للمرة الثانية، قاطع التيار الصدري، جلسات الحوار الوطني، التي دعا لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بحضور الرئاسات الثلاثة، ومشاركة قادة الكتل السياسية.
رغم أنه في أي حوار لابد من وجود طرفين يجلسان معا، مباشرة أو عبر وسطاء، للوصول إلى مشتركات ونقاط اتفاق للخروج من الأزمة.
وواصل مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، دعوة أنصاره بالاستمرار في “مشروع الإصلاح”، في أول تعليق له على الجلسة الثانية من جلسات الحوار، دون الإشارة إليها.
وأدى اعتزال زعيم التيار الصدري، العمل السياسي “نهائيا”، إلى اندلاع موجة عنف قادها أتباعه، الذين حاولوا الاستيلاء على مؤسسات الحكم في المنطقة الخضراء، في 29 و30 أغسطس الماضي.
ولم يتوقف العنف، إلا بعد أن دعا الصدر، أنصاره للانسحاب من المنطقة الخضراء، بعد 18 ساعة من المواجهات بين الأجنحة العسكرية للتيار الصدري من جهة، وقوات أمنية وأخرى تابعة لأمن الحشد الشعبي، منعت المهاجمين من تحقيق أهدافهم في المنطقة الخضراء.
ومع دخول القوى السياسية الشهر الـ12 من الفشل في التوافق على تشكيل حكومة جديدة، لا تزال قوى الإطار التنسيقي (أحزاب شيعية) تتمسك بمواقفها المعلنة في تشكيل حكومة جديدة وفق الآليات الدستورية المعتمدة.
في حين يُصر زعيم التيار الصدري، على منع الإطار التنسيقي، من تشكيل الحكومة الجديدة بشتى السبل السلمية وغير السلمية، رغم إعلانه اعتزال العمل السياسي نهائيا.
وأضحت البلاد على حافة حرب داخلية بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، مع احتمالات لاتساع رقعة الحرب لتشمل جغرافيات العرب السنة في الغرب والأكراد في الشمال.
تجنب المواجهة
من المؤكد أن التيار الصدري يمتلك القاعدة الجماهيرية الأكبر في أوساط المجتمع الشيعي، والتي تدين بالولاء المطلق والطاعة العمياء لمقتدى الصدر.
لذلك فان الأطراف السياسية المناهضة للتيار الصدري تخشى الاستجابة والرد على أنشطته سواء السلمية؛ بتنظيم الاعتصامات داخل مؤسسات الدولة، أو المسلحة؛ باقتحام المنطقة الخضراء، ومحاولة الاستيلاء على مركز الحكم ومؤسسات الدولة السيادية.
وتفضل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية تجنيب البلاد احتمالات الدخول في فوضى أمنية واضطرابات قد تخرج عن سيطرة القوى الفاعلة المحلية أو الإقليمية.
وتسعى معظم تلك الأطراف إلى حث قوى الإطار التنسيقي على الاستجابة لرغبات أو لشروط زعيم التيار الصدري بحل مجلس النواب، والدعوة لانتخابات مبكرة.
عودة الاهتمام الأمريكي
كان لافتاً عودة الاهتمام الأمريكي بالأزمة السياسية الراهنة من خلال جولة مساعدِة وزير خارجية الولايات المتحدة لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، في البلاد، واجتماعاتها مع الرئاسات الأربع (الجمهورية، ومجلسي النواب والوزراء، والقضاء الأعلى).
ووفق وسائل إعلام محلية، فإن “ليف”، دعت في اجتماعاتها مع المسؤولين العراقيين إلى حل الأزمة سلميا، وعدم التصعيد بين الأطراف المتنافسة، لضمان عدم تكرار أحداث المنطقة الخضراء.
وحثت ليف الأطراف السياسية على تحقيق ما يمكن تحقيقه من المطالب التي يريدها مقتدى الصدر، عبر الحوار والتفاهم دون تهميش أي طرف، بما فيه التيار الصدري.
