلى قضية دينية عقائدية فقط، مثل شبكة “فوكس نيوز” التي اختارت التعامل مع الأمر وكأن الكيان الصهيوني دولة مغلوبة على أمرها تعيش بين أعدائها، وأن ما تفعله ما هو إلا محاولات للدفاع عن حقها في الوجود، بحسب زعم الإذاعي “دينيس بريجر” في برنامج “فوكس نيوز برايم تايم”.
واستهجن المرصد بذل صحيفة “نيويورك تايمز” قصارى جهدها للبقاء على الحياد، استخدامها المتكرر لمصطلح “مسلحو غزة” على وسائل التواصل الاجتماعي بديلا عن المقاومة متسائلا: “لماذا تحرف وسائل الإعلام في الغرب صورة النضال الفلسطيني وتُصدِّر صورة خاطئة ومغلوطة عنه؟”.
الاجابة كانت على لسان المراسلة السابقة لصحيفة “إندبندنت” البريطانية “سارة هيلم” حيث قالت بحسب التقرير: “إنك دائمًا ما تتعرض لضغط خاص مع (تغطية الأحداث في إسرائيل وفلسطين) بسبب وجود ضغط إعلامي إسرائيلي مكثف ومتضافر، ويتضمن ذلك ضغطًا سياسيًّا إسرائيليًّا مكثفًا يعمل على كل المستويات، وكان ذلك موجودًا دائمًا”.
مواقع التواصل
التقرير عزا ظهور عدد متزايد من الديمقراطيين في واشنطن ينتقدون المعاملة القاسية من جانب الكيان الصهيوني للفلسطينيين، إلى نجاح رواد وسائل التواصل الاجتماعي في إظهار الآثار التدميرية الهائلة للحرب الأخيرة ضد الفلسطينيين من خلال إظهار مستوى الدمار في قطاع غزة والضحايا، لا سيّما الأطفال، والتي ربما تكون قد نقلت ولأول مرة جزءًا من الصورة الحقيقية للأمريكيين والغربيين المنصفين.
الإجراءات المتعلقة بالفضاء الافتراضي وفّرت للضحايا القدرة على أن يكون لهم صوت، وعلى إظهار معاناتهم
وأضاف أن هذه الإجراءات المتعلقة بالفضاء الافتراضي وفّرت للضحايا القدرة على أن يكون لهم صوت، وعلى إظهار معاناتهم وفقدانهم لمنازلهم وأحبائهم، وحثت على القيام بدور دولي وحشد الأصوات بما في ذلك المشاهير؛ حتى يعربوا عن تعاطفهم مع الضحايا.
وانتقد التقرير تبني موقع الفيسبوك موقفًا محيِّرًا بشأن التعاطي مع الصراع الأخير؛ حيث أُثيرت الشكوك حول صفحة على موقع الفيسبوك تسمى Jerusalem Prayer Team أضافت الملايين من المستخدمين دون علمهم.
كما انتقد التقرير موقع “إنستجرام” المملوك لشركة فيسبوك حيث حذف صورا للمسجد الأقصى، وكذلك حذف عددا من الوسوم التي تحمل الاسم نفسه سواء باللغة العربية أو الإنجليزية.