عبدالله العلي المطوع: وسيلة الدعاة الوعظ بالحسنى
ابتداء من هذا العدد، تفتح «المجتمع» ملفاً للحوار وموضوعه «وسائل تغيير المنكر» ما هي؟ وإلى أي مدى يمكن للمسلمين أن يواجهوا المنكرات وأصحابها؟ وما وسائل الأفراد والجماعات إلى التصحيح الأخلاقي المطلوب؟ ومن أجل صقل الموقف الإسلامي انطلاقاً من الرغبة في ترشيد مواقف شباب الدعوة الإسلامية من هذه القضية، حاورت «المجتمع» عدداً من أصحاب التجربة الدعوية الطويلة حول هذا الموضوع، بادئة بالسيد عبدالله العلي المطوع، رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي، وفيما يلي الحوار الذي أجريناه معه:
< هناك فئة من الشباب المسلم يعتقد أن الإصلاح باليد هو صاحب الأولوية في إزالة المنكر؛ كأماكن الرقص ومنع الذين يريدون إقامة هذه الحفلات الفاسدة بالقوة، فما رأيكم بهذا؟
– بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن سار على دعوته إلى يوم الدين.
أولاً: قبل أن أناقش موضوع الشباب ومحاولاتهم في القضاء على دور الخنا والمراقص والملاهي وغيرها المنتشرة في أقطارنا العربية والإسلامية، أقول: إن وجود هذه الأشياء المنكرة أصلاً في بلد إسلامي محرم، وحبذا لو أن يد الحكام بدأت بتصحيح الأوضاع وتغيير هذه الدور التي تذبح فيها الفضيلة إلى دور للعلم والثقافة والإرشاد، وبهذا لا يحصل من الشباب شيء كما ذكرت، ولذلك فإن الحكومات هي المسؤولة بين يدي الله سبحانه وتعالى عن تصحيح هذه الأخطاء وتطهير البلاد من الموبقات ومن دور الفساد ومن كل شيء يثير حفيظة الشباب المسلم المتدين، وفي الوقت نفسه لا أرى استخدام العنف واستعمال القوة في تغيير هذه الأمور، ولكن على الشباب المسلم والرجال المسلمين أن يطالبوا الحكام والمسؤولين مطالبة حثيثة من خلال القنوات المشروعة كمجالس الأمة أو البرلمانات أو الصلات الشخصية بإزالة هذه المنكرات، وفي حالة عدم استجابة الحاكم، فإنه وإذا لم يتغير هذا الأمر؛ يحدث من الشباب رد فعل لهذه الأمور المنكرة، ويكون اللوم بعد ذلك ليس على الشباب، بل على الحكام والمسؤولين الذين أوجدوا هذه الأمور، ولذلك حرص الاستعمار في عالمنا العربي والإسلامي أن ينشر هذه الموبقات، وأن ينشر دور الرقص والملاهي وأماكن ذبح الفضيلة ليوجد هذا الصراع بين الرجال المتدينين والشباب الذين يريدون وجه الله، وبين الأطراف الأخرى التي أغواها الشيطان، عندئذ سوف يستفيد المستعمر من الصراعات الداخلية في هذه الأقطار.
< هناك من يرى أن عملية التغيير باليد (الإصلاح بالقوة) تستجلب رد فعل من الحاكم ضد الإسلاميين عموماً، وهذا ما حصل في عدد من البلاد العربية كمصر، فهل هناك ضابط شرعي يحدد الموقف بشكل واضح؟
– الحقيقة كما أسلفت أن المسؤولين في تلك الأقطار وفي مصر هم السبب المباشر لما حصل، ونتيجة إشاعة المنكر لا بد أن يثور الشباب، ولكن رأيي الشخصي أن الدعوة إلى الله يجب أن تسير بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد جاء القرآن الكريم داعياً هذا المعنى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)، ولا شك أن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة منهج يجب علينا جميعاً اتباعه أنه منهج الترشيد والإرشاد والنصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذ الأسلوب هو الذي يجب أن يسود مجالات الإصلاح، أما العنف فهو يحدث ردود فعل، وإذا كان الحاكم في أي بلد من بلدان عالمنا العربي والإسلامي إنساناً لا يتقي الله ولا يرعى حرمات الله متسلطاً بعيداً عن قيم الإسلام ومنهجه، فلا شك أنه سيقف من الشباب بعامة وليس الشباب المتدين فحسب موقفاً متسلطاً عنيفاً طالما أن هذا الشباب قد خالف الحاكم بالرأي، لذا فنحن نجد أن السجون في كثير من البلدان العربية والإسلامية قد فتحت وملئت بالشباب والشابات ظلماً وعدواناً، وما ذلك إلا لمخالفتهم لما يريده الحكام في تلك الأقطار؛ لأن الحكم الدكتاتوري والحكم السلطوي المتسلط لا يرضى بأي رأي معارض، أما الشباب المتدين فلا نستطيع أن نلومه إذا استعمل النصح والحكمة والاتصال ضمن القنوات الشرعية، وعمل كل ما في استطاعته لتغيير المنكر، ولكنه قد لا يوفق بتلك الأساليب الطيبة، عندها لا يمكن في هذه الحالة أن نضغط عواطف الشباب وردود فعله بسبب مواقف أولئك الحكام الدكتاتوريين المتسلطين الذين لا يرعون في الله عهداً ولا ذمة.
