نكمل حديثنا حول الرعونة والعناد..
في المقال السابق ذكرنا أن الأرعن المعاند يفقد التمييز بين السيئ والأسوأ، وإن صادف واختار الحسن فهو من باب الصدف التي وافقت شهواته وعناده ورعونته، لا من حسن الاختيار! فاختياره إن وافق تعاليه تمادى في مديح نفسه بشكل أو بآخر، وأنه يجيد أحسن الاختيار، وما كان اختياره إلا بإيحاء من شيطانه الذي وافق العرض هواه وشهوته! ومن ثم يدعي الذكاء والتميز رغم أنه يسبح في وحل الغباء والضآلة، وعدم تقديره الأعراف والأخلاق، ولا حتى لمقامات المقابل ومكانته اجتماعيا أو علميا.
وكما ذكرنا لكم أحبابي في الله فإن ما نتحدث فيه لا يدخل فيه الأطفال، لأن الأطفال لهم أمر آخر وتقييم مختلف جدا كما بين ذلك أهل الاختصاص؛ حيث يقول بعضهم في عناد الطفل مثلا: “عناد التصميم والإرادة يعتبر نوعا محمودا للطفل، ويجب تشجيعه ودعمه، مثل أن يصر الطفل مثلا على إصلاح لعبته مهما منعه الأب أو الأم فهذا محمود”.
نعم.. ما نتحدث عنه ليس فيما يخص الأطفال؛ فالأطفال لهم مقاييس أخرى وتقييم آخر يختلف تماما عن العناد والرعونة الشيطانية، كما أسلفنا.
العناد فيه الإيجابي وفيه السلبي أيضا.. أما الإيجابي فهو الذي يكون محور أخذ القرار فيه إقرارا شرعيا، أو نتيجة حوار، ومن ثم إجماع وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، مثلما أصر الإمام أحمد بن حنبل جهرا في بطلان القول بخلق القرآن في مواجهة الاعتزال؛ فكان قدوة لزمانه ولمن بعده.
أما العناد الشيطاني، فهو الذي لا منطق له ولا دليل ولا حجة شرعية أو منطقية عقلية متزنة.. نعم فما هو إلا نزعة عدوانية شيطانية، وتمرد ضد المقابل نصرة للهوى والمزاج والتفلت من النضج، والحرص على الشخصانية وتبديد المصلحة العامة لأجل الخصوصية الشخصانية لا أكثر ولا أقل. وخير تعبير عن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (البقرة: 205، 206).
نعم أيها القارئ الكريم.. أتحدث هنا عن العناد والرعونة الصادرة من الناضج والمسئول الذي ينفرد به الشيطان الرجيم؛ فيمتطي عناده ورعونته؛ ليكون حينها سيد الموقف أمر الشيطان ورغباته، نسأل الله العفو والعافية، ومن خير ما قرأت في العناد رسالة وصلتني قبل سنوات عبارة عن حوار مع حكيم حول العناد والمعاند، جاءتني تحت عنوان ” صفات الدمار للعباد والبلاد يصفها حكيم”، تقول:
قيل لحكيم: ما نقيض التواضع؟ قال العناد!
قيل له: ما هو قرين الكبر؟ قال: العناد! فالعناد يولد الكبر والعكس صحيح!
قيل له: ما نقيض الشجاعة؟ قال: العناد! فالعناد يولد الرعونة، والرعونة عكس الشجاعة وليس الجبن!
قيل له: كيف؟ قال: لأن الجبن يأتي بعد نتائج الرعونة السلبية المدمرة!
قيل له: ما نقيض الإيثار؟ قال: …العناد! فالعناد يولد عدم الرضا ودليل حب الذات فوق المعتاد، وهو وليد الداء العظيم.
قيل له: ما الداء العظيم؟ قال: بلاء الأفراد والجماعات والشعوب!
قيل له: وما هو؟ قال: هو بلاء وليده العناد.. هو الحسد وحب النفوذ والتعالي جاها ومالا ونسبا! وهو الذي لا يبقي ولا يذر وأول من يدمر؛ يدمر صاحبه!
قيل له: ما الحل؟ قال: لا حل.. المعاند إن ترك حسد الآخرين، وإن واجهته يؤذي الجميع ما دام قويا!!
قيل له: ما الحل!!؟
قال: سهام الليل، السجود لله والدعاء له بالصلاح والفلاح، أو يقي الله المسلمين شره بقدرته سبحانه وتعالى..
ــــــــــــــــ
* إعلامي كويتي.