أتى في زي رجل الدين اليهودي يتمسح بدينه، لكنه تحدث بلسان رجل السياسة ورجل الحرب في آن واحد، يطلب مسخ هوية الأمة، وتشويه عقلها المستقبلي، وربما بدا له ذلك مطلباً حربياً أكثر منه مطلباً فكرياً! هكذا بدت ثيابه الدينية: زي رجل عسكري.
وسواء كان شيخ الأزهر قد التقى الحاخام بأوامر عليا، أم أنه التقاه لقاء “رجل دين مع عالم دين”، فإن النتيجة واحدة؛ وهي تمام اللقاء الذي أثار عاصفة لم تهدأ بعد، رأى شيخ الأزهر في اللقاء حواراً، ورآه غيره دعوة للتطبيع تمت في القلعة الإسلامية الكبرى “الأزهر الشريف”، وبينما رأى فضيلته التطبيع مع الصهيونية شعبياً هو خيانة للدين وللأمة، فإنه رأى لقاءه بالحاخام بعيداً عن التطبيع! بل اعتبر مقابلة الأعداء ومنهم الحاخام من منطق الإيمان والشجاعة والقوة، مشدداً على أنه إن سمع منه ما لا يرضيه فلن يتورع عن زجره، أو حتى ضربه! فهو –أي الشيخ– يؤثر ولا يتأثر، والحاخام خرج من عنده “وجهه مثل قفاه”!
كعهدنا بفضيلة العلاَّمة يوسف القرضاوي في مثل هذه المواقف الصعبة، كانت له رؤية يعيد فيها الحق إلى نصابه، يحفظ لشيخ الأزهر مكانته، ويثبت له احترامه، ويحفظ للأزهر مكانته، ويثبت له احترامه، ويستنكر أي محاولة للسخرية منه، كما حدث في إحدى الصحف القطرية.. لكنه في الوقت نفسه يعيد ترتيب الذهن المشتت الذي التبس فيه الحق بالباطل، ويقرر اعتزازه بالأزهر معقل الإسلام، مفتخراً بالشعب المصري الذي رفض وما زال يرفض تطبيع العلاقات مع الصهاينة، رغم الاتفاقات بين الحكومات، واعتبر سلاح المقاطعة سلاحاً مهماً يجب الحفاظ عليه، مستنكراً زيارة الحاخام للإمام الأكبر كل الاستنكار، كل ذلك من خلال رؤية بصيرة بالواقع، عليمة بموجبات الفتوى وفقه التعامل مع أهل الكتاب خاصة الحربيين من يهود اليوم، مناقشاً استدلالات الشيخ وبيان مجموع البحوث الإسلامية الذي أيد لقاء الشيخ والحاخام.