< الإمام الشهيد رحمه الله أعطانا درساً فيه بدائل إذا لم يقم الحاكم بالإصلاح لهذا الأمر، فقد كان الإمام الشهيد يذهب بنفسه إلى أصحاب المنكر في الخمارات والمقاهي والسينما ليبين لهم بأسلوبه اللين المخاطر الدينية والاجتماعية والسياسية لهذه المنكرات، ألا تعتقد أن هذا الأسلوب هو من الأساليب البديلة لوسائل العنف في التغيير؟ وهل من الصعب على الشباب المتحمس في مصر أن ينهج هذا المنهج؟ وذلك بفتح حوار شعبي مع أصحاب المنكرات؟
– أنا لست من دعاة العنف ولا أقره بأي شكل من الأشكال، ولا أقر الأمور العشوائية، طبعاً لا أقصد بأن تصرفات الشباب عشوائية، ولكن لا أقر أي شيء عشوائي أو عنف، ولا شك أن منهج حسن البنا رحمه الله ما هو إلا وفق الكتاب والسُّنة في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد مرت البلاد العربية والإسلامية بفترة زمنية كان التسلط فيها للمستعمرين الذين زرعوا في أقطارنا العربية والإسلامية هذه الملاهي وهذه المراقص ودور الخنا المنتشرة في كل مكان، وبعد خروج المستعمرين أوكلوا المهمة إلى بعض أبناء جلدتنا لينفذوا رغباتهم، فلذلك وإن كنت لا أقر العنف فإنني أعتقد أن صبر الشباب قد نفد، وهم يطالبون أولئك الحكام بإصلاح الأوضاع، فهم المسؤولون عما حصل ويحصل، وليس الشباب أبداً، لأن الشباب والرجال حاولوا وما زالوا يحاولون، ولكن هذه الأوضاع كما هي، فشارع الهرم في القاهرة مثلاً شارع تذبح فيه الفضيلة، ولا أقصد شارع الهرم فقط، فالشوارع كثيرة وليس في القاهرة فحسب، بل في معظم البلاد العربية والإسلامية، فالخمر مثلاً تباع جهاراً نهاراً، والمخدرات منتشرة في كل مكان، وهذا لا شك من فعل الاستعمار وأعوانه.
