بعد أسابيع من إجراءات الردع الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية وتحديدًا بمحافظة نابلس، عقب عمليات إطلاق النار التي نفذها مقاتلو مجموعة “عرين الأسود” المسلحة، دخلت مدينة الخليل جنوبًا على خط المواجهة، بعملية إطلاق نار نوعية، نفذها الشهيد محمد الجعبري.
وأطلق “الجعبري” النار صوب مستوطنين قرب مستوطنة “كريات أربع” بالخليل، قتل خلالها مستوطن وأصيب أربعة آخرين أحدهم في حالةٍ صعبة، في مشهد وصفه مراقبون إسرائيليون بـ”الكابوس الأسوأ”.
مراقبون وخبراء يجمعون في أحاديث منفصلة أن عملية الخليل جاءت لتؤكد انهيار إجراءات الردع الإسرائيلي التي تمارسها ضد الفلسطينيين خاصة بشمال الضفة في إطار مواجهتها لعمليات “عرين الأسود”، وتلبية لنداء المجموعة المسلحة التي كانت تستنهض المقاومين في بياناتها للانخراط في العمل المقاوم في أرجاء الضفة.
الأسير المحرر وائل الجعبري شقيق الشهيد “محمد”، يعدّ عمليّة شقيقه بداية انخراط الخليل في الهبّة الشعبية الواسعة في الضفة، وإنذارا بانخراط الجنوب في هذه المواجهة.
ويقول “الجعبري” المبعد إلى قطاع غزة إنّ الخليل وإن جاءت متأخرة في فعل الانتفاضة الجارية بالضفة؛ لكنّ فعلها دائما يكون مفاجئا ومباغتا وقويا واندفاعها أكبر”.
ويُضيف: “الخليل مهيئة أكثر من أي وقت مضى لاندلاع انتفاضة حقيقية فيها، نظرا للتغول الإسرائيلي الاستيطاني المرعب في المدينة تحديدا البلدة القديمة ومحاولة السيطرة على المدينة القديمة”.
ويشير لإحباط حقيقي لدى أهل الخليل من الوضع القائم، خاصة مع تمدد عملية التهويد والتي طالت السطو على مساجد جديدة في المدينة بعد إغلاقها، موضحًا أن ظروف الخليل ليست بمنأى عن ظرف الضفة بشكل عام، وما تعرضت له من عدوان متواصل على يد الاحتلال في القدس ونابلس وجنين.
ويردف “الجعبري”: “أن العملية تأتي بمنزلة استجابة حقيقية لنداءات عرين الأسود، فالرسالة بلا شك وصلت والخليل تلبي”.
السيناريو المرعب..
من جهته، يصف الخبير في الشأن العسكري واصف عريقات العملية أن انخراط المناطق الجنوبية بالسيناريو الأكثر رعبا للاحتلال، حيث كان الخوف الذي ينتاب مؤسساته العسكرية ويحسب لها حسابا طيلة المرحلة القادمة.
ويضيف “عريقات”أنّ هذا الانخراط كان متوقعا؛ أمام التغول الإسرائيلي في الدماء الفلسطينية بالمناطق الشمالية خاصة نابلس وما صاحبها من إعدامات ميدانية.
ويتابع: “الخليل دائما تراقب بشكل حذر، وتنخرط بدافعية أكبر، وهذا ما يدركه الاحتلال وكان يخشى تمدده”.
ويُبيّن “عريقات” أن “ما تشهده الأوضاع الفلسطينية انتفاضة بشكل مختلف، قائمة على نمط تصاعد الموجات، وهي حالة تشهدها الضفة منذ سنوات، وكل موجة تكون أجرأ من سابقتها”.
ويعدّ ضيف سند انخراط الخليل “متغيرًا جوهريًا في خارطة الأحداث؛ لكن الأمر برمته يحتاج إلى حاضنة شعبية ممتدة، ودعم وإسناد يضمن ديمومة العمل وترتيبه”.
ويجددّ “عريقات” رأيه بأن انخراط الخليل تعبير عن انهيار حالة الردع الإسرائيلية، وفشل القدرة على احتواء الحالة الشعبية، مكملًا: “هذا يعدّ بمنزلة انهيار استراتيجي في المنظومة الأمنية الإسرائيلية واخفاق في تقسيم الضفة ومناطقها وإمكانية عزلها لكانتونات”.
انهيار منظومة الأمن..
الخبير في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، يشارك “عريقات” بأن ما حصل بالخليل هو انهيار لمنظومة الأمن الإسرائيلية القائمة على عزل الضفة لكانتونات منعزلة ومنفكة عن بعضها البعض، وغير قادرة على التأثير المشترك فيما بينها.
ويضيف “جعارة”هذه الأحداث تعبير عن انهيار الهندسة الإسرائيلية للمجتمع الفلسطيني، “كانت تعتقد المؤسسة الرسمية أن الشعب الفلسطيني يمكن تدجينه، وراهنت أن تنجح الخليل كنموذج في الانكفاء بعد افتعال أزمات داخلية؛ لكنها فشلت”.
ويلفت إلى أن “أخطر ما يواجه المشروع الإسرائيلي يتمثل في فشل سياسته تجاه قراءة المجتمع الفلسطيني، وما كان يعتقد من نجاح الهندسة المجتمعية في تصنيف المجتمع وتقسيمه”.
ويذكر ضيفنا أن هذا الانهيار لا يعبر عن تراجع ميداني أو خلل في الوسائل والأساليب، بقدر ما يعبر عن فشل استراتيجي، وهو حتما مثار صدمة وسيضفي أزمات مركبة لدى المؤسسة الأمنية لدى الاحتلال.
إرباك غير محسوب..
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس سعيد زيداني، إنّ خروج الخليل عن السيطرة يشكل تحديًا إضافيًا لدى الأحزاب الإسرائيلية التي تقترب من انتخابات الكنيست (مطلع نوفمبر/ تشرين ثاني).
ويوضح “زيداني” أنّ هذه المتغيرات تفرض نفسها على طاولة الأحزاب اليمينية، وتعاظم من إخفاقاتها أمام شارع اليمين.
ويرى أنه ورغم التأثير المحدود المتوقع على العملية الانتخابية، لكنّ الجبهة الشمالية عادت بكل تأكيد على طاولة المؤسسة الأمنية والعسكرية بقوة، وهذا يستدعي طرح تساؤلات كثيرة من الناخب على الأحزاب الحاكمة التي تحقق فشلا ذريعا في مسارها.
ويختم “زيداني” بالقول: “الخليل مثّلت على الدوام حالة اشتباك غير عادية وغير متوقعة في إدارة المعركة بحسب وكالة سند”.