- نسمع أن للجهاد أنواعاً كثيرة، فما هذه الأنواع؟ وهل هناك سمة مميزة للقتال في الإسلام؟
– للجهاد أنواع كثيرة؛ منها جهاد النفس، وجهاد الشيطان، ثم جهاد الظلم والفساد، ثم جهاد الكفار والمنافقين، والجهاد بالسيف نوع من ثلاثة عشر نوعاً من الجهاد.
وكان الجهاد في العهد المكي جهاد تبليغ ودعوة لم يؤمر فيه المسلمون بقتال، وتعين القتال عندما أصبح للمسلمين دار ولأسباب كثيرة منها دفع الظلم، ونصرة الحق، وإخماد الفتن، وإنقاذ المستضعفين في الأرض، فإذا ما حدث قتال فالمسلمون ملتزمون بأخلاقيات الحرب.
وبداية، فإن كلمة “الجهاد” مثل كلمة “الاجتهاد” كلتاهما مشتقة من كلمة “جهد”، ومعناها: بذل “الجهد”؛ وهو الطاقة أو تحمل “الجهد” وهو المشقة.
ولكن “الاجتهاد” يعني: بذل الجهد أو تحمل الجهد؛ البدني والنفسي والعملي من أجل الدفاع عن الدين، حتى تكون كلمة الله هي العليا.
وهو يبدأ بجهاد النفس، ثم جهاد الشيطان، ثم جهاد الظلم والفساد في المجتمع، ثم جهاد الكفار والمنافقين.
وقد قسم ابن القيم في كتابه الشهير “زاد المعاد” الجهاد إلى ثلاث عشرة مرتبة؛ أربع منها لجهاد النفس، واثنتين لجهاد الشيطان، وثلاث لجهاد الظلم والفساد والمنكر في المجتمع، وأربع لجهاد الكفار والمنافقين بالأيدي والألسنة والأموال.
وواحدة فقط من هذه الأربع هي التي اشتهرت باسم “الجهاد”، وهي قتال الكفار بالسيف أو باليد، مع أن من تأمل النصوص وجدها تفرق بين مفهوم “الجهاد” ومفهوم “القتال”، فكل مسلم يجب أن يكون مجاهداً، وليس من الضروري أن يكون مقاتلاً، إلا حين يفرض عليه القتال لسبب من الأسباب، كما قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة: 216).
جهاد الدعوة
لقد رأينا القرآن يتحدث عن الجهاد في العهد المكي، قبل أن يشرع القتال، هو جهاد الدعوة وتبليغ الرسالة وإقامة الحجة، هو “الجهاد البياني” بالقرآن، كما قال تعالى في أوائل سورة “العنكبوت”: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) إلى أن قال: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، فهو جهاد التحمل والثبات على المشاق والعذاب لأجل الدين.
وفي ختام سورة “العنكبوت” قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69).
فالجهاد هنا سلمي، ويتمثل في: جهاد النفس والشيطان، في طاعة الله، وابتغاء مرضاته.
وقد ظل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلال العهد المكي “مجاهدين”، ولم يكونوا “مقاتلين”، يتحملون الاضطهاد والحصار، والإيذاء حتى كانوا يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما بين مشجوج ومضروب ومكسور، ويقولون: ائذن لنا أن نقاتل دفاعاً عن أنفسنا، فيقول لهم: “كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة”.
مفهوم الجهاد القتالي وأسبابه
حين كانت الهجرة وأصبح للإسلام دار، وتكونت للمسلمين قاعدة صلبة؛ أذن الله تعالى للمسلمين الذين ظُلموا وأُخرجوا من ديارهم بغير حق أن يدافعوا عن أنفسهم، تقريراً لحرية التدين، وذوداً عن حرمات الأديان، وأماكن العبادة كلها؛ لليهود والنصارى والمسلمين جميعاً.
لنقرأ هذه الآيات: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج).
ثم أمر المسلمون أن يقاتلوا من يقاتلهم، ويكفوا أيديهم عمن يسالمهم، كما قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190).
وقال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة: 193)، والفتنة هي الاضطهاد في الدين من أجل العقيدة، وهو ما اعتبره الإسلام أشد من القتل، وأكبر من القتل؛ لأن القتل اعتداء على الجسد، والفتنة اعتداء على الفكر والروح.
وقرر القرآن وجوب القتال لإنقاذ المستضعفين في الأرض من الشيوخ والنساء والولدان الذين لا يجدون لهم ولياً ولا نصيراً، يقول تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء: 75).
وفي مقام آخر قال القرآن عن المشركين: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (النساء: 90).
العدد (1504)، ص59 – 27 ربيع الأول 1423ه – 8/6/2002م.