- ما حكم الشهيد الذي يستشهد في المعركة لكنه ارتكب بعض الذنوب في حياته أو كان لا يؤدي الفرائض، هل يغفر له ذلك؟
– الذنوب التي ارتكبها الشهيد قبل أن يستشهد قسمان:
1- ذنوب تتعلق بحقوق مالية؛ كغصب، أو سرقة، أو ديون، وودائع ونحوها، فهذه لا تكفرها الشهادة، لأنها من حقوق العباد، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين”.
وعن أبي قتادة –رضي الله عنه– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم، فذكر أن “الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال”، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف قلت؟”، قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم، إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّيْن، فإن جبرائيل قال لي ذلك”، (رواه مسلم وغيره).
2- أما الذنوب التي بين العبد وربه؛ كشرب الخمر، وترك الصلاة، والصيام، ونحوها من غير جحود، ولا استخفاف، فالنصوص ناطقة بأن الله تعالى يغفرها للشهيد، ويطهره من آثارها بفضله ورحمته، فقد جاء في أكثر من حديث: أن الشهيد يغفر له في أول دفقة من دمه، بل جاء في أكثر من حديث: أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته، فكل ذنب لم يصل إلى درجة الردة أو النفاق –والعياذ بالله– يدخل في دائرة المغفرة التي أكرم الله بها الشهداء.
ولعل أبلغ ما يوضح ذلك هذا الحديث النبوي الشريف: روى الدارمي عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “القتلى ثلاثة: مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل”، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: “فذلك الشهيد ممتحن (أي: الذي امتحن الله قلبه للتقوى، وشرح صدره)، في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ومؤمن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل”، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: “ممصمصة (أي: ممحصة مطهرة مكفرة) محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء للخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، ومنافق جاهد بنفسه وماله، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فذلك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق” (رواه الدارمي بهذا اللفظ في “مشكاة المصابيح”، وقال المحدث الشيخ الألباني في تعليقه على أحاديث المشكاة: إسناده صحيح ورواه بنحو هذا الإمام أحمد بإسناد جيد، والطبراني وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في “الترغيب والترهيب” للمنذري في كتاب الجهاد).
وفي رواية: “محاء للخطايا، ومطهرة من دنس الذنوب، سواء كانت ترك بعض الواجبات، أو فعل بعض المحظورات”، ولا حجر على رحمة الله تعالى: كذلك فإن السيف يمحو الخطايا، ولا يمحو النفاق أبداً، ولا يطهر من رجس الردة والإلحاد، فالذين يحملون أسماء المسلمين، ويعيشون بين ظهرانيهم، ولكنهم يضمرون –بل يظهرون أحياناً– التنقص للإسلام والاستخفاف بأحكامه، والمحادة لدعاته؛ لا يطهر خبثهم شيء، ولو قتلوا بأيدي اليهود الفجار.
العدد (1510)، ص59 – 10 جمادى الأولى 1423هـ – 20/7/2002م.