يقول المرجفون من المستشرقين وأذيالهم من أتباع الحركة النسوية: التشريع الإسلامي يفرِّق بين الرجل والمرأة في علاج النشوز؛ حيث إنه أعطى الرجل ثلاث وسائل لعلاج المرأة الناشز؛ وهي: النصيحة ثم الهجر في المضجع ثم الضرب، وذلك في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34)، وأما المرأة إذا نشز زوجها فليس لها إلا وسيلة واحدة معه وهي النصح والإرشاد، وهذا ظلم بيِّن للمرأة، فلماذا الرجل يضرب ويهجر وليس للمرأة هذا الحق؟
تفنيد هذه الشبهة وبيان بطلانها
من المضحكات المبكيات إثارة هذه الشبهة؛ ولكن دعونا أولاً نتفق على عدة مبادئ:
– أن تساوي الرجل والمرأة في الكرامة، لا يستلزم وحدة السبل التي ينبغي أن تُتخذ لرعاية هذه الكرامة، فلكل جنس طريقته في التعامل.
– أن الضرب الذي ورد في الآية الكريمة لا يحق للرجل استخدامه في كل الظروف والحالات، وإنما في حالة واحدة فقط، هي نشوز الزوجة، ولا يستخدم هذه الطريقة على سبيل الإلزام، كما أنها لا تكون أول وسيلة للعلاج، وإنما هي الأخيرة.
والمرأة التي تُؤدب من الزوجات هي التي يقول لسان حالها لزوجها: «هيا أدبني»، هي الزوجة التي لم تُكرِم نفسها ولم تَصُن نفسها، ولم تتعامل أو تدفع بالتي هي أحسن، هي المرأة الناشز الخارجة عن حدود المعروف في القول والعمل، فماذا يصنع الزوج أمام زوجة شرسة ثرثارة؟! وماذا يصنع الزوج أمام زوجة نؤوم مهملة؟! وماذا يصنع الزوج أمام زوجة تأخذ ما لها بشراهة ولا تؤدي مما عليها شيئا؟!(1).
– مع تشريع الضرب فإنه مشروط بكونه ضرباً غير مبرح، وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً وبآلة خفيفة، كالسواك ونحوه، ولا يكون القصد من هذا الضرب الإيلام وإطفاء الغيظ، ولكنْ التأديب والإصلاح والتقويم والعلاج، والمفترض أن التي تتلقى الضرب امرأة ناشز، لم تنفع معها الموعظة والهجر، لذلك جاء الضرب الخفيف علاجاً لتفادي الطلاق، خاصة أن نشوز بعض النساء يكون عن غير وعي وإدراك لعواقب خراب البيوت وتفتت الأسرة.
– أيضاً مع تشريع الضرب كوسيلة لتأديب الناشز إلا أن هناك أحاديث كثيرة نهت عن اللجوء إليه مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَجْلِدُ أحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجامِعُها في آخِرِ اليَومِ»(2).
وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا أطعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت»(3).
– إن إعطاء المرأة وسيلة النصح والإرشاد في حالة نشوز زوجها ليس قاصراً على هذه الوسيلة فقط في علاج المشكلة، ولكن لها أن تبتكر ما تشاء من الوسائل لإصلاح زوجها مع ابتعادها عن الضرب؛ لأن الرجل لو ضربته المرأة لتحول إلى وحش كاسر يؤذيها ويحطمها، والتشريع الإسلامي راعى خصائص كل طرف وإمكاناته وقدراته.
وللمرأة أن ترفع أمرها للقاضي عند نشوز زوجها وسوء معاملته لها، وإذا تثبّت القاضي من صحة دعوى الزوجة بنشوز زوجها وظلمه لها، فله أن يعظه ويعرِّفه واجباته ويدله على الخلل الذي وقع فيه، ويجوز للقاضي أن يحكم بضرب الزوج الناشز تعزيراً إذا لم يلمس عنده قبولاً للنصح والإرشاد والترهيب، وبذلك يتضح لنا أن التشريع الإسلامي أباح للزوج تأديب زوجته بنفسه لأن القوامة بيده، وجعل تأديب الزوج الناشز بيد القاضي وليس بيد الزوجة؛ وذلك حفاظاً على قوامة الرجل وهيبته في بيته.
– وكذلك الهجر في المضجع فهو ليس خاص بالرجل في حالة نشوز زوجته، وإنما للزوجة كذلك في بعض الحالات، منها: أن يلزمها زوجها بجماعها أثناء المحيض أو من الدبر.
– إن وجود حق الضرب أو الهجر بيد الرجل لا يستلزم تنفيذه، فالمرأة العاقلة يكفيها الحوار والنقاش لعلاج النشوز الصادر منها، ولكن إذا لم ينفع الحوار بوسائله المختلفة، هنا يحتاج الرجل إلى استخدام الوسائل الأخرى.
– إن تنفيذ الوسائل العلاجية يجب فيه التدرج والمرحلية، ونلاحظ أن الوسيلة الأولى «عقلانية» من خلال الحوار والنصح، والثانية «عاطفية» من خلال هجر المضاجع، فإذا لم ينفع مع المرأة الوسائل العقلانية والعاطفية، هنا سُمِح بالضرب وفق شروطه وحدوده الواردة.
– إن مبدأ التأديب لأرباب الشذوذ والانحراف تدعو إليه الفطرة السليمة ويقضي به نظام المجتمع، وهذا المبدأ يعتمد على مستوى الإنسانية حتى بين الشعوب وحكامها، ولولاه لما بقيت أسرة ولما صلحت أمة.
– رغم أن التشريع الإسلامي أجاز الضرب، فإن الضرب لم يرد عن كبار الصحابة ولا تابعيهم ولا حتى صغارهم، وإنما ورد عن الجهال من العامة في كل زمان ومكان(4).
– ولنا أن نقف مع هذه الرواية التي وردت في صحيح مسلم، يقول أبو مسعود عقبة بن عمرو: كنت أضرب غلاماً لي، فسمعت من خلفي صوتاً: «اعلم، أبا مسعود، لله أقدر عليك منك عليه»، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله، فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار»(5).
– إن المرأة التي ارتضت رئاسة الرجل وقوامته عليها أن ترضى تأديبه لها بالمعروف حين نشوزها، وإن الإسلام حين وضع نظاماً للنشوز، فقد سبقه بأنظمة كثيرة لعدم حصول النشوز ومنها دعمه لحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف والرفق في التعامل مع الزوجة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»(6).
فهل يحق لهؤلاء المرجفين أن يتمسكوا بهذه الشبهة بعد هذا البيان؟
___________________________
(1) المرأة في عصر الرسالة بين واقعية الإسلام وأوهام المرجفين، د. عبدالعظيم المطعني، 1/170.
(2) صحيح البخاري، 5204
(3) صحيح أبي داود، 2142، صححه الألباني
(4) بتصرف من كتاب «شبهات حول المرأة في الإسلام»، إعداد: علي بن نايف الشحود، 1/ 1019.
(5) صحيح مسلم، 1659.
(6) صحيح ابن ماجه، 1621.