تتسارع وتيرة انتشار القتل على أساس الهوية في بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر حيث موانئ السودان الرئيسة، في حين يتسم تعامل السلطات الحكومية مع الأحداث ببطء وتهاون يبلغ حد الاتهام بالتآمر، حسب ناشطين.
وبعد أيام من التوتر في بورتسودان وحوادث القتل المتفرقة أمست المدينة الساحلية على حادثتي تفجير، أمس السبت، في تطور لافت للصراعات القبلية بالسودان.
فعند الساعة الثامنة جرى استهداف متزامن لفندق البصيري بسوق المدينة ونادي الأمير بسوق “سلبونا” بقنابل يدوية، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 6 آخرين.
وطبقا لبيان أصدرته لجنة أمن ولاية البحر الأحمر بعد أكثر من 12 ساعة على الحادثة فإن شخصين على متن دراجة نارية ألقيا قنبلتين يدويتين على جمع من المواطنين بأحد الأندية بسوق سلبونا، ما أدى إلى وفاة 3 رجال وامرأة وإصابة آخرين، وقُبض على الجاني.
ومن بين الضحايا حسن بابكر وهو من الناشطين الشباب في مجتمع المدينة، ومحمد ميرغني رئيس نادي الأمير السابق.
وأكد البيان تزامن الحادثة مع إطلاق قنبلة يدوية أخرى على فندق البصيري بلازا بالسوق الكبيرة اصطدمت بالمولد الكهربائي، ولم تسفر عن خسائر في الأرواح.
قتل وحصار
ويحمّل ناشطون في بورتسودان الحكومتين الولائية والاتحادية ما آلت إليه الأوضاع في بورتسودان، ويرون التفجيرات التي استهدفت مناطق خارج دائرة الصراع القبلي بين قبيلتي البني عامر والنوبة في أحياء دار النعيم وفليب، تطورا طبيعيا.
ويؤكد الناشط صالح أحمد وهو من قبيلة البني عامر، للجزيرة نت، أن ما حدث تتحمل تبعاته السلطات الحكومية بالكامل.
ويشير إلى أن مدينة بورتسودان تعيش توترا لافتا منذ أيام مع استمرار حصار السلطات حي دار النعيم، وتقييد الخروج والدخول على معبر واحد، ومعاقبة كل من يسلك غيره بالقتل.
وفي يونيو/حزيران الماضي قُتل أستاذ جامعي في كلية علوم البحار من أبناء البني عامر أمام منزله.
ومنذ الشهر الماضي يُعاني حي دار النعيم، جنوبي المدينة، الذي تشكل قبائل البني عامر والحباب غالبية سكانه، من الحصار جراء فرض حالة الطوارئ بعد الأحداث الأخيرة بمدينة بورتسودان في ظل نقص في إمدادات المياه والكهرباء.
والعام الماضي نشبت مواجهات دامية بين البني عامر والنوبة أسفرت عن قتلى وحرق للمنازل.
تقصير حكومي
ومن المفارقات أن الناشط السياسي بولاية البحر الأحمر، خالد محمد نور، ظل حتى قبيل حادثة التفجير المتزامن ببورتسودان يحذر عبر حسابه بفيسبوك من تطور الصراع القبلي إلى كارثة وفوضى ما لم تتدخل الحكومة.
ويقول نور إن ما حدث أمس السبت ببورتسودان أمر متوقع وفقا لتسلسل الأحداث التي تطورت من شارع يفصل بين حيين “دار النعيم وفليب”، ليشمل الديوم الشرقية والغربية ثم كل المدينة.
ويشير إلى أن الصراع الآن ينتقل إلى مرحلة الفوضى الشاملة عبر خطابات لجرّ بقية المكونات إلى الصراع وتشكيل اصطفافات أوسع.
يذكر أن نادي الأمير يقع في حي سلبونا الذي تقطنه قوميات من شمال السودان، هاجروا إلى بورتسودان منذ عقود طويلة للعمل في الموانئ.
وينتقد خالد محمد نور ما يسميه حالة التهاون غير المسبوقة من الحكومة في التعامل مع الأحداث، قائلا إن ما يحدث أكثر من مجرد تهاون وتقصير، بل هو تآمر واشتراك.
ويتابع “ما حدث أمس يوضح أننا نمضي نحو كارثة. السلاح الناري ينتشر بسرعة وحتى قائمة المصابين أمس تكاد تخلو من إصابة بالسلاح الأبيض”.
أحداث متسلسلة
وأقرّ بيان لجنة أمن حكومة ولاية البحر الأحمر بالربط بين التفجيرات والصراع القبلي عبر ما عدّه تسلسلا في الأحداث بدأ الخميس الماضي باستهداف القوات المشتركة بارتكاز أسفر عن إصابة عنصر تابع لقوات الدعم السريع.
وصباح أمس السبت نشب شجار في حافلة نقل عام تسبب بإصابة بليغة لأحد المتشاجرين أدّت إلى وفاته.
وإثر ذلك أغلق ذوو المجني عليه الطريق الدائري ما تسبب في إعاقة حركة السير، ونتج عن ذلك حرق شاحنة وركشة (دراجة نارية)، كما أطلق متفلتون أعيرة نارية نتج عنها إصابة شخصين.
وتسبب توالي الأحداث في دفع مواطنين مقيمين بالمنطقة للاحتجاج وقفل الطريق، أعقبه تحرك قوة مشتركة نحو المنطقة فتحت الطريق وثبتت ارتكازات بالموقع.
وأكدت لجنة أطباء السودان المركزية، في بيان مساء أمس، مقتل 4 أشخاص بينهم سيدة جراء انفجار عبوة متفجرة (قرنيت) في نادي الأمير المأهول بعدد كبير من مرتادي النادي والمنطقة.
وحصرت اللجنة 3 إصابات منها إصابتان بطلق ناري وإصابة أخرى جراء الطعن بمدية، ودعت القوات النظامية للقيام بواجبها في حفظ الأمن وأرواح المواطنين.
وقفة احتجاجية
ونفذ مجموعة من الفاعلين ومنظمات المجتمع المدني ببورتسودان، صباح اليوم الأحد، وقفة احتجاجية لوقف الاقتتال أمام مقر النيابة العامة بولاية البحر الأحمر، تمت الدعوة لها قبل أحداث التفجيرات.
وقدم المحتجون مذكرة لتفعيل دور النيابة العامة والإسراع بالنظر في البلاغات المقيدة وتشكيل نيابة لمكافحة جرائم المعلوماتية، إذ تنشط مجموعات في إثارة القلاقل بين المكونات الاجتماعية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ومنذ الثورة التي أطاحت نظام البشير ازدادت وتيرة المواجهات ذات البعد القبلي في شرق السودان بخاصة بين البني عامر والنوبة في ظل تقصير من الحكومة التي دائما ما اكتفت بالتدخل بعد وقوع الأحداث.
وأظهرت مقاطع فيديو تجمهرا للمواطنين عقب تفجير نادي الأمير وإلقاء القبض على أحد المتهمين بواسطة مواطنين وتسليمه للشرطة التي ما زالت تطارد متهمين آخرين.