دعا فضيلة العلاَّمة د. يوسف القرضاوي الشعب المصري إلى رفض موائد الإفطار التي دعا إليها السفير الصهيوني في القاهرة، وقال فضيلته في أحدث فتوى أصدرها مؤخراً: إن هذا السفير يظن أنه سيستغل فقر بعض المصريين ليتودد إليهم، ناسياً أن أفقر مصري أغنى من مليونيرات الصهاينة، وهو ينفر من أولئك الذين لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، واستهزأ فضيلته في الفتوى التي أصدرها –بناء على طلب كاتب قطري عبر عموده اليومي في صحيفة قطرية– من كرم اليهود قائلاً: إنهم أعرق خلق الله في الشح والبخل، وأبدى استغرابه من إفطار المسلم الذي يصوم إيماناً واحتساباً عما أحل الله تعالى على طعام خبيث يقدمه اليهود أكلة الربا والسحت الذين لا يزالون يغتصبون أراضي الفلسطينيين! مشيداً بالشعب المصري برفض التطبيع، متنبئاً بأنه لن يأكل طعامهم ولن يفسد صومه ويضيع أجره بارتكاب هذه الجريمة، كما توقع ألا يستجيب فضيلة شيخ الأزهر للفتوى التي يطلبونها، مصراً فضيلته على أن الجهاد هو الشيء الوحيد الذي بيننا وبين اليهود.
وكان الكاتب القطري فواز العجمي قد كتب في صحيفة “الراية” القطرية اليومية في عموده “الكلمة السادسة” بالصفحة الأخيرة متسائلاً: هل يحق لليهود أن يقيموا مأدبة الرحمن في رمضان؟ وهل يحق للمسلم الصائم أن يفطر على هذه المائدة؟ وما الرأي فيمن يقبل دعوة يهودي للإفطار معه على طاولة واحدة؟ وذلك بعد أن ذكرت الأخبار أن سفارة العدو “الإسرائيلي” في القاهرة تنوي إقامة مأدبة لإفطار الصائمين الفقراء طوال شهر رمضان، كما أن السفير “الإسرائيلي” حاول الحصول على فتوى من لجنة الفتوى بالأزهر تجيز مشروعية إفطار المسلم على نفقة اليهودي، وهل يفسد ذلك صومه؟ وذلك أملاً في بث إعلان تلفزيوني بالفتوى لدعوة الصائمين للإفطار المجاني، ولكن هذه الفتوى لم تصدر، وهذا هو نص الفتوى التي أصدرها العلاَّمة د. يوسف القرضاوي رداً على تلك الأسئلة، قال:
وضع الإسلام دستوراً للعلاقات مع غير المسلمين، يتمثل في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة “الممتحنة” حيث يقول: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة).
فالإسلام لا ينهانا عن البر والقسط من المخالفين إذا كانوا لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا، وخصوصاً إذا كانوا من أهل الكتاب، حتى إن الإسلام أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم باعتبارهم أهل دين سماوي في الأصل، وإن حرَّفوا فيه وبدَّلوا.
أما المخالفون الذين ينهانا الله تعالى أن نتولاهم ونتودد إليهم ونقترب منهم، فهم الذين قاتلونا في الدين وأخرجونا من ديارنا، وظاهروا على إخراجنا، وهذا هو شأننا مع يهود اليوم عامة، و”الإسرائيليين” منهم خاصة، فهؤلاء قد حادوا الله ورسوله، وعادوا أمة الإسلام، وحاربوا العرب والمسلمين، وفرضوا كيانهم الدخيل المغتصب بقوة الحديد والنار، والعنف والدم، فالمعركة بيننا وبينهم قائمة منذ اغتصبوا أرض الإسراء والمعراج، وأسروا المسجد الأقصى، وسفكوا دماء أبناء فلسطين وأخرجوهم من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وما زالوا إلى اليوم يتبجحون ويعالنون بدعاواهم العريضة وأحلامهم الكبيرة عن “إسرائيل الكبرى” التي طالما قالوا عنها: إنها من الفرات إلى النيل، ومن الأرز إلى النخيل!