وفي مقابلة مع قناة “العربية الحدث” السعودية، أوضحت الدبلوماسية الأمريكية أن واشنطن لن تفضل طرفا على آخر في العراق.
وحذرت من أن البلاد توجد على “حافة الهاوية”، وأن استقرارها وأمنها من أولويات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
قبول بشروط
ووفق مواقف قوى الإطار التنسيقي، فإن هناك قبولاً نسبياً لحل مجلس النواب، والدعوة لانتخابات مبكرة، لكن وفق آليات دستورية.
ويتطلب ذلك أولاً عقد جلسة لمجس النواب لانتخاب رئيس جمهورية، وثانياً تشكيل حكومة جديدة، الأمر الذي يرفضه التيار الصدري، ويعمل على منع عقد أي جلسة للبرلمان.
في ذات الوقت، انتقدت قوى من الإطار التنسيقي مبادرة رئيس مجلس النواب، القيادي في تحالف السيادة محمد الحلبوسي، العضو في تحالف “إنقاذ وطن”، مع الكتلة الصدرية، والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وتتلخص مبادرة الحلبوسي، بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة قبل نهاية 2023، واختيار حكومة كاملة الصلاحيات، وإعادة المحكمة الاتحادية تفسيرها للمادة (76) من الدستور.
ويتعلق الأمر بتوصيف الكتلة النيابية الأكثر عددا، وهو التفسير الذي أثار جدلا في الدورات الانتخابية الأربع الأخيرة.
مأزق سياسي ودستوري
وستظل عجلة الحوار الوطني، بعيدة عن الخروج بنتائج عملية طالما أن الطرف المعني الأول بالأزمة السياسية، وهو التيار الصدري، لا يزال يتمسك بمطالب منع تشكيل الإطار التنسيقي أي حكومة قبل حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات مبكرة.
على الرغم من عدم وجود أي آليات دستورية لحل مجلس النواب إلا بدعوة ثلث أعضاء المجلس، وتصويت ثلثي الأعضاء على الحل، أو بدعوة من رئيس الوزراء، وبموافقة رئيس الجمهورية.
ولا يمتلك الكاظمي، رئيس حكومة تصريف أعمال، صلاحيات كاملة تخوله التقدم بطلب حل مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية.
والرئيس برهم صالح، هو الآخر، يشغل منصبه حاليا دون صلاحيات دستورية، بعد انتهاء فترة ولايته، وعدم التجديد له، أو انتخاب رئيس جمهورية جديد.
وترجح مراكز بحثية محلية، مثل مركز العراق للدراسات الاستشرافية، عدم رد مسلحي الإطار التنسيقي على الجناح المسلح للتيار الصدري، لم يكن من واقع ضعف أو عدم قدرة على المواجهة، وإنما رفضهم أي اقتتال داخل المكون الشيعي.
وأضافت أن التيار الصدري سيعمل ما أمكن، وسيواصل اللجوء إلى جميع الخيارات المتاحة، بما فيها الخيار المسلح، لمنع الإطار التنسيقي من تشكيل أي حكومة يقودها مرشحون مقربون أو على صلة بائتلاف دولة القانون، وحركة عصائب أهل الحق، وتحالف قوى الدولة الوطنية.
ولا يبدو أن ثمة نتائج متوقعة من جلسات الحوار الوطني، التي دعا لها الكاظمي.
فهو حوار أحادي الجانب، لن يفضي إلى أي نتائج، طالما أن الطرف المعني بالحوار، أي التيار الصدري، قاطع جلستي الحوار، ويرفض أي لقاء مع قوى الإطار التنسيقي، التي يصف بعضها بالفساد.
ويصر التيار الصدري، على أنه لن يشارك بأي حوار معها، أو يشترك بأي حكومة بها فاسدون.
وهناك الكثير من المعطيات التي تنذر بتجدد الاشتباكات، التي توقفت بقرار من مقتدى الصدر، مع احتمالات أكبر لتوسع نطاقها في حال وجدت الأجنحة العسكرية لقوى الإطار التنسيقي، ضرورة في التصدي لمسلحي التيار الصدري.