< يصرح أمراء الجماعات الإسلامية في مصر أن الإصلاح باللسان والقلب لم يعد يفيد؛ حيث لا يجدي غير التغيير باليد وإصلاح المنكر بالقوة، ويعتبر هؤلاء أن غير هذا المنهج خطأ، وهذا من شأنه أن يحدث هوة بين العاملين للدعوة الإسلامية، فما رأيكم؟
– الحقيقة أنني لم أطلع على تلك المقابلات التي ذكرتها لأعطي رأيي وأقرر جانب الخطأ والصواب فيها، والكثير من الشباب يضطر في الكثير من الأحيان إلى ممارسة التغيير باليد مندفعين بردود فعل بسبب الفاعل الأصلي، ولا يمكن أن نحكم على أي جماعة إسلامية بتصرف فرد، وأنا لا أقول بأن الشباب المتدين لا يخطئ، فقد يخطئ الإنسان، ولكن هناك من يخطئ متعمداً ويصر على خطئه؛ لذا يجب علينا عدم الحكم حكماً مطلقاً على تصرفات فرد أو أفراد بأي مجموعة، فلعل السلطة استغلت بعض المجموعات كما حصل في بعض الأقطار العربية، فدفعت إلى داخلها عناصر معينة من استخباراتها حيث صارت توحي لها بتصرفات معينة لتقوم تلك الحكومات بضرب التيار كله بحجة هذه الأفعال، ولكن الحقيقة أن المسؤول الأول هم الحكام الذين يريدون أن يضربوا هؤلاء الشباب المعارض، فدسوا بين أفراده العناصر المغرضة، وقد حصل هذا في بعض أقطارنا العربية والإسلامية، حيث افتعلت بعض الحكومات اغتيال عناصر معينة من خصومها ثم نسبت هذه الاغتيالات للعناصر الشابة التي ليست لها علاقة بتلك القضايا، فلذلك يجب أن نكون حذرين في حكمنا وفي طروحاتنا ضد الشباب المتدين المسلم، وألا نؤاخذ الشباب ونلومهم من جراء ما نسمعه من وسائل الإعلام المختلفة التي تغير الحقائق وتجعل من اللص بطلاً، والزانية فتاة عذراء شريفة، كما قال الشاعر:
رب عذراء حرة وصموها | وبغيّ صوروها بتولا |
وقطيع اليدين ظلماً ولص | أشبع الناس كفه تقبيلا |
هذه حقائق مورست على مشهد واطلاع، وهي أن يأتي الحاكم الظالم ويبطش بالشعب تقتيلاً وسرقة لأموالهم وضياعاً لحقوقهم، وبعدها تأتي وسائل إعلامه فتصوره أنه حاكم عادل تقي، حتى تجاوزت بعض وسائل الإعلام إلى أن نسبت أناساً من العصاة الزنادقة إلى أنهم أحفاد المصطفى صلى الله عليه وسلم لتضفي على أعمالهم شيئاً من المشروعية، والرسول صلى الله عليه وسلم بريء من كل من يبتعد عن منهج الله تعالى حتى من يمتّ إليه بصلة.
< آخر مقابلة نشرتها «المجتمع» مع نائب المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور ذكر فيها أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر ليست مسؤولة عن تنامي أعمال الجماعات الإسلامية الأخيرة، فما نصائحكم لهؤلاء الشباب؟
– لعل الأخ الفاضل مصطفى مشهور يعني بعض التصرفات من الشباب الطائشة التي تناولتها في كلامي قد تكون تصرفات من شباب مدسوسين على الشباب الإسلامي من قبل المخابرات وغير المخابرات، لا شك أنني مع الأستاذ مصطفى مشهور لا أقر هذه الأشياء المدسوسة أو كل الممارسات التي لا يقرها الإسلام من أي جهة كانت، ونصيحتي للشباب المسلم في كل مكان:
1- المزيد من تقوى الله والمحافظة على طاعته.
2- التفقه في الدين، واستمرار المطالعة في الكتب الإسلامية التي تتناول جميع شؤون الحياة من اقتصاد وسياسة ومن فقه وسيرة وغير ذلك، وعلينا أن نتأسى جميعاً بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهجه بالدعوة وتطبيق الدعوة، وأقول للشباب المسلم: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)، ونقول أيضاً: يجب أن يكونوا حكماء في دعوتهم وفي تصرفاتهم ونذكر قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159).
إذن، علينا أن نتخلق بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن نأخذ عبرة من الفترة المكية عندما كان المصطفى عليه الصلاة والسلام في مكة وبعدما هاجر إلى المدينة وعندما دخل مكة فاتحاً كان يعامل خصومه وأعداءه الذين تظاهروا عليه والذين أرادوا حربه وقتاله وتآمروا عليه عندما جاء منتصراً وفتح مكة جمعهم مخاطباً إياهم: «ما تظنون أني فاعل بكم؟»، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وعندما دخل أحد القادة من جهة مكة، وهو يشهر سلاحه قائلاً: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل المحرمة، فعزله الرسول عن القيادة، وقال له: بل اليوم يوم المرحمة.
لذلك، فالأسلوب الحسن في تطبيق الدعوة يجب أن يكون هو منهج الداعي إلى الله.
وعلينا أن نستفيد من تجارب الماضي ومن تجارب السلف الصالح، وكبار رجالات الدعوة الإسلامية، وأن نستشير وندعو الله أن يوفق الشباب ليسهموا ببناء أوطانهم ومجتمعاتهم بناء على تقوى من الله وتبصّر في أمر دينهم، واتباع منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته، والعمل بكل الوسائل المشروعة لإعلاء كلمة الله.
[1] العدد (868)، عام 1988م، ص26.