ورغم تخاذل “المهرولين” من العرب الذين رفعوا رايات الإسلام مخالفين قول الله عز وجل: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35)، ما زلنا نرى الصهاينة –منذ عهد رابين إلى عهد نتنياهو– يعلنون صباح مساء أن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لـ “إسرائيل”، وقد حفروا النفق تحت المسجد الأقصى وما زالت الحفريات جارية، ولا ندري تماماً ما مصير المسجد؟! وما زالت مشكلة الاستيطان اليهودي كما هي، إضافة إلى المشكلات الأساسية المستعصية مثل مشكلة اللاجئين ومشكلة الحدود، ومشكلة الدولة الفلسطينية التي قال نتنياهو: إنها لن تقوم في يوم ما!
هؤلاء الأعداء القتلة السفاحون المغتصبون المحاربون المستكبرون في الأرض المغرورون بقوتهم وترسانتهم النووية المتعززون بأمريكا وقوتها العالمية، كيف يجوز لمسلم أن يقترب منهم، ويتودد إليهم، ويأكل طعامهم، وهو طعام مغموس بالدم؛ دم إخوانه في القدس والخليل، دم الذين قُتلوا من أجل النفاق والذين قتلوا وهم ركع سجود في المسجد الإبراهيمي، وغيرهم؟!
بل إني لأعجب كيف يجترئ هؤلاء على مجرد الإعلان عن هذا الأمر وكأنهم بذلك يسخرون من أمة العرب، وأمة الإسلام، يذبحونهم باليمن ويقدمون لهم الفتات المسموم بالشمال؟!
إن المسلم الذي يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، لا يتصور منه أن يصوم عما أحل الله تعالى، ثم يفطر على ما حرم الله، على طعام خبيث يقدمه اليهود أكلة الربا والسحت، والذين لا يزالون يغتصبون أراضي الفلسطينيين جهاراً نهاراً كل يوم أمام أعيننا وعلى مرأى ومسمع العالم المتحضر!
إن الشعب المصري الذي لقَّنهم درساً لم ينسوه، ولم يستجب لفكرة التطبيع المزعومة هو الذي سيعلمهم اليوم -لو تبجحوا وفعلوا– أنه لن يأكل طعامهم، ولن يفسد صومه، ويضيع أجره بارتكاب هذه الجريمة في اللحظة التي يقول فيها: ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله.
إن السفير “الإسرائيلي” في القاهرة يظن أنه سيستغل فقر بعض المصريين ليتودد إليهم، ونسي السفير أن أفقر مصري أغنى من مليونيرات الصهاينة، وهو ينفر من أولئك الذين لعنهم الله وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وهم أغنى الناس أن يفطروا على طعام خبيث!
ثم ما هذا الكرم الذي نزل فجأة على اليهود، فأمسوا يطعمون الطعام ويجودون بالمال، وهم أعرق خلق الله في الشح والبخل، وكما وصفهم الله بقوله: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) (النساء: 53)، إننا لا نريد من الصهاينة أن يجودوا بالمال، إنما نريد منهم أن يردوا الأموال التي نهبوها جهرة أو اختلسوها خفية إلى أصحابها الشرعيين، إن كانوا صادقين.
ولا أدري كيف اجترأ هؤلاء الأفاكون على طلب الفتوى من شيخ الأزهر، ولا أحسب شيخ الأزهر ولا من دونه يجيبهم إلى ما يريدون وهم في كل يوم يقترفون ما يقترفون من الجرائم والموبقات.
إن الذي بيننا وبين الصهاينة شيء واحد، ولا شيء غيره، ولن يذعنوا لسواه؛ وهو “الجهاد” في سبيل الله، حتى نسترد الأرض المغصوبة، ونسترجع الكرامة المسلوبة، ونعيد المشردين إلى ديارهم معززين مكرمين.
وشهر رمضان بما فيه من ذكريات النصر المبين في يوم الفرقان في “بدر”، ويوم الفتح الأعظم لمكة جدير بأن يمدنا بالأمل والرجاء في غد آت لا ريب فيه؛ (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم).