يحمل التقدم الهائل في وسائل الاتصال ومواقع التواصل فيروسات ضارة تدمر خلايا المجتمع القيمية والأخلاقية، مع تفشي التحرش الإلكتروني، واستغلال تلك التطبيقات الحديثة في انتهاك حرمة الأعراض ونشر الفضائح وإشاعة الفاحشة والتربح من صناعة المحتوى الإباحي.
وتفيد دراسة ميدانية بأن أكثر من ثلث عينة الاستبيان التي شملت 400 طالبة بالمدارس والجامعات تعرضن للتحرش الإلكتروني فعلياً.
وتؤكد الدراسة المعنونة بـ«التحرش الإلكتروني الممارس ضد المرأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. الفيسبوك نموذجاً»، للجزائرية غانية حاج، إلى أن غالبية الضحايا فوق العشرين، ومن تعرضن للتحرش غير اللفظي بلغن 87.5%، مقابل 12.5% تعرضن للتحرش اللفظي، وعن آثاره النفسية والاجتماعية؛ أن خمس الطالبات تأثرن بشدة بمحتوى التحرش الإلكتروني، بينما قرابة النصف تأثرن أحياناً، بينما تأثر ثلثهن نفسياً.
دراسة: ضحايا التحرش غير اللفظي بلغن 87.5%.
وأرجعت غالبية العينة السبب الرئيس للتحرش إلى سهولة التخفي بأسماء مستعارة وقلة الدين والأخلاق، وتمثلت صور التحرش في الإيحاءات الجنسية والفيديوهات والصور والدعوات للمواقع الإباحية.
سلبية الضحايا
وعن ردود فعل الضحايا، بينت الدراسة سلبية من تعرضن للتحرش، مشيرة إلى أن من قمن بحظر حسابات التحرش بلغن 56.25%، بينما بلغت نسبة من قمن بإبلاغ الشرطة 37.5% فقط، إلا أن المفاجأة التي كشفتها الدراسة، أن غالبية الأسر وجهت اللوم للمرأة وحملتها المسؤولية عن التحرش.
وتكشف دراسة للباحث أيمن أحمد بعنوان «التحرش عبر الإنترنت الإشكاليات والمواجهة» عن أن نصف العينة (550 من الفتيات والشباب) وجهت إليهم دعوة لمواقع جنسية إباحية أو نشر صور وأخبار بتلميحات جنسية، بينما تعرض أكثر من نصف العينة لمعاكسات من الجنس الآخر، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة 92% من العينة ليس لديهم برامج لحجب المواقع الجنسية، وفق الدراسة.
سلبية الضحايا ظاهرة ومن أبلغن الشرطة 37.5% فقط
تحرش متبادل
اللافت للانتباه أن التحرش الإلكتروني ليس قاصراً على الذكور تجاه الإناث فقط، وإنما قد يكون من الإناث للذكور من خلال المضايقة الإلكترونية أو أي صورة تقنية أخرى، بحسب المحامية أماني أبو سحلي.
وتطالب أبو سحلي من يتعرض للتحرش بتقديم بلاغ في الجهات الخاصة بجرائم الإنترنت وكذلك مديريات الأمن، والتواصل مع مباحث الإنترنت على أن يتم إثبات جريمة التحرش الإلكتروني بمقاطع الفيديو و«الاسكرين شوت»، مشيرة إلى أن غالبية القوانين العربية شهدت خلال السنوات الأخيرة تشديداً في العقوبات بأشكال ودرجات مختلفة، وخاصة مع تزايد أعداد قضايا التحرش، فمثلاً القوانين السعودية ساوت التحرش الإلكتروني بالتحرش الحقيقي على أرض الواقع في العقوبة، وهي تعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين وغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يثبت ارتكابه لجريمة التحرش.
غالبية الأسر وجهت اللوم للمرأة وحملتها المسؤولية عن التحرش
التوعية والردع
وتؤكد د. هند الهلالي، مديرة وحدة مناهضة العنف ضد المرأة، جامعة عين شمس، أن تزايد جرائم التحرش الإلكتروني يرجع إلى الخشية من الفضيحة التي تسيطر على كثير من ضحايا هذا التحرش خاصة من الإناث.
وترى الهلالي أن مجتمعاتنا العربية ما زالت غالبيتها ذكورية بمعنى أنها تحمل الأنثى مسؤولية التحرش حتى لو كانت ضحية، لدرجة تصل لتجريم وتحريم استعمال الأنثى لوسائل الاتصال والتواصل عملاً بمبدأ «المرأة عورة»، ويجب التعامل معها وسجنها معنوياً بمبدأ «الأخذ بالأحوط».
وتشدد الهلالي على ضرورة توعية الفتيات والشباب بكيفية التعامل مع المتحرشين والمتحرشات، وخاصة أنهم جميعاً في مرحلة المراهقة التي يسهل خلالها التلاعب بالمشاعر، ولهذا لا بد من الشجاعة واستخدام الأدوات القانونية والتوعية بكيفية إثبات الجريمة وتقديمها للسلطات الشرطية والقانونية.
التوعية أولاً والشجاعة ثانياً في مواجهة الجريمة باستخدام الأدوات القانونية
تربية الأبناء
ويشير د. سعيد إسماعيل، الأستاذ المتفرغ بكلية التربية جامعة عين شمس، إلى أن غياب التنشئة السليمة من الصغر، والتفكك الأسري، وأصدقاء السوء؛ وراء تزايد معدلات التحرش.
ويتابع: فإذا خرج الولد أو البنت دون تربية أسرية سليمة يكون فريسة سهلة لأصدقاء وصديقات السوء الذين يزينون لهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ووصف الجرائم كنوع من الجرأة والتمرد والتعبير عن النفس والاستقلالية والتحضر تشبهاً بالغرب المنحل أخلاقياً.
وزاد الطين بلة -والكلام على لسانه- أن استخدام وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي أصبح متاحاً للجميع لدرجة أن أعداد التليفونات المحمولة أصبح أكثر من ضعف عدد سكان الوطن العربي، وغالبية الأشخاص معهم أكثر من هاتف، ما جعل التحرش سهلاً.
التربية منذ الصغر والقدوة الحسنة وترسيخ مراقبة الله حلول لمواجهة المرض
ويرى إسماعيل أن علاج هذا المرض يكون بالرجوع لأسبابه، وفي مقدمتها التفسخ الأسري وغياب الأب والأم، والقدرة الحسنة، ثم محاولة التوجيه والمراقبة الذكية للأبناء والبنات من خلال الصداقة والقرب منهم حتى يتقبلوا النصائح التربوية، بعيداً عن ألفاظ الأوامر والتوعد والوعيد التي لم تعد تتقبلها الأجيال الجديدة، مع التأكيد على أن الله رقيب عليه في السر والعلن، وأن ما لا تقبله لمحارمك لا تقبله على غيرك، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاء إليه يطلب منه أن يأذن له بالزنى، فقال له: «أترضاه لأمك.. أو ابنتك.. أو أختك.. أو عمتك.. أو خالتك..»، فكان ذلك طريقاً لهدايته.