هناك من يرى أن ما يسمى “الأصولية الإسلامية” منبع الإرهاب، وتشريعاتها هي الإرهاب بعينه، وابن تيمية إمام الإرهابيين وهو أيقونة خطابهم المتطرف بوصفه فرعًا منتسبًا إلى شجرة كبيرة تُعرف باسم «الأصولية الإسلامية!» راعية فكرة الجهاد التي تسعى لإخضاع العالم! (ينظر على سبيل المثال: حسام العادلي، المصري اليوم 8 مايو 2022م).
ابن تيمية يتهمونه بالإرهاب والدعوة إليه لأنه حارب المغول والصليبيين، وأحرز ضدهم انتصارات مادية ومعنوية، ودافع عن النصارى الأسرى في الشام حتى أطلق سراحهم قبل المسلمين على أساس أنهم من رعايا الدولة الإسلامية، ويجب تحريرهم والحفاظ على حياتهم ووجودهم بوازع من الشرع والدين، ولكن القوم يرون أن من يتصدى للغزاة الهمج إرهابي، ويعدون كل مدافع عن الإسلام متطرفاً، ولذلك وضعوا العالم المجاهد ابن تيمية على رأس قائمة الإرهاب والإرهابيين وصناع التطرف، اتفق أو اختلف مع بعض آراء ابن تيمية الفقهية، ولكنك لا تستطيع أن تختلف معه عالماً أصيلاً، ومجاهداً صلباً راسخاً في ميادين العزة والشرف ونصرة الإسلام ضد الغزاة، لماذا يعدّونه إذاً إرهابياً؟ هل يخافون على مشاعر الغزاة الهمج؟ هل يخشون جيلاً جديداً يجاهد لتحرير القدس وفلسطين بمنهج الإسلام الذي يدعو إليه ابن تيمية؟
وللأسف، فإن كثيراً من الكتَّاب الطائفيّين المتعصّبين يلحّون على فكرة ربط الإسلام بالإرهاب مباشرة، فضلاً عن التطرّف والتشدّد والعنف، وها هو بولس إسحق يقول في الموقع الطائفي شديد التعصب المسمى “الحوار المتمدن”، في 15 ديسمبر 2015م: “الإسلام هو الإرهاب.. والإرهاب هو الإسلام.. رديفان متلازمان”! ويضيف: “بعض التيارات الإسلامية تدعو إلى تنزيه الدين من الأفعال الإرهابية التي عصفت بالعالم بأكمله، وهذه الدعوات ماهي إلا محاولة فاشلة لتجميل القبيح”!
مصانع الإرهابيين
إن ربط الإسلام بالإرهاب منهج غربي استعماري قديم، أفاد منه الغزاة اليهود في فلسطين، والإلحاح عليه مسألة قائمة في الذهنية الغربية ومستمرة، ولذا تجد الصحف الغربية واليهودية، والإعلام الغربي عموماً، يحرص على الترويج لفكرة أن الإسلام هو الإرهاب التي يرددها الطائفيون المحليون، وبعض النخبة المتغربة التي تحمل صفة الإسلام في شهادة الميلاد!
الإعلام الغربي لا يكف عن وصف الإسلام بالإرهاب، والإعلاميون الغربيون يفعلون الشيء نفسه، وقد وقف أحدهم عند أحد الكتاتيب في أفغانستان، ليقول: إن هذه الكتاتيب مصانع للإرهابيين!
فلك الممنوع
وفي القنوات الغربية الموجهة للعرب والمسلمين، يقدمون البرامج التي تربط بين الدين الحنيف والدم الحرام، ونختار نموذجاً عشوائياً هو قناة “فرانس 24” التابعة للحكومة الفرنسية، حيث تقدم برنامجاً شهيراً بين المشاهدين اسمه “في فلك الممنوع”، لا تخلو حلقة من حلقاته من اختراق الثوابت الإسلامية والعدوان عليها، سواء في اختيار الموضوع أو معظم الضيوف الرافضين للإسلام، وتأمل مثلاً تناول إحدى الحلقات لقضية المساجد في فرنسا عقب بعض الحوادث في باريس، وتصريح وزير الداخلية عن نية السلطات الفرنسية آنئذ إقفال مساجد وجمعيات إسلامية تحرّض -حسب زعمه- على الكراهية والعنف، وكان عنوان الحلقة “مساجد فرنسا: مصانع إرهاب أم ضحية الإسلاموفوبيا؟”، (العربي الجديد، لندن، 3 ديسمبر 2015م).
