الرعونة والعناد، في وجهة نظري الشخصية، مرض من أشنع الأمراض، وسببها الغرور والحسد والاعتزاز بالرأي والعقل، وادعاء المعرفة والعلم الذي لا يعلمه ولا يدركه الآخرون، بل لا يعلمه سواي أنا، وهي بدون شك تسيطر عليها الأنا، والشيطان الرجيم ينفخ في رأس هذا الأرعن أو ذاك المعاند عزيز الأنا، الذي وجد الشيطان الرجيم في رأيه وعقله خير موقع لقضاء مآربه وحاجته فيه، بسبب الأنا والغرور والحسد الذي أخل ميزان العقل والمنطق عنده.
والعناد هنا لا نقصد به عناد الطفولة وما شابه، فعناد الطفولة أحياناً أو يكون محموداً في الغالب، ودليل خير لهذا الطفل، وعدم انصياعه أو انسياقه مع من حوله بسهولة، ويكون هذا الطفل فيه من الذكاء وبُعد النظر أحياناً كثيرة أو أكثر من غيره كما يقول أهل الاختصاص، وهذا الطفل يكون من الصعب انحرافه تقليداً لأصحابه المنحرفين، فهي ميزة له كطفل.. ولكن ما نعنيه بالمعاند الأرعن ذاك الذي يخدم الهوى والشيطان الرجيم، والمصالح الشخصية حتى يصل به الأمر إلى الرعونة؛ ومن ثم إضرار نفسه وغيره وهو معتز بعقله واندفاعه الأرعن، والذي لا يدل إلا على غباء متكرس ومتكدس في ذاته وعقله، وهو يعتقد أنه الحر اللبيب الذكي الذي لا يجانبه الصواب، وهو العقل الفريد بين المجموعة، الذي لا تجاريه عقول الجموع والإجماع! نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
هذه النوعية من العقول ما هي إلا خدم عريقة وقوية في خدمة الشيطان الرجيم، وهي العقول التي أجاد إبليس الرجيم كيف يستدرجها بخطواته، كما بيَّن الله تعالى في كتابه محذراً من خطوات الشيطان بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة: 168).
إلا أن هذه النفسيات والعقول أبت إلا أن تخطو خلف الشيطان خطوة بخطوة بتقفي خطاه، وقد استدرجها بالفعل، فكانت على قلوبهم أكنة وفي أذانهم وقراً؛ (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً) (الإسراء: 46)، حتى زاغت منهم النفوس والعقول والأفعال فزاغ الله قلوبهم، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (الصف: 5).
حتى أصبحوا ألعوبة بأيدي الفاسقين، حيث يستغلهم العدو الشيطان الرجيم ومن يعمل له من الفاسدين والفاسقين.
والرعونة كما بيَّنها أهل الاختصاص هي مصدر “رعن”، ومعناها أن هذا الإنسان الأرعن لا يقف إلا مع شهواته وطباعه وإن كان الشيطان الرجيم سيدها!
ولا شك كما وصفتها أو بينتها قواميس اللغة والمعاجم، الرعونة هي الطيش، والأرعن هو الشخص الأهوج الأحمق الأقرب إلى الغباء ومعتقداً أنه الأذكى، وهو صاحب الأعمال والكلمات والأقوال غير المحسوبة على عقل أو دين أو عرف وأخلاق وما شابه! فهو لا ينصر إلا ذاته ونفسه وإن كانت جاهلة في هذا الأمر أو ذاك.
والأرعن المعاند هو الأقرب إلى الاستهتار، وهو الغبي الذي لا يدرك نتائج أفعاله وعناده ورعونته، وهو حقيقة لا يشمله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كيس فطن”، نعم هو خارج نطاق الكياسة والفطنة، فلذلك من الصعب أن يختار ما بين الحسن والأحسن، وهو فاقد باطراد التمييز بين السيئ والأسوأ، بل لا يختار إلا ما يوحي له شيطان غروره واعتزازه في عقله رغم نقصانه، وإن صادف واختار الحسن أو الأحسن فهو من باب الصدف لا من باب الذكاء والفطنة وحسن الاختيار وعكس ذلك.
وإذا كانت النتائج سلبية سرعان ما يضع اللوم على الآخرين ساعياً لإثبات ذكائه وفطنته إلا أن المقابل تآمر عليه بشكل أو بآخر، ويحاول أن يبين أنه ضحية، إلا أنه المعاند الأرعن يديره الشيطان الرجيم وتعاليه على الآخرين.
____________________
إعلامي كويتي.