حين وقف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لمصافحة طلاب جامعة جورج تاون خلال حفل تخرجهم، في 22 مايو الماضي، فوجئ برفعهم أعلام فلسطين وصور مراسلة “الجزيرة” شيرين أبو عاقلة التي قتلتها قوات الاحتلال، ورفض بعضهم مصافحته.
تفسير هذا كشف أحد جوانبه استطلاع رأي أجراه مركز “بيو” الأمريكي للأبحاث، يوم 26 مايو الماضي، أظهر أن الأمريكيين ينظرون بشكل أكثر إيجابية إلى الشعب الفلسطيني وبصورة أقل للحكومة الفلسطينية.
وأشار الاستطلاع إلى أن الشباب الأمريكيين والديمقراطيين بشكل خاص يحملون نظرة إيجابية أفضل مقارنةً بنظرتهم تجاه “الإسرائيليين”، ويشير بذلك لتغير نظرة الرأي العام الأمريكي للقضية الفلسطينية.
وأظهر الاستطلاع أن عدد الأمريكيين الذين لهم آراء إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني ارتفع بنسبة 8%، بينما كانت هناك زيادة بنسبة 9% في الآراء الإيجابية تجاه حكومتهم، منذ عام 2019.
بل ووجد استطلاع أجراه معهد الناخبين اليهود (Jewish Electorate Institute) في أمريكا أن ربع الناخبين اليهود الأمريكيين ينظرون إلى “إسرائيل” أنها دولة فصل عنصري.
وأظهر استطلاع للرأي نشرته جامعة ماريلاند، في أبريل الماضي، أن أقل من 1% من المُستطلَعين يعتبرون “إسرائيل” واحدة من أكبر حليفين للولايات المتحدة.
فعقود من الزمان، حظيت “إسرائيل” بمجموعة كبيرة من الدعم داخل قاعات الكونغرس الأمريكي وفي جميع أنحاء البلاد، ومنذ إنشائها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
الاستطلاع يشكل أحدث علامة على كيفية تغير وجهات نظر الدولة الأمريكية تجاه الفلسطينيين و”الإسرائيليين”
لكن هذه النظرة الأمريكية لـ”إسرائيل” وفلسطين اختلفت كثيراً في السنوات الأخيرة بعد نشر الحقائق عبر مواقع التواصل وصعوبة تزوير جرائم الاحتلال التي يجري نقلها بالصورة المباشرة.
ولم تعد شعارات (حق “إسرائيل” في الوجود)، و(ضرب الإرهابيين)، و(معاداة السامية)، تسيطر على المشهد الأمريكي، وحلت بدلاً منها شعارات (الفصل العنصري)، و(سرقة الأراضي)، و(التطهير العرقي) في أوساط الشباب الأمريكي.
من بين المستطلعين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، كان 61% لديهم وجهات نظر إيجابية عن الشعب الفلسطيني وفق استطلاع “بيو”، بينما 56% لديهم وجهات نظر مماثلة لـ”الإسرائيليين”.
ويشكل الاستطلاع أحدث وأهم علامة على كيفية تغير وجهات نظر الدولة تجاه الفلسطينيين و”الإسرائيليين” في السنوات العديدة الماضية، ويشير إلى تراجع مكانة “إسرائيل” لدى الأمريكيين.
وفقاً للاستطلاع الذي أجراه مركز “بيو” الأمريكي للأبحاث، لا يقتصر الاختلاف في وجهات النظر على الأجيال المختلفة فحسب، فقد وجد الاستطلاع أنَّ 64% من الديمقراطيين قالوا: إنهم ينظرون إلى الفلسطينيين نظرة إيجابية، بينما قال 60%: إنهم ينظرون إلى “الإسرائيليين” نظرة إيجابية.
وبالمقابل، ينظر 78% من الجمهوريين إلى “الإسرائيليين” نظرة إيجابية، مقارنةً بـ37% فقط من الجمهوريين الذين يشاركون وجهات نظر مماثلة تجاه الفلسطينيين.
وفي السنوات الأخيرة، أعرب العديد من المُشرِّعين الديمقراطيين عن انتقادهم لـ”إسرائيل”؛ مما خرق إجماعاً سياسياً طويل الأمد في واشنطن بشأن دعم الحزبين لـ”إسرائيل”.
سر التحول لدعم فلسطين
وقبل أسابيع، حذر الكاتب توماس فريدمان القيادة “الإسرائيلية” من تبعات استمرار تبنيها سياسات يمينية ترفض بمقتضاها حل الدولتين.
وشدد فريدمان على أن “إسرائيل” بدأت خسارة الرأي العام بين طلاب الجامعات الأمريكية، مستشهداً بمقاومة الاتحادات الطلابية في أغلب الجامعات الأمريكية استضافة مسؤولين “إسرائيليين” رسميين للحديث داخل أسوارها.
شخصيات أمريكية من أصول عربية نجحت في اختراق حواجز الإعلام الأمريكي والوصول لملايين المشاهدين والتأثير فيهم
وسبق أن قال السفير ديفيد ماك، نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط، الذي سبق له العمل في القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية عقب حرب 1967، لموقع “الجزيرة نت”: إن هناك تغيرات مهمة تشهدها الساحة الأمريكية بخصوص مستقبل الصراع العربي “الإسرائيلي.”
وأضاف ماك أن نتيجة هذا الاستطلاع لا تختلف عما كانت تظهره استطلاعات المعهد العربي الأمريكي (AAI) أو شركة “زغبي” لاستطلاعات الرأي، واستطلاعات البروفيسور شبلي تلحمي في جامعة ميريلاند، لكن -وبسبب كونهم عرباً- لم يكترث كثيرون بهذه النتائج، لكن الأمر اختلف مع توصل استطلاع معهد “بيو” للنتائج نفسها.
ويقول المحلل المصري في الشؤون الأمريكية محمد المنشاوي: إن شخصيات أمريكية إعلامية من أصول عربية -مثل أيمن محيي الدين، أو البريطاني المسلم مهدي حسن- تمارس دوراً متزايداً في تغيير فهم الشارع الأمريكي للصراع العربي “الإسرائيلي” من خلال برامجهما التلفزيونية التي يتابعها الملايين، خاصة بين شباب الجامعات.
كما نجح كثير من العرب والفلسطينيين الأمريكيين من المحللين السياسيين في اختراق حواجز الإعلام الأمريكي والوصول لملايين المشاهدين والتأثير فيهم، وتظهر الناشطة الأكاديمية الأمريكية ذات الأصول الفلسطينية نورا عريقات، والباحث الأمريكي ذو الخلفية المصرية خالد الجندي، الخبير بمعهد الشرق الأوسط، بصورة متكررة في الإعلام الأمريكي.
ويدفع كل ما سبق لظهور خطاب نقدي جديد وقوي يفند مقولات حتمية التحالف الأمريكي والدعم الكامل غير المشروط لـ”إسرائيل”، وتزايد دعم القضية الفلسطينية في الشارع الأمريكي خاصة بين الشباب.