مضت سبعون سنة على احتجاب مجلة “الرسالة” الأدبية التي كان يصدرها الراحل أحمد حسن الزيات، بعد أن ظلت عشرين عاماً تحتضن كبار الأدباء والموهوبين، في شتى المجالات الثقافية، وتخوض حواراً فكرياً وأدبياً ممتداً شارك فيه أدباء الأمة الإسلامية وكتابها من الهند حتى موريتانيا، وتبشر بالتطورات الجديدة المفيدة في مجالات النقد والدراسة الأدبية والشعر والمسرح والقصة والرواية، ويذكر لها أنها أول من تحدث عن الأدب المقارن ورموزه وقواعده، وبعد انقلاب 1952م، استمرت الرسالة بضعة شهور، ثم أعلنت احتجابها بسبب امتناع وزارة المعارف عن الاشتراك في المجلة فضلاً عن ارتفاع تكاليف الطبع، وأعباء الديون. وكانت مجلة “الثقافة” التي تصدرها لجنة التأليف والترجمة والنشر، قد توقفت قبلها بأسابيع، ونعاهما العقاد بمقال حزين.
وكان من المفهوم أن النظام الجديد بعد سقوط الملكية لا يرحب بالآراء الحرة، ولا الحوارات الفكرية التي تغضبه. ولذا آثرت المجلتان، التوقف درءا للمتاعب المتوقعة. وقد حاولت السلطة أن تستعيد “الرسالة” لتكون واجهة ثقافية مقبولة فأصدرت بمعرفة يوسف السباعي ” الرسالة الجديدة” على هيئة المجلات المصورة، وشارك فيها نجيب محفوظ بنشر الثلاثية مسلسلة وكبار الكتاب في ذلك الحين، ولكنها لم تصمد طويلاً، فأعيدت الكرّة مرة أخرى عن طريق وزارة الثقافة والإرشاد القومي، وصدرت الرسالة (أسبوعية) برئاسة الزيات، وإلى جوارها الثقافة (أسبوعية أيضاً) برئاسة محمد فريد أبو حديد، ومعها مجلات الشعر والقصة والفنون الشعبية والفكر المعاصر (شهرية). ولأن الرسالة تصدت لخصوم الإسلام من الشيوعيين والطائفيين، وخاصة لويس عوض الذي فسر شعر أبي العلاء المعري تفسيراً طائفياً، فقد تحالف خصوم الإسلام لإغلاق المجلات جميعاً، بعد أقل من ثلاث سنوات على صدورها، بتهم الرجعية والتخلف والجمود، وانخفاض التوزيع، وكلها تهم باطلة، ولكن التيار الشيوعي المهيمن على الثقافة والمدعوم حكومياً، استطاع إغلاق المجلات جميعاً.
كانت هناك محاولات فردية لإعادة إصدار الرسالة في ثوب متواضع وعلى فترات متباعدة، أبرزها محاولة الدكتور محمد رجب البيومي تلميذ الزيات ولكنها أخفقت جميعاً.
يذكر أن الزيات رأس تحرير مجلة الأزهر بعد إغلاق الرسالة، وضم إليها كبار الكتاب، وظل رئيساً لها حتى لقي ربه في عام 1968م.
ولم تنجح وزارة الثقافة حتى الآن في إصدار مجلة اسبوعية أو شهرية أو فصلية ذات قيمة علمية أو اجتماعية بسبب سيطرة التيار الشيوعي وأشباهه على تحرير الاصدارات، وإقصاء الصوت الإسلامي عن صفحاتها.