بعد مفاوضات ماراثونية مع تركيا توصلت كل من فنلندا والسويد إلى اتفاق على حل المشكلات العالقة بينهما وبين تركيا ويفتح الطريق أمام الدولتين للانضمام إلى حلف “الناتو”، ويعتبر هذا واحداً من أهم نتائج العدوان الروسي على أوكرانيا.
وهذا تغيير إستراتيجي أساسي وعميق، فالبلدان الإسكندنافيان يعلنان بطلب انضمامهما هذا التخلي رسمياً عن حيادهما التاريخي الذي يمكن أن يعرضهما للخطر المتوقع من أي اعتداءات أو تصرفات روسية مماثلة، بعدما كسرت موسكو قواعد، عدم الاعتداء على المحايدين التي ظلت صامدة في أوروبا منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
موقف تركي حازم
الانضمام لحلف “الناتو” يشترط موافقة جميع أعضاء الحلف بالإجماع، وقد رفضت تركيا، وهو صاحبة ثاني أكبر جيش في حلف “الناتو”، بعد الجيش الأمريكي، التحاق كل من فنلندا والسويد للحلف، إلا بشروطها، فما الدوافع والأسباب التي جعلت تركيا تضع شروطاً صارمة لموافقتها على دخول هاتين الدولتين لـ”الناتو”؟
أولاً: أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بُعداً تاريخياً للمسألة، حيث أشار إلى خطأ الحكومات التركية السابقة في الموافقة على طلب اليونان الانضمام إلى الحلف، علماً أنها لم تتخلَّ عن سياستها المعادية لتركيا ورفضت حلّ المشكلات الثنائية سلمياً وفق القوانين والمواثيق الدولية ومبادئ حسن الجوار، وبالتالي الانخراط في عملية جدِّية لترسيم عادل للحدود البرية والبحرية، بل إن أثينا، على العكس من ذلك، وصلت حتى إلى حد الاستقواء بالحلف نفسه على تركيا، وهو التي لم تكن لتنضمّ إليه دون موافقة أنقرة، وهذا سبب قوي لتشدد تركيا في الموافقة على قبول “الناتو” لعضوية كل من السويد وفنلندا.
ثانياً: وهذا هو الأهم، من غير المعقول أن تقبل تركيا أن تكون عضواً في حلف عسكري، هي الأقوى أوروبياً فيه، ويضم بلداناً تحوُّلاً، وعلى الأخصّ السويد، إلى فندق أو دار ضيافة لتنظيمات إرهابية معادية، وهو يشير تحديداً إلى حزب العمال الإرهابي بأجنحته وأذرعه المختلفة، وقد صرح وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أن الشعب التركي يحمل مشاعر سلبية تجاه دول تتبنّى سياسات معادية لبلاده.
ثالثاً: البلدان لم يتعاونا مع تركيا في ملف مكافحة الإرهاب، إذ قدّمَت تركيا للبلدين 33 طلباً لتسلّيم إرهابيين خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولم تتلقَّ قَطّ ردوداً إيجابية منهما، بل إن السويد وصلت إلى حد فرض عقوبات في عام 2019 على تركيا لتنفيذها عملية عسكرية ضد الجناح السوري للتنظيم الإرهابي شملت منع تصدير بعض الأسلحة ومكوّناتها، والأسوأ أنها قدّمت مساعدات ومعدات عسكرية للتنظيم الإرهابي.
رابعاً: حلف “الناتو” يُفترض أنه يعبّر عن تحالف جدّيّ بين أعضائه، والبند الخامس في ميثاق الحلف يطلب من الدول الأعضاء نجدة ومساعدة أي عضو آخر يتعرض للاعتداء أو التهديد، سواء كان عسكريّاً أو حتى إرهابياً، فالتدخُّل الأمريكي في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر تمّ تحت إطار “الناتو”، فكيف تطلب الدولتان الانضمام إلى الحلف وهما تشكّلان تهديداً لأحد أعضائه صاحب ثاني أكبر جيش مع مساهمات محورية تاريخية وراهنة في عملياته ومهماته منذ تأسيسه؟
رضوخ واتفاق تاريخي ملزم
كان لا بد من وقفة قوية لتركيا حتى لا يتكرر معها ما حدث من قبل اليونان، ولذلك أصرت تركيا على عدم السماح لأحد بدخول حلف “الناتو” إلا بعد التعهد والالتزام بأمن تركيا وبعدم مساعدة، ومكافحة الإرهاب الذي يهددها، وهذا ما تم التعهد به من قبل الدولتين الإسكندنافيتين في مذكرة التفاهم الثلاثية التاريخية التي أبرمتها البلدان الثلاثة، أمس الثلاثاء، التي من أبرز ما تضمنته بنودها:
– توقف فنلندا والسويد عن تقديم الدعم للمنظمات الكردية الإرهابية في سورية حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وما يسمى بوحدات حماية الشعب، ومنظمة فتح الله كولن في تركيا، كما تقدم تركيا دعمها الكامل لفنلندا والسويد ضد التهديدات لأمنهما القومي.
– تأكيد فنلندا والسويد أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية محظورة، وتلتزم فنلندا والسويد بمنع أنشطة حزب العمال الكردستاني وجميع المنظمات الإرهابية الأخرى وامتداداتها.
– تعديلات حديثة للقوانين في كل من السويد وفنلندا يعاقب ينص على تجريم الإرهاب، وقد دخلت التعديلات الأخيرة في فنلندا حيز التنفيذ، في 1 يناير 2022، وتم بموجبها تجريم التحريض العلني المتصل بالجرائم الإرهابية كجريمة منفصلة وسيصدر قانون جديد للجرائم الإرهابية أكثر صرامة في السويد سيدخل حيز التنفيذ في 1 يوليو القادم، وتستعد الحكومة لمزيد من تشديد تشريعات مكافحة الإرهاب.
– أكدت كل من تركيا وفنلندا والسويد أنه لا يوجد الآن حظر أسلحة وطني بينهما.
– ومن أجل تنفيذ هذه الخطوات، ستنشئ تركيا وفنلندا والسويد آلية مشتركة دائمة، بمشاركة خبراء من وزارات الخارجية والداخلية والعدل، وكذلك أجهزة المخابرات والمؤسسات الأمنية، ستكون الآلية المشتركة الدائمة مفتوحة للآخرين للانضمام إليها.
– وقد أكدت تركيا أيضًا دعمها الطويل الأمد لسياسة الباب المفتوح لحلف “الناتو”، ووافقت على دعم دعوة فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف “الناتو” في قمة مدريد لعام 2022.