تغيير الدين
إن البرنامج يقتحم قضايا حساسّة في العالم العربي والإسلامي، في مقدمتها قضية تغيير الدين أو التنصّر، ومدى تقبّل الأمر في المجتمعات الإسلامية، ولكنه حين يطرح قضية المساجد في فرنسا، يبرز رأي الفريق الأكبر من الفرنسيين الذي يرى أن المساجد هي المنشأ الأول للتحريض على القتل والدفع بشباب فرنسي للجهاد في سورية، بينما يعترض الفريق الأقل من الشارع الفرنسي ويرى أنّها كيانات وظيفية لا تختلف عن دور العبادة المسيحية أو اليهودية، وهي بالتالي ضحية معاداة الإسلام، واستضاف البرنامج الصحفي باسكال حيلوط (Pascale Hilout)، صاحب المقال الدوري في “Riposte laïque”، حيث دعا إلى إقفال المساجد في فرنسا ووصفها بأوكار الإرهابيين، وكان حيلوط توجّه قبل أسبوع عبر الصحيفة إلى المسلمين بمقال عنونه “أيها المسلمون تحرّروا من صورة محمد”!
الإرهاب والتشريع
وإذا كان عداء الغربيين للإسلام غير مستغرب، وأيضاً موقف بعض المسلمين الذين تماهوا مع الثقافة الوثنية الغربية، خوفاً وطمعاً، فإن الغريب حقاً، هو موقف بعض من يعيشون بيننا على أرض الإسلام حين يربطون بين الإسلام والإرهاب، ويرون أن الإرهاب نابع من التشريع الإسلامي!
لن أذهب بعيداً، وسآخذ مستقبلاً نموذجاً يفترض فيه أنه موضوعي، ومنهجي وعلمي، ولكنه لا يخافت حين يربط الإسلام بالإرهاب من خلال قيمه وتشريعاته، وللأسف فإنه يكشف عن هشاشة وسطحية حين يجعل من الحداثة الغربية بديلاً عن الإسلام، أو حين يحاول المصالحة بينها وبين الإسلام، دون أن يعرج على المفهوم الحقيقي للحداثة عند أصحابها الغربيين، وهو الانقطاع عن الماضي بكل ما فيه من وحي ودين وتشريع وتاريخ وعادات وتقاليد وقيم وأخلاق، وإنشاء عالم جديد يقوم على أسس الثقافة المسيحية الوثنية التي تؤمن بالمادة فقط، مع اتخاذ القوة وأساليبها المتنوعة طريقاً لفرض هذه الثقافة على الآخرين، ومن بين ذلك ألا يسمح لغير الغربيين بامتلاك عناصر القوة أو أي منها، حتى يظلوا في مرتبة التابع الأمين الذي ينفذ ما يطلب منه، فهي تعطيه الفلسفات المختلفة التي تمحو تصوّره الذي يؤمن به وهويته التي يتميز بها، لتحل مكان هذا وذاك تصورات وهويات أخرى تسير به نحو الوثنية المسيحية الوحشية في النهاية.
التبعية والوثنية
لقد عاش العرب المسلمون قرابة قرنين من الزمان تابعين للثقافة الغربية الوثنية دون أن يتقدموا في المجالات الحيوية تقدماً يحسب لهم، ويشار إليه: فقد أنشؤوا المدارس والجامعات، واستوردوا أحدث الآلات والنظم السياسية والتشريعية والإدارية، ولكنهم أخفقوا -كما قال شيخ الأزهر أحمد الطيب بإحدى الندوات- في صناعة إطار من الكاوتش يستورده العالم منا. (المصري اليوم، 28 يناير 2020م)، لقد أخفقوا في: التعليم، الصناعة، الزراعة، الاقتصاد، العسكرية، الإدارة، التخطيط، العمران، التصدير، الرياضة، الإعلام، الثقافة، المواصلات، الصحة، الدواء، الخبز.. حين تنكروا للإسلام، وتوالت عليهم الهزائم والمتاعب والديون لدول الغرب وغيرها! واستخف بهم الأقربون والأبعدون، وتحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم فصاروا قصعة الأمم!