أدى تنفيذ المقاومة الفلسطينية لعشرات العمليات الفدائية ضد جنود الاحتلال «الإسرائيلي» وقطعان المستوطنين إلى شيوع جملة من الظواهر الخطيرة في أوساط المجتمع «الإسرائيلي»، ومنها آثار بعيدة المدى عليه، على مختلف الأصعدة، وفي شتى المجالات؛ الاقتصادية والنفسية والعسكرية.
العمليات بالأرقام
فيما يزعم الاحتلال أنه أحبط أكثر من 500 هجوم فلسطيني عامي 2022-2023، فقد شهد وقوع أضعافها، جعلت منها المعدلات الأعلى في السنوات الأخيرة، مع أن المقاومة بدأت عملياتها أولاً داخل الخط الأخضر؛ حيث بئر السبع والخضيرة، وصولاً لتل أبيب، مما شكَّل مفاجأة غير سارة للمنظومة الأمنية «الإسرائيلية».
وبعدما استعدت «إسرائيل» لاندلاع توترات أمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب أحداث القدس و«الأقصى»، جاءت الضربة في قلب «إسرائيل»، ومع مرور الوقت تحولت إلى الضفة؛ حيث جنين ونابلس، وظهور خلايا «كتيبة جنين» و«عرين الأسود».
ومنذ يناير 2022 وحتى أبريل 2023، وقعت 700 عملية إطلاق نار، و50 عملية طعن، و20 عملية دعس، و400 عملية عبوات ناسفة وزجاجات حارقة، وجاءت الخسائر «الإسرائيلية» لتسجل 40 قتيلاً، و600 جريح بين المستوطنين.
ومن باب المقارنة فقط، ففي عام 2015 الذي اندلعت فيه موجة السكاكين، بلغ عدد القتلى «الإسرائيليين» 29 قتيلاً في 2558 هجوماً، وتجاوز خط الـ20 قتيلاً في عام 2021، وهو العام الذي شهد حرب غزة، وقد كشفت لغة الأرقام عمق الاختراق الذي شكلته المقاومة للجبهة «الإسرائيلية» الداخلية، ففي عام 2021 قُتل 21 «إسرائيلياً»، وعام 2020 قُتل 3، وعام 2019 قُتل 12، وعام 2018 قُتل 16، وعام 2017 قُتل 18، وعام 2016 قتُل 17، وعام 2015 قُتل 29، والعدد الإجمالي 141 قتيلاً.
الهجرة العكسية
وقد جدت نتائج عمليات المقاومة ترجمتها على أرض الواقع من خلال بحث كثير من «الإسرائيليين» عن أماكن ودول وأراض أكثر أمناً، بعد أن تحول العيش في فلسطين المحتلة إلى كابوس مرعب لا يطاق، وبعد انكماش اقتصادي متفاقم، رغم أن المهاجرين خارجها وصفهم إسحق رابين ذات مرة بأنهم «نفاية الضعفاء»، في ضوء أن الهجرة للخارج كانت تعد إلى أمد قريب من المحرمات الكبرى في المجتمع «الإسرائيلي».
وبات العاملون في مكاتب الهجرة الى الخارج مطلوبين أكثر من أي وقت مضى، بسبب مراكمة معلوماتهم عبر الزمن من السفارات والوسطاء، ولديهم إلمام بكل الطرق للحصول على جواز سفر إضافي، وأعلنوا أنه منذ اندلاع العمليات الفدائية تلقوا مئات المكالمات الهاتفية لطلب الاستشارة، ويقولون لهم: نريد ملاذاً تحسباً ليوم عاصف!
مع العلم أن ما يميز جميع من يطلبون الاستشارة للهجرة هو: الفزع، الخوف، الهستيريا، الإحساس بالعجز، القلق، الخوف من الغد، ويقولون: إن معظم آبائنا ناجون من الكارثة النازية، نحن نحب «إسرائيل»، لكننا لم نعد قادرين على التحمل، لقد أصابنا الانهيار، فقدنا الأمل، بتنا نخاف من نشوب حرب كبرى، ونخاف على مصير أولادنا! نحن خجولون من طلب الهجرة.. ولكن ماذا نفعل؟
الخسائر الاقتصادية
بلغ الاقتصاد «الإسرائيلي» ذروته قبيل اندلاع سلسلة عمليات المقاومة أوائل عام 2022 التي وضعت المجتمع «الإسرائيلي» في حالة من الاضطراب، والتوتر الأمني، والانشغال بالمواجهة مع الشعب الفلسطيني، كل ذلك أثر سلباً على القطاعات الأكثر حساسية للتوتر الأمني، كالسياحة، والاستثمار، والصناعة، والزراعة، والتشييد والبناء.
استطاعت المقاومة تكبيد «الإسرائيليين» أثماناً اقتصادية باهظة رغم محاولات الحكومات المتعاقبة التقليل منها، مما دفع الأوساط الاقتصادية للقول: إن التدهور في الاقتصاد بدأ من اليوم الأول الذي بدأت فيه الهجمات الفدائية، وكلّفته المقاومة مليارات الدولارات، وبالتالي مسّت بجميع نواحي الاقتصاد.
وبسبب الخوف من عمليات المقاومة، حدث انخفاض في عدد «الإسرائيليين» المتجهين لشبكات التسوق الكبيرة، وحسب معطيات اتحاد الغرف التجارية، فقد طرأ انخفاض بنسبة 35% على أرباح هذه الشبكات بسبب تقلص عدد الذين يرتادونها، بعد أن شكلت هدفاً لعدد من عمليات المقاومة، وأدت لتقلّص عدد من يقضون إجازاتهم في المنتجعات السياحية.
من جهة أخرى، أفادت شركة النقل العام الرئيسة المعروفة باسم «إيغد» بأنها واجهت انخفاضاً كبيراً في عدد «الإسرائيليين» الذين يستخدمون حافلاتها، مما نجم عن خسائر فادحة كبيرة، بسبب الانخفاض الكبير في الإقبال على استخدام هذه الحافلات بنسبة 43%، علماً بأن حافلات النقل العام شكلت هدفاً مفضلاً لمنفذي عمليات المقاومة.
الأزمة السياسية
أوقعت عمليات المقاومة آثاراً سياسية كبيرة في أوساط الاحتلال، وسط حالة من الإحباط من نجاحها بتوجيه ضرباتها، لكن حكومة الاحتلال واصلت دفن رأسها في الرمال، لأنها اكتفت باللجوء لتكتيكات عملياتية آنية، وخشيت الذهاب لمحاولة التصدي للمقاومة على أرضها، ولم يتورع «الإسرائيليون» عن توجيه جامّ غضبهم لقيادتهم السياسية، لأنه رغم كل الإشارات الحمراء فقد عجزت عن التصدي للمقاومة، والنتيجة أن الفلسطينيين زادوا من ضغطهم عليها.
وبعيدًا عن الضجيج «البروباجندي» الذي يحدثه وزراء حكومة اليمين الفاشية وأعضاء الكنيست الدمويون، فإن القراءات «الإسرائيلية» العقلانية لما يقع من هجمات فدائية متلاحقة، تؤكد أنها لم تحدث من فراغ، بل نابعة من اضطرابات مستمرة، ولن تنتهي بمجرد معالجة النقاط الساخنة للمسلحين بطريقة محددة.